اعلن الامين العام لحلف الاطلسي تكرارا عدم نية الحلف بالتدخل في سورية .لكن مجريات الاحداث واصرار القوى المعادية لسوريا على اسقاط النظام ورفضها كل دعوات الحوار، تنذر بان الاندفاعة ضد سوريا لم تتوقف بعد وهي مستمرة، واذا قيض لها ان توفر الظروف لتدخل عسكري فانها لن تتردد وسوف تنفذ ذلك في الحال . هذه الظروف تستند الى تطور الاوضاع في سوريا، المفتوحة على احتمالات عديدة، خصوصا بعد اللجوء الى تفجيرسيارات مفخخة داخل دمشق، واستخدام اسلوب الهجمات الانتحارية، وما ينذر هذا الاسلوب من نوايا ارهابية. فلو ضعف الجيش السوري وفقدت قدرته على السيطرة المتكاملة على قطعاته الاستراتيجية وخاصة صواريخه الاستراتيجية ودفاعاته الجوية والوية النخبة ، وانشقت عنه فرق بكاملها، ولو سيطر المسلحون التابعون للمعارضة على مناطق شاسعة يسكنها ملايين السكان ، عندها يصبح التدخل تحصيل حاصل لأن الرد السوري على التدخل الخارجي لن يكون في حينها قادرا على ايذاء الغزاة. الوضع الآن ليس كذلك لذا لن يجروء الغربيون على التدخل لأسباب استراتيجية. ويأتي في هذا الاطاركلام امين عام مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف "ان دولا اعضاء في حلف شمال الاطلسي ودولا عربية في الخليج تريد تحويل تدخلهاالحاليفي الشؤون السورية الى تدخل عسكري مباشر وفق السيناريو الذياتبع في ليبيا" متهما تركيا بانها "ستقدم القسم الاساسي من قوات الضرب وانها تخطط مع واشنطن لاعلان منطقة حظر جوي" . رغم ضعف احتمال التدخل العسكري الا انه يبقى واردا و من المفترض ان القيادة السورية تأخذه بعين الاعتبار وهي إستعدت لأسواء الاحتمالات والاستعداد هو الذي يمنع التدخل قبل حصوله ولكن لو حصل فسيكون على غرار التدخل العسكري في ليبيا مع التعديلات المطلوبة بسبب اختلاف مسرح العمليات. السيناريو المتوقع: حرب الكترونية , تشوش على الاتصالات وتعطل منظومة القيادة والسيطرة للقيادة السياسية والعسكرية والامنية مما يحدث ارباكا كبيرا .يترافق ذلك مع هجمات جوية مركزة على المواقع العسكرية والسياسية في سوريا وعمليات في الداخل تقوم بها قوات خاصة متسللة ومن ثم تهيئة الظروف لتدخل بري او من عناصر مسلحة للاستيلاء على السلطة, تماما كما حصل في ليبيا. هل هذا السيناريو له شروط موضوعية توفر فرص نجاحه في سورية؟ خلافا لما كان الوضع في ليبيا فالقوات المسلحة العربية السورية قوية جدا، ومتينة ولها تاريخ عريق ومشرف . في سوريا الجيش جزء اساسي من المجتمع ولا يعتبر الضباط والجنود انهم مكلفون بما ينفع لمصلحة النظام بل مصلحة البلاد وهم وخاصة ضباط الصف والجنود وبالطبع الضباط انفسهم ، لديهم وعي سياسي ويعرفون خفايا ما يجري والامور بالنسبة اليهم واضحة جدا ولم يتأثروا بالدعاية المعادية لأنهم بالوعي السياسي وبالتثقيف الذي يتلقونه في صفوف جيش يعتمد عقيدة وطنية واضحة ، وهذا ما يجعل النظرة العسكرية لى التحركات الشعبية نظرة واقعية وثاقبة. اضافة الى ان الجيش السوري مشهود له بالانضباط العسكري والسياسي. ولأن شكل تماسك الجيش مفاجأة للمراهنين على تفككه إلا ان ذلك لم يكن مفاجئا لمن يعرفونه جيدا,فقد تهيء للمعارضة انها يمكن ان تستميله عندما سمت احدى ايامها "جمعة حماة الديار" لكنها عادت وصبت جام غضبها عليه وقام ارهابيوها بالهجوم على باصات المبيت التي تقل عسكريين ادت الى مقتل وجرح العديد دون تفرقة بينهم ما اثبت وجهة نظر القيادة بأن الازمة هي ازمة ارهاب وليست ازمة مطالب شعبية .كما ان الهجوم على مركز جسر الشغور فضح نوايا المعارضة المسلحة وافقدها اي تعاطف شعبي جارف قد تبتغيه في المستقبل. امتدت هذه المفاجأة والاحباط الى الجهات العربية والدولية التي كانت تراهن على دور سلبي للجيش خصوصا ان جامعة الدول العربية وفي خطوة مخالفة لميثاقها توجهت في احد بياناتها الى الجيش السوري طالبة منه عدم تنفيذ اوامر الحكومة في الوقت الذي تقضي الاصول بان تتعامل الجامعة مع الحكومات وليس مع المؤسسات التابعة لهذه الحكومات. اما ما قيل عن الجيش السوري الحر فقد ولد ميتا لان ظروف الولادة شاذة .تبين ان هذا الجيش هم مجموعة من الفارين من الخدمة وهذا طبيعي في الجيوش اثناء العمليات, وقد فرمؤخرا جنود اميركيون من الميدان في العراق وافغانستان.وحاليا يقيم جماعة الجيش الحر في مخيم في تركيا تحت حراسة مشددة بعد عملية احضار المقدم حسين هرموش من تركيا الى سوريا التي قامت بها القوى الامنية مما اثار الذعر في صفوف الفارين.و يجري استخدام اسم الجيش الحر كغطاء للمسلحين الارهابيين وعملياتهم. ليس سرا ان القيادة العسكرية السورية تضع خططا لمواجهة جميع الاحتمالات ومن ضمنها احتمال شن غارات جوية اوهجمات تخريبية في الداخل او هجمات بحرية او برية.ولفت نظر المراقبين اجراء مناورات للقوات البرية و الجوية والدفاع الجوي السورية والصواريخ ارض – ارض .في هذه المناورات ارادت القيادة العسكرية ان توجه ثلاث رسائل الى تجمع المعادين لسوريا: الاولى: ان الجيش السوري لا يزال متماسكا جاهزا وحاضرا للقيام باي مهمة و ما زالت القيادة تسيطرعلى القوات وتأمرها في مختلف الظروف وان العمليات الامنية التي تنفذها بعض الوحدات في الداخل لا تعني ان الجيش منشغل عن التدريب بل ان برامج العمل ما تزال قائمة والعمل المؤسساتي لم يتغير بفعل الاحداث الراهنة. الثانية:ان القيادة اختبرت الاسلحة الجديدة والاخرى القديمة وفقا لقواعد العمل العادية وانها تأكدت من جهوزية هذه الاسلحة لاستعمالها في اي معركة قادمة .وقد تجلى ذلك في الرمايات واطلاق الصواريخ التي وصلت الى الاهداف المحددة لها بدقة. الثالثة:ان المناورات جرت في بقعة جغرافية واسعة وتضمنت مشاريع تكتيكية وانتقالات لمختلف صنوف القوات في ظروف المعركة وهذا ما اثبت ان منظومة القيادة والسيطرة وتحريك القوات واطلاق الصواريخ قد عملت بشكل طبيعي.كما دلت المناورات على مهنية عالية في التنسيق بين اسلحة البر والقوات الجوية والدفاع الجوي بالاضافة الى الدفاعات الساحلية. فيما يتعلق بالاتصالات والسيطرة فان الجيش السوري شأنه شأن الجيوش المتطورة يعد بدائل في حال تعطل احدى وسائل الاتصال وهذا في صلب العمل المهني لسلاح الاشارة في الجيش .وانه من الصعب جدا على حلف الاطلسي او غيره القضاء تماما على الاتصالات كما حصل في غزو طرابلس الغرب علما ان المقاومة اللبنانية –حزب الله حافظت خلال عدوان تموز 2006 على الاتصالات والسيطرة طيلة فترة القتال التي بلغت ثلاثة وثلاثين يوما رغم التفوق التقني العالي لاسرائيل في هذا المجال. في حال تورط حلف الاطلسي في حرب على سوريا فان نتائج هذه الحرب سوف تكون كارثية على الكيان الصهيوني قبل كل شيء لأن الرد السوري لن يتوانى عن ضرب كل مراكز التجمعات السكانية والصناعية والعسكرية في الكيان وخاصة المطارات والمرافيء والمجمعات العسكرية التي ستشلّ قدرة الكيان على المشاركة في الحرب. طبعا ستصاب سورية بخسائر ايضا ولكنها خسائر محتومة اذا حصل التدخل العسكري الاطلسي فهل تحتمل اسرائيل ضربات شمشونية سورية؟ ومن المنطقي ان لا تقف الدول المتأثرة بالحرب متفرجة عليها ومنتظرة نتائجها . لن تنتظرايران وحركات المقاومة حزب الله وحماس ان يؤكل الثور الابيض لكي يحين دورها وتؤكل ايضا, ومن المرجح ان تتوسع الحرب المفترضة الى جبهات اسرائيل مع لبنان ومع غزة وجبهة ايران مع اسرائيل التي سوف تأخذ بطريقها الخليج بحيث يقفل مضيق هرمز وترتفع اسعار النفط بصورة مذهلة ويصاب الاقتصاد العالمي بضربة قوية. واذا طال امد الحرب واتخذت شكل الحرب غير المتماثلة فاننا سوف نشهد مفاجأت عسكرية وامنية مع افتراض حدوث اضرار في الدول الخليجية التي تتمركز على اراضيها قواعد اميركية وغير ذلك من المشاكل التي تبرز مع تطور الحرب. ان اي هجوم عسكري على سوريا يستوجب حسابات كثيرة ومتشابكة ومعقدة واختيار التوقيت الملائم وتوقع رد الفعل السوري وردود فعل حلفاء سوريا في المنطقة .انه اكبر مما يظن المنتظرون والمتأملون,انه يفتح الباب على تغييرات جذرية في المنطقة لن تكون على الارجح في صالح الغرب .