لا أسوأ من رصاص الدولة حين يخترق أجساد المارة على ضفتي الشارع، فيتيه أولياء الدم في دوامة الغريم المجهول. في تعز تتحرك الأحداث ببطء، ومعها يُفتح باب ثلاجة الموتى بشكل شبه يومي، ويصاحب ذلك استقبال المستشفيات لحالات الجرحى نتيجة الفلتان الأمني الذي تشهده المحافظة سابقاً، قبل أن ينزل الجيش والأمن معاً إلى الشارع الوضع. وبدلاً من تهدئة الوضع، تحولت الحملات الأمنية إلى الغريم المحمي حيث ساد التخبط العشوائي وقفزت العنجهية إلى أوجها في التعامل مع الناس. في المدينة تُقتل لمجرد الاشتباه. آلية التعامل من قبل الأمن والجيش مع المظاهر المسلحة شبه مُنعدمة، وهو مازاد ضجيج المدينة صخباً من أثر الاشتباكات المتكررة بين المسلحين والجانب الرسمي. في ساعةٍ متأخرة من ليل الأحد -الأسبوع الفائت- لم يكن يعلم الشاب أنس عبده قاسم الغزالي مُطلقاً أن دمه سيسفك على ناصية شارع وادي القاضي بينما كان يُمني نفسه بقنينة ماء باردة وأخرى غازية لإكمال مهمته في حراسة المحطة التي يعمل فيها. قال صاحب البقالة "أنس طلب مني حبة ماء وحبة بارد وحين اتجهت نحو الثلاجة سمعت أصوات رصاص قريبة مني، كانت رصاصة تخترق جسد أنس من الخلف". ويقول شهود عيان أن مدرعة عسكرية كانت تتمركز برأس شارع وادي القاضي هي من أطلقت النار على أنس دون وجه حق وأن المدرعة نزلت إلى مكان الحادثة وأخذت أنس وانطلقت به إلى المستشفى العسكري. في مكان الحادثة يوجد دم كثيف، وتوجد آثار لبيادة عسكري ملطخة بالدم. وأنس هو من شباب الثورة حصل على وظيفة "حارس" في محطة تابعة لرجل الأعمال توفيق عبدالرحيم. في صبح الاثنين اتجه المهتمون إلى المحافظة، وتم تشكيل لجنة تحقيق جنائية لتقصي الحقائق. وعن الأسباب التي دفعت المدرعة إلى قتل أنس، قال مصدر مطلع للأهالي إن الجنود اشتبهوا به، وظنوا أنه "هشام الصبيحي" أحد المطلوبين أمنياً الذين أعلنت عنهم المحافظة مقابل خمسة مليون لمن سيقدمه للأمن. مضيفاً: قتلوه طمعاً بالخمسة المليون، حتى عندما أدخلوه ثلاجة المستشفى كان باسم "هشام". نيران صديقة! على صعيد متصل نجا الشاب إبراهيم حمود قائد شداد من موت محقق، بعد إصابته في رقبته برصاص النقطة العسكرية المتمركزة في مدخل المدينة الشمالي بوادي جديد. كان إبراهيم -قبل أمس الأحد- خارجا من المدينة ببندقيته، ولم تشفع له بطاقته العسكرية – جندي في المخا- بالمرور أو التوقف، فاضطر للعودة تجاه المدينة لكن جنود النقطة فتحوا عليه وابلاً من الرصاص إحداهن أصابته في الرقبة، ثم صادروا بندقيته. وفي ذات السياق أصيبت طالبة في المرحلة الإعدادية بمنطقة عصيفرة إثر اشتباكات مسلحين مع رجال الأمن. كما اشتبكت نقطة عسكرية مع مرافقي الشيخ أحمد عبدالسلام القيسي ما أدى إلى إصابة جندي تم نقله إلى مستشفى الروضة. قتل من نوع آخر واستمراراً لمسلسل القتل في تعز، جريمة بملابسات أخرى حدثت يوم الجمعة، إذ أصيب ضابط في الجيش وقتل شقيقه أثناء توجههما لأداء صلاة الجمعة اليوم في عزلة شجاف شرعب السلام. ورصد مسلحون حركة الضابط عبد الله حسن المخلافي ومرافقيه وأمطروا سيارته بوابل من الرصاص ما أدى إلى إصابة الضابط ومقتل شقيقه حذيفة. وبحسب المعلومات المتداولة فإن الضابط المصاب تلقى تهديداً سابقاً من قبل العصابة التي نفذت الجريمة, وأن من يقودها شخص لديه سوابق كان قد سجن على ذمة انتمائه ل"القاعدة". وفي سياق منفصل لجريمة أخرى قالت الأجهزة الأمنية في تعز أنها عثرت على جثة مواطن سعودي في منطقة الحوجلة المتاخمة للمدينة. تلك هي تعز جفنها مثقل بأرق الضجيج، وفوضى المناكفات، أينما اتجهت فثمة قصة قتل فمتى تنتهي؟