* مضاوي الرشيد سعودية تعمل في كنغز كوليج بدرجة أستاذة، وهي باحثة مرموقة وكاتبة صحفية، وناشطة ذات قيمة دولية عالية في مجال الانتصار لحقوق الإنسان والشعوب. تعيش الرشيد في لندن منذ مدة طويلة، حيث تعمل في إحدى أرقى مؤسّساتها الأكاديمية،غير أنها لم تتوقّف عن الخوض في الشأن السعودي، أملاً في التغيير نحو الأحسن، والتطوير الذي تقتضيه سنّة الحياة، إلا أنها يئست على ما يبدو من إمكانية حدوث تحوّل في بلادها يتوافق وتطلّعات أغلبية السعوديين في الاصلاح، والانتقال إلى الحاضر، مما حدا بها إلى زيادة جرعة مشاركتها في البحث عن الممكن، من أجل وضع جديد في المملكة. ومع أن المعارضة السعودية في الداخل والخارج تصطبغ بالصبغة الإسلامية، إلا أن مضاوي الرشيد، التي تعدّ واحدة من قلائل النساء العربيات اللائي يشار إليهن بالبنان، لمرتبتها العلمية ومكانتها الدولية المتخصّصة بمجال البحث الأكاديمي، تعمل وزميلتها العالمة المرموقة الأخرى الأكاديمية مي يماني، الباحثة في المعهد الملكي للدراسات السياسية (تشتام هاوس)، بعيداً عن هوس المشروع الإسلامي الذي يناقض حقيقة الدين الحنيف في الدعوة إلى التعايش مع الآخر، كما أن المرأتين تشكّلان ظاهرة فريدة في عدم التعاون مع مخابرات الأنظمة الأخرى، وهي الصفة التي تٌلقي بظلالها على عدد غير قليل من المنظّمات العربية، التي تحمل يافطة الدفاع عن حقوق الإنسان أو السائرة على الطريق نفسها. وقد أجرت (المشاهد السياسي) لقاءين من قبل مع الباحثة السعودية، إلا أن مستجدات الأحداث في المملكة من جهة، والموقف الحكومي السعودي المثير للجدل من العدوان الإسرائيلي على لبنان ومن المقاومة اللبنانية من جهة ثانية، كانا فحوى اللقاء التالي معها في باريس حيث تمضي إجازة الصيف:على الرغم من ظهور أحداث أمنيّة بين فترة وأخرى في المملكة، إلاّ أن هناك هدوءاً ظاهراً في الوضع العام، فهل يعني ذلك أن السعوديين سلّموا أمورهم للحكم، لأن الحكم أقوى منهم، أم أنها مسألة هدنة، أم ماذا؟السعودية تمرّ بحالة شلل تامة على الصعيد الاجتماعي والسياسي، سببها الأول والأخير هو النظام الذي عطّل الحراك الفكري، والمطالب السياسية التي صدرت عن جهات مختلفة في الداخل. استطاع النظام بقوّته الشرائية الجديدة، أن يخلق معارضة موالية. تختص هذه المعارضة بمهاجمة الولاياتالمتحدة أو مهاجمة ما تسمّيه ببطانة الحكم، لكنها معارضة قاصرة ما زالت تدور في فلك النظام. المشكلة في السعودية أن لكل أمير بوقه وجوقته، وبما أن هناك تنافساً بين الأمراء، نجد أن هذا ينعكس على الأبواق التي تعتاش من خير الأمراء، فيظنّ البعض أننا هنا بصدد حراك سياسي حقيقي مستقل، ولكننا في الواقع نواجه صراع الحلقات الاجتماعية والفكرية المرتبطة بهذا الأمير أو ذاك. وهذا بالفعل ما حصل عندما تصادم التيار الصحووي مع التيار الليبرالي، في مراكز الحوار الفكري أو في الصحافة أو على الإنترنت. لكل من هذين التيارين أمراء يرعونه ويستطيعون أن يحرّكوه، ليضربوا التيار الآخر متى شاؤوا. المشكلة تكمن في انعدام العمل المستقل، والحراك السياسي الذي لا يرتبط بحلقة الأمراء. وإن وجد، فسريعاً ما يتمّ استقطابه من قبل رموز الحكم، ليصبح تابعاً لهم. المجتمع السعودي بنخبته وشارعه يشارك في عملية ترويض الغالبية والسواد الأعظم من سكان هذا البلد.اتّفاقهناك مؤشرات وتضارب في التصريحات والمواقف بين الأمراء حيال قضايا داخلية وأخرى خارجية، بعضها يتناقض أو يختلف عما يقوله الملك نفسه. من هي الجهة الأقوى في الحكم الآن؟داخلياً، مهما كانت هناك تعدّدية في وجهات النظر، إلاّ أن كل الأمراء المسيطرين على مرافق الحياة السياسية، اتّفقوا على ضرورة إقصاء أي عمل يؤدّي إلى التنازل عن بعض الأمور للشعب. الكل متّفق على عدم إجراء انتخابات حقيقية ومشاركة سياسية وعدالة اجتماعية. الكل يتعاون على إنجاح مشروع الهيمنة السعودية على مجتمع الجزيرة العربية. والكل متّفق على إقصاء الأكثرية الشعبية. ولكن بين الحين والحين، يحصل عدم تنسيق بين الأمراء، فيقول أحدهم شيئاً ليعود الآخر ويقول شيئاً يناقض ذلك. خذ مثلاً موقف سعود الفيصل من الأزمة اللبنانية.. اعتقد هذا مثلاً أن الحلّ يجب أن يكون عربياً، وعندما زار سلطان بن عبد العزيز شيراك في فرنسا، قال إنه يتّفق مع الرئيس الفرنسي على ضرورة إرسال قوّات دولية إلى لبنان. ومثل هذه التناقضات السعودية تثبت حالة التخبّط التي تعيشها المملكة، والتي يتقاسمها هؤلاء الأمراء، كأنها إرث شخصي ورثوه عبر العصور يتصرّفون به حسبما يشاؤون. لا يوجد جهة قويّة وجهة ضعيفة على صعيد الأمراء، بل يوجد حلقات حكم متعددة، تحاول أن تقسم التركة بينها، دون أن يؤدّي ذلك إلى تلاشي التركة.قبل أيام تمّت مصادرة ممتلكات أحد أقطاب الاقتصاد، وهو يوسف الراجحي، الذي أجبر على التنازل عن حقوقه وأمواله وهي بالمليارات، فهل إن مثل هذا الأمر طبيعي ولمصلحة مَن؟هذا ليس بالمستغرب.. فالنظام السعودي يعتمد على مبدأ احتكار الأرض وما عليها، وهو لا يطيق أن تنمو طبقة اقتصادية ثريّة ومستقلّة. النظام يريد على الدوام أن يكون شريكاً مهيمناً له الحصة الأكبر في الكعكة السعودية. يحاول دوماً أن يضرب مصالح التجار بخاصة، إذا لم يكن هو سبب ثرائهم. النظام السعودي يخاف من الاستقلالية الاقتصادية لمواطنيه، لأن ذلك ربما يؤدّي إلى الاستقلالية السياسية لطبقات اجتماعية تطالب بإشراكها في اتخاذ القرار السياسي، لذلك فهو يضربها عندما يجد فرصة لذلك، ويرغب دوماً أن تكون معتمدة عليه وموالية له. سرقة أموال الشعب أصبحت أمراً عادياً، كما هي سرقة الأراضي ومصادرتها وإعطاؤها للأمراء، ومن ثم شراؤها منهم لمشاريع كبناء المطارات والمدن الصناعية. النظام السعودي نظام يعتمد على مصادرة أي مشروع مستقل، ولا يسمح إلا بالمشاريع التي يكون هو مهيمناً عليها. هذا يؤخّر في نضج الطبقة الوسطى التي حوّلها النظام إلى طبقة تحت إمرته، فهو مصدر رزقها، ويستطيع أن يهدّد ثروتها متى يشاء، من خلال الهيمنة السياسية، وإعطاء الرخص والتسهيلات التجارية وغيرها. ولكن عندما يفلت من يده زمام الأمور، يلجأ إلى الحلّ الأخير، تحت ذريعة الحفاظ على السيادة والقانون، فيصادر أموال العباد، ويقضي على ثروات هائلة استطاعت بعض العوائل أن تجمعها.لا وجود لمعارضة سعودية في الداخل ولكل أمير سعودي أبواقه وجوقتهفوضى مدبّرةلكن كيف؟ وبِمَ يبرّر النظام أفعالاً غير قانونية مثل هذه ولِمَ يلتزم الضحايا الصمت؟بما أنه لا توجد شفافية أو قضاء مستقل، فإنه يصعب على هؤلاء اللجوء إلى المحاكم لاسترجاع حقوقهم. إنها فوضى مدبّرة تخدم مصلحة الحكم فقط. المصلحة في هذه القضية هي تقليم أظافر أصحاب النفوذ الاقتصادي، وإعادتهم إلى حظيرة النظام. وهل كل الاجراءات التي يقوم بها النظام، لسلب الناس ممتلكاتهم وثرواتهم ومصالحهم، تمرّ مرور الكرام بدون حساب، وبدون ردّ فعل من المنظّمات الدولية المعنيّة؟أعتقد أن النظام السعودي تعلّم درساً لن ينساه من بن لادن، وشركة عائلته التي أعطت أسامة حيّزاً كبيراً من الحرّيّة، ليقوم بعمل سياسي وعسكري بعيداً عن هيمنة النظام. والكلّ يعرف الآن ما هي نتيجة ذلك. النظام السعودي هو شركة احتكارية لا تقبل المنافسة من أحد، حتى من الذين يدينون لها بالولاء. النظام هو سهم كبير يجب أن يكتسح الأسهم الصغيرة الأخرى، حتى يضمن الهيمنة الاقتصادية، والتي تؤدّي إلى استتباب الأمور السياسية والسيطرة على المجتمع.لا يبدو أن المواطن السعودي قد نال أي قدر من حقوقه في الحرّيات العامّة، والعدالة والمساواة، وما إلى ذلك؛ ومع هذا يبدو أن نشاط المعارضة قد انطفأ! فهل هناك صفقة أم صفعة أم أن الشارع بات مقتنعاً بأن الحكم عازم على الاصلاح والتغيير؟لم ينل المواطن السعودي حقوقه، فهو ما زال يعاني القمع السياسي والاقصاء والبطالة ما زالت نسبتها مرتفعة . المواطن محروم من حق التعبير، إلا إذا كان يمجّد القيادة. وكذلك لا يحق للمواطن إلا أن يحارب أخاه في معارك عقيمة فكرية ودينية لا يستفيد منها إلا النظام. أموال النظام تحرّك الفكر في السعودية باتجاه الولاء، مع الأسف. قد يعتقد البعض أن هناك حرّيات جديدة استطاع البعض أن يكتسبها، ولكن هذه حرّيات قاصرة عن تحقيق الكثير من طموحات النخب. نشاط المعارضة تقلّص، لأنه لا يوجد معارضة حقيقية في الداخل. الموجود في الداخل تيّارات تتصارع فيما بينها على حظوة عند هذا الأمير أو ذاك، وهي دوماً تبحث عن كفيل يتبنّاها. هذه التيّارات تبحث على الدوام عمّن يتبنّاها ولا تستطيع أن تكون مستقلّة. لذلك ما يسمّى بالمعارضة في الداخل، هو مصطلح غير دقيق، وإن وجدت مثل هذه المعارضة، فهي معارضة باهتة قد تقع ضحية في يد هذا الأمير أو ذاك. قد تجد المعارضة حيّزاً ضيّقاً بين هذا الأمير أو ذاك، وتستغل الصراع الداخلي على السلطة، ولكنها في النهاية هي معارضة تدور في فلك وليّ الأمر الماسك بزمام الأمور.قمععلى صعيد آخر ذي صلة، توقفت أميركا عن انتقاد الحكم في المملكة، فهل اكتشفت واشنطن أن الرياض معفيّة مما هو مطالب به غيرها، أم أن الولاياتالمتحدة اكتشفت أنها على خطأ وأن النظام السعودي على حق؟علاقة أميركا بالرياض علاقة حميمة. أميركا تحمي النظام مقابل الولاء المطلق. أميركا تعرف أن أمراء آل سعود يخدمون مصالحها، أحسن من أي شريحة اجتماعية قد تأتي في المستقبل. وعندما تلوّح أميركا بشعارات الديمقراطية، فإنها في حقيقة الأمر إنما تحاول أن تضغط على حليفها بطريقة تحسّن بها سمعة أميركا، وبخاصة عندما تطالب أميركا ببعض الحرّيات. ولكن في النهاية، فإن أميركا تريد من النظام السعودي نفطاً بأسعار معقولة، وتريد ذراعاً تساعدها على تطويع الأنظمة العربية الأخرى. وكذلك تريد من النظام السعودي أن يقمع الحركات الإسلامية المعادية لأميركا. وقد أثبت النظام السعودي أنه يقوم بالمهمّة على أحسن وجه. لذلك بالامكان القول، أن أميركا لن تعادي النظام السعودي إلاّ إذا توافر لديها البديل المقبول، وهو بديل تريده أن يكون أكثر انبطاحاً وولاء لها. وهل يمكن أن تحصل أميركا على بديل بمثل هذه المواصفات؟ يعني، هل هناك نظام أكثر من آل سعود أكثر انبطاحاً؟ربما من المستحيل أن يحصل ذلك.. بدليل أن ما يجري في لبنان من قتل وتدمير على يد إسرائيل، فإنه يقابل بمباركة النظام السعودي من خلال تصريحات «العقلانية» التي روّجها في بداية الحرب، وهي دليل على مدى انخراط السعودية في المشروع الأميركي. أميركا تطلب من النظام السعودي أن يشتري المعارضات العربية، وربما تستعمله في المستقبل لإشعال حرب جديدة في الخليج، إذا ما تطوّرت الأمور إلى أبعد من لبنان وإسرائيل.النظام السعودي شركة احتكارية لا تقبل المنافسة حتى ممن يدينون لها بالولاءحتى إشعار آخرإذا كان كلامك صحيحاً وأنت إبنة السعودية، وأنت خبيرة دوليّة في شؤون المملكة، فكيف نفسّر صمود النظام حتى أمام ضغوط ومطالب التغيير والاصلاح؟بما أن شرعيّة النظام السعودي ضيّقة في الداخل، فإنه يعتمد على الدعم العسكري والسياسي الأميركي حتى يضمن استقرار وضعه. وحقيقة الحال أن واشنطن ستظلّ تعترض على بعض الأمور السطحية، ولكنها متمسكة بالنظام السعودي حتى إشعار آخر.. أي حتى توفّر البديل الذي يحلّ محلّ الحلقة القائمة حالياً.هناك فارق شاسع في برامج التنمية وفي شغل الوظائف القيادية بين أبناء المملكة ومناطقها، فعلى أي أساس تتم هذه التفرقة، وهل السعوديون راضون ومبسوطون، ولذلك لا يتحدثون عن هذه الموضوعات؟نعم هناك فارق بين المدن والريف من حيث الخدمات وفرص العمل والمرافق الحيوية، وهناك تهميش لمناطق مثل عسير والمناطق الشمالية وبعض قرى المنطقة الشرقية. التنمية ليست متساوية في السعودية، وهناك هجرة إلى المدن لدرجة أن الضغط السكّاني يهدّد بكارثة صحّية واجتماعية. كل هذا نتيجة انعدام التخطيط، رغم كل الموارد الاقتصادية. وكذلك هناك سبب سياسي بحت خلف التنمية المبتورة. الحكم في السعودية يشك في ولاء بعض المناطق، لذلك يعاقبهم بحرمانهم من واردات النفط والخدمات وفرص العمل، ليشلّ حركتهم؛ ولكن هذه سياسة فاشلة تغذّي النعرات المناطقية والتذمّر من المركز. سعودة لبنانما هي حقيقة الموقف الحكومي السعودي مع ما يجري في لبنان وفلسطين؟ وفي أي جهة ومع من تقف الرياض في النزاع الحالي أو الأخير؟السعودية تقف مع إسرائيل والولاياتالمتحدة ضد لبنان. حاولت السعودية سعودة لبنان من خلال تبنّي بعض العائلات اللبنانية والشرائح الاجتماعية، ولكن مشروعها فشل بسبب وجود حزب الله وعلاقته الحميمة مع إيران، لذلك ناصبته السعودية العداء منذ البداية. بعد تصريحات المسؤولين السعوديين المخزية في بداية الهجمة الإسرائيلية على لبنان، حاول هؤلاء تلطيف الأجواء والمسارعة الى إرسال المساعدات المالية. وأنا أتساءل لماذا تبذّر أموال النفط لإصلاح ما خرّبته إسرائيل؟ أليس من الأجدى أن تستعمل النفط كسلاح يوقف الهجمة الإسرائيلية على لبنان وفلسطين؟!تتحدّثين وكأن الرياض قادرة على مواجهة إسرائيل بأي سلاح أو أي أسلوب. فهل بإمكان الحكم السعودي أن يحارب إسرائيل، أو أن يساهم في ردعها، وهل يرغب الحكم بذلك حتى وإن لم يستطع؟السعودية لا تستطيع استعمال سلاح النفط في هذه الأزمة، لأن حقول النفط محتلّة من قبل الأميركان، ووزارة الدفاع مشلولة، والخارجية متخبطة، ورأس الهرم مشغول برقصات في المناطق السعودية كسباً للولاء والشرعية.تغييبهذا عن الحكم.. لكن ماذا عن الشعب؟الشعب السعودي مغيّب عن القرار. يحاول النظام أن ينتشل النصر من براثن الهزيمة في لبنان وغزّة، ولكن حتى الآن لا تبدو لنا ملامح هذا النصر ظاهرة. الموقف السعودي المبرّر للعدوان الإسرائيلي أعطى غطاءً عربياً لإبادة الشعب اللبناني والفلسطيني.إلى أين وصلت العلاقات السعودية الإيرانية؟ يُقال إن هناك ظاهراً في هذه العلاقات يغاير الواقع، ويخطط للتفاوض على تقاسم العراق والمنطقة! فمن نصدّق؟تحاول السعودية من جديد استعمال سلاح الطائفية ضد إيران، لكن المشكلة هي صراع سياسي على الخليج. إيران قوّة اقتصادية تطمح في الهيمنة السياسية من جهة، والسعودية لها الطموح نفسه من جهة أخرى. وهذا الصراع مؤجّج من قبل الأميركان. فطالما أن إيران والسعودية ينشغلان ويستنزفان ثرواتهما في هذا الصراع، كما حدث في الثمانينيات، كلما طال أمد الوجود الأميركي العسكري في الخليج. والآن هذا الوجود يمتد من شمال العراق إلى شواطئ الجزيرة الجنوبية. لم يبق إلا سورية ولبنان بعد إيران، وتتمّ الهيمنة الأميركية الشاملة على المنطقة. دول الخليج الصغيرة هي أيضاً تدور في فلك هذا الصراع، ولكنها ربما تكون المتضرّرة الأولى منه، لأن ليس لها البعد الجغرافي المتوفّر لكل من السعودية وإيران. ويجب على هذه الدول الصغيرة أن لا تنجرف في مشروع الصراع على الخليج بين دولتين هما أكبر منها بكثير. الصراع المفتوح مع إيران في الخليج سيغيّر ملامح المنطقة بشكل كامل، وسيقتلع عروشاً معروفة، وربما تبدّل هذه العروش بقوّة أخرى. الصراع العسكري المفتوح سيجعل جميع الاحتمالات والتخمينات ممكنة. ربما أن سقوط الدول القطرية التي عرفناها منذ مئتي عام، لتستبدل بكيانات أخرى لم تكتمل صورتها بعد. آمل أن لا تنجرف المنطقة إلى متاهات جديدة، يكون ضحيّتها الأولى أبناء هذه البلدان. الحكّام سيخرجون بسرعة كما فعلوا في السابق، إلاّ أن عودتهم لن تكون بالسهولة ذاتها.. لأن المجتمعات اليوم هي أقوى وأكثر علماً وفهماً وتنظيماً. كيف هي علاقات الرياض مع اليمن وماذا تريد السعودية من اليمنيين؟فقدت السعودية شاويشها العراقي، وهي اليوم تبحث عن شاويش يمني. السعودية أدخلت اليمن في قبضتها من خلال المشاريع الاقتصادية، ولكن شعب اليمن شعب قوي يصعب استقطابه حتى من حكومته في صنعاء. من السهل دخول اليمن من قبل النظام السعودي، لكن دخول البيت ليس كالخروج منه. السعودية تلعب لعبة خطرة في اليمن، وهذه ليست أول مرة. منذ أوائل الستينيات والسعودية تريد أن تضع اليمن تحت عباءتها، مستغلّة فقر اليمن، ولكن أعتقد أن اليمنيين يعرفون كيف يلعبون اللعبة مع السعوديين، وعندهم وسائلهم الخاصة في الحفاظ على استقلالية قرارهم.هل انتهى الدور السعودي الحالم بلعب دور دولة عظمى في الخليج؟لم يبدأ دور السعودية كدولة عظمى حتى ينتهي. فرغم صغر حجم دويلات الخليج، إلاّ أن هذه الدويلات تملك اليوم القدرة على التملّص من الهيمنة السعودية. كل هذه الدويلات تحتضن الجيش الأميركي الذي يبقى في حالة تأهب قصوى، لمراقبة ليس العراق فقط، بل السعودية وإيران. كذلك تحفظ دويلات الخليج الصغيرة أنماطاً مختلفة من الحراك الصحفي والسياسي الذي يفضح التخلّف السعودي، رغم أن محاولات الانفتاح والاصلاح في الخليج تظلّ محدودة باستثناء مثال واحد؛ إلا أن فيها الكثير الذي يفيد السعودية.. فمثلاً الرخاء المالي الذي يعيشه القطري سيظلّ المثال الذي يصبو إليه السعودي، وسيطرح علامات استفهام كبيرة على التنمية السعودية، إن لم توفّر للمواطن السعودي المستوى نفسه من الرخاء. دولة صغيرة كقطر تعرّي النظام السعودي، ليس اقتصادياً فقط، بل حتى إعلامياً عن طريق قناة (الجزيرة). رغم صغر دويلات الخليج وتواضع تعداد سكانها القليل، إلا أنها تملك الكثير من الأوراق التي تخافها السعودية.صفقاتاشترت السعودية أسلحة من فرنسا بمليارات عدة، وتتفاوض على تحديث قواعد وأسلحة بريطانية أخرى بعشرات المليارات. ما جدوى وما أهمية هذه الأسلحة ومن المستفيد من هذه الصفقات؟شراء الأسلحة من فرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول، هي عملية لإعادة توزيع الثروة النفطية داخلياً وخارجياً. داخلياً: صفقات الأسلحة الكبيرة والكوميسيونات التي تتبعها، تمكّن أفراد الأسرة الحاكمة من الحصول على كمّيّات كبيرة من الثروة، دونما اللجوء إلى السرقة المفضوحة والعلنية. هذه الصفقات هي نوع من تداول الثروة اليوم بطريقة رأسمالية حديثة مبتكرة!!.* اللقاء نشر في مجلة "المشاهد السياسي" بتاريخ 12/8/2006م