"من يقومون بثورة إلي منتصفها فقط، إنما يحفرون قبورهم بأيديهم".. جورج بوشنر إذا كنتم لا تلاحظون شيئاً، فيمكنني أن أساعدكم في هذا المضمار، الثورة المضادة تشهد صعوداً هائلاً في مقابل تراجع الثورة ليس في اليمن وحسب وإنما في مصر وسوريا وحتى في تونس البلد الذي يعد الأكثر استقراراً وثباتاً. في مصر مثلاً، يخوض تحالف الثورة المضادة معركته الأهم، معركة إسقاط ثورة 25 يناير، مستغلاً تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وبغض النظر عن مدى مسؤولية الإخوان عن ما حصل، فإنه يبقى من الجنون أن يسعى البعض المحسوب على الثورة لإعطاء مثل هذا التحالف صبغة أخلاقية، فالقيم التي يحملها هذا التحالف هي قيم الإقصاء والانقلاب على الديمقراطية. في برنامج تليفزيوني على واحدة من القنوات المصرية، سأل مذيع ضيوفه هل 30/6 امتداد لثورة يناير؟ أجاب أحد المحسوبين على العسكر والذين كانوا يعتبرون الثورة المصرية مؤامرة أمريكية، بأن الموضوع مختلف، فالثورة في 30/6 ليست امتدادا لثورة يناير. وهذا ما جعل وائل عباس وهو أشهر مدون مصري يعلن أنه لن يشارك في تظاهرة يقودها أنصار مبارك الذين يسيطرون على مشهد التظاهر اليوم ويرفعون صور مبارك. وكان لافتاً ما كتبه عبدالرحمن منصور المؤسس الحقيقي لصفحة "كلنا خالد سعيد" على صفحته الرسمية: "عدت من ميدان التحرير قبل ساعة، صورة المخلوع مبارك توزع بين الناس في الميدان وكثير منهم يتلقونها بكل ترحاب. هذه ليست ثورتنا, أصدقاء طُردوا اليوم من مسيرة مصطفى محمود لأنهم هتفوا: أوعى تنسي.. خليك فاكر.. الداخلية قتلت جابر. اليوم مات جابر". حسناً، من المؤكد أن قادة جبهة الإنقاذ يدركون أن المشهد الحالي يغلب عليه الثورة المضادة، لكنهم يراهنون على قدرتهم على الإمساك بزمام الأمور بعد إسقاط مرسي، وهو رهان خاطئ فالثورة المضادة أقوى من الإنقاذ فهي تملك نفوذا كبيرا داخل مؤسسات الدولة وخصوصاً المؤسسة الأمنية التي تريد الثأر لكرامتها المجروحة بسبب ثورة 25 يناير، ولذلك ليس من قبيل المبالغة القول إن مسار الأحداث سيتأثر بشكل كبير بموقف الشرطة. في اليمن تواجه الثورة مخاطر كبيرة، فعدم كفاءة النظام الحالي واستنساخ سياسات النظام السابق يهدد مكتسبات الثورة القليلة، وهذا ما جعل شخص مثل علي عبدالله صالح يتصرف باعتباره الرئيس المقبل، فيما يتصرف المشترك بوصفه معارضة وحسب على الرغم من أنه يمثل البديل الوحيد في الوقت الراهن لقيادة البلاد. في اليمن كما في مصر لم تحدث قطيعة مع الماضي، ولذا يمكن أن يعود على ظهر ثورة جديدة، يمكن وصفها بالعميقة على حد وصف الكاتب المصري وائل قنديل.