يمكن إطلاق توصيف مهم وحاسم على انتاجات السينما العربية، يتمثل في وصفها بأنها سنة السينما المغربية، والأمر لا علاقة له بأحوال البلدان العربية الأخرى التي شهدت ثورات واضطرابات، بقدر ما يأتي ذلك التوصيف من حكم فني منحاز للسينما أولا وأخيراً، ومن دون خوض مقارنات لها أن تكون لمصلحة السينما المغربية التي يزداد حضورها عاماً بعد عام، وقد انتجت هذا العام أكثر من 25 فيلماً بين التجاري والفني والتجريبي، والتي تجتمع جميعاً على استيفائها شروطاً جمالية وفنية لا تساوم عليها، ومنها أفلام شكلت منعطفاً في السينما العربية وحملت مقترحات جمالية خاصة تعاينها السينما العربية للمرة الأولى، وأحدد ذلك في فيلمين لمخرج ومخرجة في تجربتهما الإخراجية الأولى، أي فيلم هشام لعسري «النهاية»، وفيلم ليلى كيلاني«على الحافة». سبق أن كتبت عن الفيلمين، وأكدت أصالتهما بما يدفع للفخر والانحياز لهاتين التجربتين، ولتحضر مع هذين الفيلمين انتاجات أخرى تحمل الكثير من القيم الجمالية والإبداعية مثلما هي الحال مع جديد محمد العسلي «أياد خشنة» وليواصل العسلي تميزه وحضوره بعد أن أدهشنا في فيلمه الأول «الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء»، كما يمكن الحديث عن فيلم حكيم بلعباس «شي غادي وشي جاي» عن الهجرة غير الشرعية، التوصيف الذي يقودنا إلى فيلم مغربي آخر تناول هذه الظاهرة لكن بتوقيع المخرج محمد نظيف بعنوان «الأندلس الحبيبة» والذي توج منذ أيام في مهرجان وهران للفيلم العربي بجائزة أفضل فيلم لمخرج في عمله الأول، إذ سيكون تناول تلك الظاهرة فكاهياً على طريقة كوستاريسا في «تحت الأرض». مقابل هذا المرور السريع على السينما المغربية التي أحدثت قفزة في انتاجاتها وتميزها، لم تغب مصر بإنتاجاتها السينمائية وإن كانت قليلة بسبب ثورة 25 يناير والأحداث التي تعصف بها، إذ يمكن الحديث تجارياً عن جديد خالد يوسف «كف القمر» على سبيل المثال وفيلم آخر شاهدنا عرضه الأول في «دبي السينمائي»، وهو «واحد صحيح» إخراج هادي الباجوري في أولى تجاربه الإخراجية، وهو يقدم ميلودراما عاطفية. أبرز أفلام هذا العام كان فيلم خالد الحجر «الشوق» وقد أعادنا إلى أجمل ما حملته السينما المصرية وأقصد هنا الواقعية المصرية، وليكون الفيلم وفياً لتجارب أسماء مثل خيري بشارة وعاطف الطيب وداود عبدالسيد وآخرين شكلوا ما يعرف بالواقعية المصرية، وليأتي في المرتبة الثانية فيلم «18 يوم» والذي يحتوي على 10 أفلام أخرجها 10 مخرجين تناول كل واحد منهم فيها الثورة المصرية على طريقته الخاصة، بينما يمكن التوقف ثالثاً لدى فيلم عمرو سلامة «أسماء»، الذي يتناول قضية «الإيدز» ومصير مريضة بهذا المرض في ظل مجتمع لا يرأف بها. في هذه الجردة العربية، يمكن الحديث بحضور متزايد للأردن، وذلك من خلال انتاجات «الهيئة الملكية للأفلام» والتي قدمت لنا العام الماضي فيلم محمد الحشكي «مدن ترانزيت»، ولنشاهد هذا العام في دبي فيلمين من انتاجها الأول بعنوان «فرق سبع ساعات» لديما عمرو، والثاني «الجمعة الأخيرة» ليحيى عبدالله وكلاهما في أولى تجاربهما الإخراجية، وليكون فيلم عبدالله اكتشافاً لمخرج يعدنا بالكثير، وما جائزة لجنة التحكبم الخاصة التي نالها فيلم «الجمعة الأخيرة» في الدورة الثامنة من «دبي السينمائي» إلا جائزة مستحقة بجدارة. يبقى لبنانياً فيلم نادين لبكي «هلأ لوين» يملأ الدنيا ويشغل الناس بتوليفته المصنوعة بعناية ليأخذ بإعجاب من يشاهده عربيا وعالمياً، وليكون طافياً على أفلام لبنانية أخرى أهمها فيلم دانييال عربيد «بيروت بالليل» وأفلام في مستوى أقل مثلما هي الحال مع «تنورة ماكسي» ليوسف جو بوعيد و«تاكسي البلد» لدانييال جوزيف. أما سورية، فلم تشهد انتاج أي فيلم روائي طويل، مع أن كلاما كثيرا كان يكتب ويحكي قبل ما تشهده سورية حالياً عن انتاج المؤسسة العامة للسينما لأكثر من أربعة أفلام من بينها جديد المخرج عبداللطيف عبدالحميد، والأمر نفسه بالنسبة للسينما الفلسطينية والتونسية أيضاً، بينما شاهدنا فيلما جزائريا واحدا، بعنوان «نورمال» للمخرج الجزائري المعروف مرزاق علواش وقد نال الجائزة الكبرى في مهرجان الدوحة ترابيكا. الاستعراض السابق لأحوال السينما العربية في هذا العام الذي تفصلنا أيام على انقضائه، لا يتناول إلا الأفلام الروائية الطويلة، دون أن نخوض في انتاجات الأفلام الوثائقية الحاضرة بقوة والمميزة جدا، التي تحتاج مقالاً منفصلاً.