انتهاج الأحزاب السياسية أو الجماعات الدينية أو الفرق اللادينية أو غير ذلك من التكتلات البشرية طريقة التجميل والديكرة للاتجاهات التي تمثلها هو سنة سياسية فرضها الواقع وتواتر على فعلها الشرق والغرب. وتتفاوت التكتلات البشرية في مدى بعدها وقربها عن الشعارات التي ترفعها بغية الحصول على أكبر قدر من التأييد الشعبي والزخم الجماهيري، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترفع أي من التكتلات شعارات تعارض ثقافة المجتمعات التي تعيش فيها، ذلك أن هذا سيؤدي إلى فقدان ثقة أتباعها فيها قبل غيرهم من المستهدف احتواؤهم تحت عباءة ذلك التكتل أو تلك الجماعة. إن الثقافة الاجتماعية هي الضابط الأوحد لإطلاق الشعارات التي تخاطب بها الجماعات مجتمعاتها، وإن مراعاة ذلك منهج متبع عند كافة القوى الاجتماعية والسياسية. ولتلك الشعارات أثر لا يخفى في توجيه وعي المجتمات، خاصة تلك المجتمعات التي يسودها الانحسار الثقافي، التي لا رصيد لها من العمل السياسي والحزبي والإعلامي، والمجتمعات العربية تعد نماذج حية لهذا التوجه بصفة كبيرة، ولهذا فقد وجدت كثير من الجماعات أو الأحزاب في تلك المجتمعات بيئة خصبة للعمل الإعلامي القائد للعمل السياسي الناتج عن اقتناع أكبر عدد ممكن من الجماهير بذلك الاتجاه، وإن لم يكن لتلك الشعارات أثر واقعي في حياة تلك المجتمعات، بل وفي كثير من الأحيان عند الكثير من الجماهير، ولو خالفت تلك الشعارات الواقع وكانت نقيضا له فإن الصدى الإعلامي عند البعض له سحر يطغى على إعمال الفكر والمقارنة بين ما يقال وما يعمل من هذه الجماعة أو تلك. ويعد الضابط الأخلاقي عند قيادة أي تكتل بشري هو الكفيل بردم الفجوة بين الشعارات التي يرفعها وبين الواقع الذي يتبناه، وإنه وكلما زادت الهوة بين الشعار والواقع أعطى ذلك مؤشرا حقيقيا على تدني المستوى القيمي عند ذلك التكتل أو تلك الجماعة، وقد يكون هذا التدني الخلقي ناتجا عن فساد الأيدلوجية التي يتحرك ذلك التكتل على أرضيتها، أو أنه ناتج عن فقدان المشروع الذي يقنع الأمة فيلجأ ذلكم التكتل إلى الخداع والتظليل برفع شعارات تنسجم مع ثقافة المجتمع، وتعويض النقص في العمل - إن لم تكن المخالفة - لها برفع الصوت في ترديدها وكثرة الترديد لتلك الشعارات لتصبح وكأنها قضية الأمة العظمى، وأن غايات الأمة ستتحقق ومقاصدها ستتم بكثرة ترديد الشعارات، وحينها وفي جو الخداع القائد له الإفلاس في المشروعية الحضارية تصبح الوسيلة غاية، وكأن الشعارات التي هي إعلام بأفعال معينة أو شارات تنبئ عن أفعال واقعية تتحول إلى غاية، وإن في رفعها وترديدها نصرة الأمة واستعادة مجدها، ولو لم يوجد عمل واحد يجسد تلك الشعارات. ولتقريب الموضوع من الواقع نذكر نموذجا لذلك، ولا أظن القارئ الهمام إلا قد توصل إلى ذلك النموذج من خلال معرفته التي لا تحتاج إلى حدة ذكاء بالتناقض الحاصل بين شعارات الحوثي وواقعه، وإنه شر من يمثل هذه الظاهرة المقيتة في أبهى صورها. -يرفع الحوثي شعار الموت لأمريكا، ويجسد الموت واقعا "لمستبأ" بعد أن حاول قتل الأمريكان في "عاهم" ظانا أن تجربته في تذويق الأمريكان الأمرين في صعدة ستستعاد في عاهم والجوف وغيرهما، ولكنه تفاجأ أنه لا طاقة له بالقتال بعد أن تغير خصمه من خصم "ممثل" إلى خصم حقيقي، وبعد أن سقط الحليف الأهم الذي كان يحكم اليمن ويقدم الانتصارات للحوثي في الحروب الست السابقة. -يرفع الحوثي شعار اللعنة على اليهود، فإذا هو يعبئ أنصاره بلعن الصحابة الكرام، وإذا كان لعن الحوثي لليهود ذو طابع سياسي، ليحقق الانسجام مع نبض المجتمعات العربية السطحي، فإن لعنه للصحابة يحمل الطابع الديني الذي يرجو من بعده الثواب العميم. -يرفع شعار المسيرة القرآنية، ويعبر عن ألمه وانزعاجه الذي لم يعد قادرا على التقية فيه، لشدة وطأته عليه، يعبر عن ذلك حين يتم الدعم الحكومي للجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم، وكأن هناك انفصاما بين القرآن الذي يتم تعليمه في الجمعية الخيرية وهو الذي بين أيدينا، وبين القرآن الذي سمى به مسيرته القرآنية الدموية؟ -يرفع شعار الموت لإسرائيل ويقوم بإنزال الموت في "ريدة" في محاولة رائدة لتطهير ريدة من الصهاينة الأنذال، ولم ينسحب منها حتى حقق بعض الانجازات في أعدائه بقتل ثمانية منهم ثلاثة من حفاظ القرآن الكريم. -يرفع شعار أنصار الله، ويقوم بتعبئتهم بأن معركتهم مقدسة، ولا شك أن معركة أنصار الله لن تكون إلا ضد أعداء الله، ويقوم بتشريد الألوف المؤلفة من الأطفال والنساء والشيوخ إلى خارج قراهم بعد أن يسيطر على منازلهم ويحولها إلى ثكنات عسكرية إن سلمت من الألغام المطهرة، وكل ذلك لأنصار الله. -يرفع شعار العدالة والمساواة، ويرسخ في أتباعه مبادئ الولاية التي تطعن المساواة في خاصرتها، وقيم الأفضلية السلالية التي تسيء إلى العدالة في شرفها. - يرفع شعار الدولة المدنية، ويؤسس للدولة العنصرية من خلال الإقصاء الذي لا مثيل له بناء على قاعدة الهوية، فما كان من الآل الأطهار فله الحق في الحكم والولاية، وما كان من غيره فزنابيل يكون لهم الشرف إن قدموا دماءهم لترسيخ حكمنا. وما إبعاد "الرزامي" وغيره إلا بوادر لا تحتاج إلى الكثير من التأمل للكشف عن الدولة العنصرية التي يدعو إليها الحوثي وآله. يرفع شعار الوطنية، ويرتمي في أحضان الفرس أصحاب مشروع تصدير الثورة الإسلامية، ويستقبل منهم آلات الدمار والخراب للوطن الحبيب، ولقد تم القبض على البعض من الهدايا الإسلامية وإظهارها على وسائل الإعلام، لكي لا يبقى لبس أو شك حول وطنية الحوثي المطهر. يرفع شعار الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتبنى حملة الإفك من جديد، بعد أن تاب عنها مروجوها من أول يوم كنتيجة طبيعية لتصديقهم لكلام الله عزوجل، وبما في ذلك سورة النور. ويضيف إلى الطعن في عرضه اللعن لأصحابه وأحبابه الذين مات وهو عنهم راض بعد أن رضي الله عنهم ورضوا عنه. يرفع شعار النقمة والسخط على المبادرة الخليجية، وينضوي تحت إطارها في النقاط التي يرى فيها أنها ستحقق بعض أهدافه ومكاسبه، كالسماح له بالدخول في الحوار، وموافقته لذلك ولو على سبيل التقية، وكم نراه يرغي ويزبد على مخرجات أخرى للمبادرة التي لا تروق له ويتناسى أن الشعب يعلم أن المبادرة الخليجية هي البوابة لكل عمل يتعلق بالسياسة والحكم في اليمن خلال الفترة الانتقالية، وأن مشاركته في بعض جزئياتها ونقمته على البعض الآخر ازدواجية مفضوحة تزيد من هتك أستاره أمام الشعب الذي لا يرى فيه إلا مزرعة لبذر أوضاره وغرس أوهامه ومخادعاته. وكم هي الشعارات التي يعتمدها الحوثي كآلية لتسويق مشروعه الطائفي، التي تناقض الواقع مناقضة واضحة. ولا أدري هل مازال يفكر أن لتلك الشعارات صدى يمكن أن يحصد منه ثمرات إيجابية لصالحه، أم أنه لا يرى المتغيرات الحاصلة في الشعوب والتي هي نابعة من تغيرات في تصوراتهم ومشاعرهم وإفهامهم والتي ولا شك أنها تغيرات سلبية بالنسبة له ولمشروعه القائم على الشعارات التي تسقط أقنعتها كل يوم.