من الصعوبة بمكان القول بأن العملية التعليمية شيء والعمل الوطني شيء آخر، فمسألة التقدم والنهضة والرقي لدولة ما مرهونة بحجم المساحة التي يحتلها العلم في تلك الدولة وبمدى اهتمامها بالتعليم وبحجم إنفاقها وتخصيصها من ميزانيتها في سبيل العلم والبحث العلمي ومخرجاتهما. الطلاب الذين يجلسون الآن على مقاعد الدراسة هم في المستقبل قادة المجتمع وأصحاب القرار فيه والمؤثرون في خط سيره والتغيير الاجتماعي فيه. فمنهم المفكر والسياسي والشاعر والأديب والطبيب والمهندس، ومنهم قادة النقابات ورجال الأعمال والتجارة والصناعة، ومنهن المعلمات والأمهات والمربيات وربات البيوت. تعتبر المرحلة الجامعية من أهم مراحل النضوج الفكري والتربوي والمعرفي للفرد ولذلك يجب أن يكون الطالب الجامعي هو العقل المفكر وهو القائد في بناء المجتمع لما يملكه من لبنة فكرية عالية. لقد أثبتت الأحداث الدور الفاعل للطلبة في قيادة حركات التحرر والمقاومة في كل الشعوب والأمم، ولأن الطالب هو الأعمق إيماناً والأصدق توجهاً، مجرد من كل مصلحة ، ويبذل بلا مقابل. فلقد كانت الأحداث الأخيرة بمثابة اختبار حقيقي لمدى أهمية الوطن بالنسبة للطالب ولدرجة الوعي السياسي والولاء الوطني والمخزون المعرفي التي تكون وتصقل شخصية الطالب والتي اكتسبها من دراسته في الجامعة، كما وأظهرت تلك الأحداث أن طالب الجامعة هو فعلا العمود الفقري لهذا الوطن،ولا أدل من ذلك على بسالة التضحيات وشجاعة النفس في مواجهة الموت وأدواته ،كيف لا وقد قدمت الأرواح الطاهرة فداء لهذا الوطن . أصدقاء وزملاء كانوا إلى جانبنا يوما يشاركونا الدرس ويبادلونا الحديث ولكنهم آثروا إلا التضحية فماتوا شهداء ليمنحون الوطن حياته التي سلبها الاستبداد. أصبح الاهتمام بالجامعات والبحث العلمي يشكل الحيز الأكبر والأهم بين مؤسسات الدولة ، ولذلك تطفو على الواقع جملة من التساؤلات لتطرح نفسها على واقع الطالب الجامعي ودوره في صناعة الوطن ورسم ملامحه المستقبلية. إنَّ ضرورة أن يسأل كل طالب وطالبة ما المسؤولية الملقاة على عاتقنا كطلاب علم ومعرفة ؟ ما الدور المطلوب منا والمهمة المناطة بنا ؟ ما البرامج التي نحتاجها؟ وهل لنا مهمة على المستوى الوطني ؟ما هي؟وما حدودها وما شروط تفعيل دورنا فيها؟. ومن الطبيعي أن يجري السؤال بإلحاح لماذا لا ننخرط ونحن في لبّ مرحلة البناء بالدور الوطني ؟ لا سيما في ظرف إستثنائي وهام بالنسبة للوطن ولنا كطلاب علم نعتبر الشريحة الأهم من بين شرائح المجتمع المكونة للدولة . ذلك بأن العلم -بمخرجاته- إلى جانب كونه رمز نهضة الدولة،أصبح بمثابة العملة المتداولة فيما بين دول العالم ، ولذا كان لا بد من وضع النقاط على الحروف لتبدوا جلية وواضحة ،بمعنى أو بآخر لا ينبغي أن ننأى بأنفسنا بعيدا عن الحدث العام الذي وفقا له نلاحظ وبشكل متسارع تطورات تمس كيان الدولة لتغير من طابعها التقليدي الذي كثيرا ما ارتبطت فيه العملية التعليمية بصورة جامدة وبمخرجات سلبية، الأمر الذي جعلها تنحرف عن مسارها الحقيقي. التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد والتي يخالجنا معها شعور مليء بالتفاؤل في أن تكون صفحة جديدة خالية من شوائب صراع الماضي العقيم ومن المشاريع الوهمية، غير أن تلك الصفحة لا تختص بوضع خطوطها العريضة فئة محددة دون بقية الفئات والتي من أهمها فئة الطلاب الجامعيين وغيرهم. فطالب العلم بما فيه الجامعي هو من يضع النقاط على أحرف كلمات صانعي القرار ومسؤلي الدولة أيا كانت مهامهم، لتظهر أفكارهم معبرة أكثر عن إرادتنا "كأصحاب معرفة " وعن طموحاتنا التي لا تنتهي حدودها عند أسوار الجامعة بل تتعداها لتشمل الأهداف الكبرى التي من شأنها أن ترتقي بالمجتمع وتنهض به من حالة الركود والإنطواء إلى أفق المعرفة اللامتناهية أطرافه وإلى فضاء العلم والتقدم التقني المتسع والمتزايدة إنتاجاته لحظة بلحظة حتى إنها لتكاد تسبق أنفاسنا. ليس المهم أن نتعلم لنحصل على "شهادة-جامعية أو غيرها" لنبحث بها عن وظيفة أو عمل، فالمهم أن نكون قد استوعبنا ما تعلمناه واستطعنا أن نظيف شيء إلى جانب ذلك، بل الأهم أن نكون قد أدركنا أن نهضة الدولة وتنمية مشاريعها وتقدمها التقني والإندماج في تطور الإنتاج العالمي المعرفي والمادي وغيره،كل ذلك مرهون بإهتمامنا -نحن طلاب العلم-بالتعليم وبمزجه بمسؤوليتنا ودورنا الوطني في نهضة مجتمعنا وتقدم وإرتقاء الدولة التي نعيش في أحضانها وننتمي إليها ، كما تكمن أهمية مسؤوليتنا في أن نحرص على أن الفساد الذي تسلل يوما إلى جامعتنا قد تلاشى وتبددت اثاره ليصبح مجرد ماضي انطوت صفحته والى الأبد.