يعد الغلو في انتهاج أي مبدأ ديني أو إنساني شارة سلبية تنذر بخلل في أتباع ذلك المنهج، وفي الكثير من الأوقات فإن آثار الغلو تكون سلبية على ذلكم المنهج. إن التقية -وهي مبدأ شيعي- قد تستخدم في العمل السياسي البعيد عن المرجعية القيمية الإسلامية، وقد تؤتي ثمارا يرتجيها بعض المخادعين في العمل السياسي، ولكن وإذا ما أصبحت منهجا متبعا لدى بعض الجماعات وتم إقحامها بصورة دائمة وفي غير مواضعها في كثير من الأوقات فإنها ولا شك ستكون مفضوحة ومكشوفة، وهذا ما نراه في نهج الحوثي أثناء تعامله مع أنصاره، ومع بقية المتابعين لتخبطه من أبناء الشعب اليمني. إن الحوثي قد أظهر دهاء وفهما منقطع النظير ولا يرتقي إلى مستواه الساسة ولا رجال الدين ولا حتى مرجعيات إيران وآيات لبنان، وقد ظهر جانبا من هذا الدهاء في استطاعته الجمع بين نقيضين متضادين لا يمكن الجمع بينهما إلا إذا أمكن الجمع بين الماء والنار، وهما مفهومي الولاية والديمقراطية، ولقد أخضع هذين المفهومين لمعالجة عجيبة، وأعلن صلحا بينهما، صلحا لا يتقن هندسته إلا الأئمة الأطهار. ولنضع بين يدي القارئ جانبا من التناقضات بين هذين المفهومين ليتجلى لنا أحقية هذا "المطهر" لحكم اليمن بالولاية الديمقراطية المطهرة. - إن الحياة -بدون الرعاية الحوثية- للولاية محالة التحقق في أجواء الديمقراطية، ذلك أن الديمقراطية في أبسط معانيها تحتم على المتعاملين بها في العمل السياسي أن يلتزموا مبدأ المساواة منهجا، الذي يقضي بأحقية كل مواطن في الوصول إلى الحكم إن أهلته قدراته ومؤهلاته، بصرف النظر عن لونه أو جنسه أو سلالته. - الديمقراطية تعني احترام حرية الشعب في الاختيار واعتبار اختيار الشعب لأي فرد فيه ملزما إلزاما يقتضي الاعتراف والانقياد لذلك الحاكم الذي اختاره الشعب ما دام ملتزما بالدستور والقوانين النافذة. - الديمقراطية تعني فيما تعني طعن التمييز العنصري أو السلالي في مقتله، وهي في ذلك تنسجم انسجاما مباشرا وبين الوضوح مع قيم الإسلام الذي يعد العنصرية مروقا عن منهجه وزيغا عن هديه. وفي الجانب الآخر -وبعيدا عن الرعاية المطهرة طبعا- فأن الديمقراطية تودع المجتمع على عجل إذا اشتمت الروائح الكريهة لفرية الولاية التي يعتنقها الحوثي كمنهج عقائدي، يحكم بالردة على من لا يؤمن بها، خاصة إذا كان من الآل الأطهار. الولاية صك إلهي لسلالة معينة بأن لها الحكم من يوم أن ظهر عبدالله بن سبأ وإلى قيام الساعة، ولا مجال فيها للكلام عن المساواة ولو وردت فيها الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فالمساواة ما دامت أنها تقضي بإسقاط الولاية فالبقاء ولا شك للأصلح -للحوثي- ولا مجال لكل ما يعارضها. الولاية إشعار للأمة بدونيتها -ما عدا فئة منها- وإعلان صارخ للشعوب بانتزاع حقوقهم وتسليمها لصاحب الحق الذي لا ينازعه فيه إلا جاحد ولا يماري فيها إلا جاهل. الولاية صرخة مدوية في وجه الديمقراطية وحقوق الإنسان. لتهتف وبأعلى صوت: إذا كانت الديمقراطية وليدة عقود من الزمن فإن الولاية وليدة قرون.. إذا كانت الديمقراطية منتج إنساني فإن الولاية منتج الهي.. إذا كانت الديمقراطية نظرية أرضية فأن الولاية هندسة سماوية.. وإذا كانت الديمقراطية فلسفة بشرية تعطي الحق للجنس الأدنى فإن الولاية صنعة علوية تعطي الحق للجنس السامي الذي يمثل ذروة سنام الخلائق. وهنا وللقارئ أن يتساءل: هل الحوثي يملك أقل قدر من المصداقية في كلامه عن الديمقراطية، وإذا كان ذلك فقد أخل بمعتقده الذي يعد الولاية ركنا من أركان الإسلام، بل إنها قبل الصلاة كما ثبت في بعض روايات آل البيت النجباء والأطهار. إن الجانب الديني الذي يشكل غطاء نافعا على الجانب السياسي لدى الحوثي أسبق وأحق بالتقديم. فالولاية عنده سياسة مكسوة بدثار الدين، ولا يمكن له التنازل عنها، وإنه وفي ما لو تنازل عنها فقد فقد مشروعه المبني على تلك الفرية السياسية السمجة، ولا بديل له عنها. إن مخادعة الحوثي ظاهرة للبله، بله الأذكياء، وإن المنهج الذي قام طويلا على المخادعة معتمدا على تجهيل الجماهير وجهلهم قد تغير أمامه الواقع وتغيرت الجماهير فهل يعي ذلك الحوثي ليعتق نفسه من الانتحار على مشنقة صحوة الشعب ووعيه أم أنه سيظل سادرا في غيه معتمدا على أوهامه!.