لا يزال الغموض يكتنف تأجيل إصدار قرارات رئاسية تقضي بتعيين 30 سفيرا في الخارج، بعد أن كان وزير الخارجية، أبو بكر القربي، قد صرح لأكثر من أربع مرات منذ مطلع العام، بأن العمل جارٍ على ترشيح السفراء والدبلوماسيين واعتمادها في ذلك معايير السلك الدبلوماسي، لكن السفارات في الخارج مستمرة بدون سفراء، والرجل الثاني في كل سفارة هو القائم بالأعمال. مضى أكثر من عام ونصف على انتهاء فترة عمل السفراء في الخارج، وأغلب السفارات في أهم عواصم العالم بدون سفراء، يقابله استمرار العد التنازلي لانتهاء المرحلة الانتقالية التي لا يبدو مستبعداً أن تنتهي دون أن تصدر قرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي بتعيين السفراء التي تعيش بعضها وضعاً شبه مشلول تبعاً لمشاكلها المالية والإدارية. وبدأ الفراغ الدبلوماسي في سفارات وبعثات اليمن في الخارج منذ بداية العام 2011, على إثر مجزرة جمعة الكرامة, التي دفعت ب 13سفراء على الأقل إلى تقديم استقالتهم, منهم مندوب اليمن لدى الأممالمتحدة عبدالله الصايدي, وسفير اليمن لدى فرنسا خالد إسماعيل الأكوع. وحسب قانون السلك الدبلوماسي, فإن تعيينات السفراء تتم إما بداية العام أو في شهر يونيو, ولتعيين أي سفير يشترط أن يكون قد قضى بالدرجة نفسها 4 سنوات خدمة في الداخل و4 أخرى في الخارج. ويمنح الدستور رئيس الجمهورية صلاحية تدخل بنسبة 10% في تعيين السفراء, أي أقل من 9 سفراء من السفارات والبعثات في الخارج, فيما يتم تعيين السفراء بموجب قائمة ترشيح من وزارة الخارجية ترفعها إلى رئيس الجمهورية الذي يخاطب بها الدول المعينة, ولا يتم تعيين السفراء إلا بعد موافقة هذه الدول. وتعيش وزارة الخارجية وسفاراتها في الخارج وضعاً متدهوراً، وهي الوزارة الوحيدة التي لم تشهد أي تغيير في سدة قيادتها خلافاً لعدد من الوزارات الأخرى. وكانت الوزارة من حصة حزب المؤتمر الشعبي في حكومة الوفاق. ويسيطر حزب المؤتمر الشعبي العام على السلك الدبلوماسي، فضلا عن أن الوزير القربي عضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر، كما ينتمي أغلب السفراء إلى ذات الحزب، ولا يزال أغلب السفراء يدينون بالولاء للرئيس السابق علي صالح وتربطه مع بعضهم علاقة قرابة عائلية. 3 قرارات دبلوماسية للرئيس هادي وفقا لموقع وزارة الخارجية، فإن لدى اليمن 48 ممثلية في الخارج، بينها أربع قنصليات في دبي، ومومباي، وفرانكفورت، وجدة، وثلاثة وفود دائمة، في الجامعة العربية، والأممالمتحدة، ومكتب الأممالمتحدة، والمنظمات الدولية، والاتحاد الأوروبي في فيينا. ومنذ انتخابه رئيساً توافقيا انتقاليا، أصدر الرئيس هادي ثلاثة قرارات بتعيين سفراء، كان الأول من نصيب رئيس الحكومة السابق الدكتور علي محمد مجور الذي عين نهاية اغسطس 2012 سفيراً ومندوباً دائماً لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، وكان القرار الآخر من نصيب قائد قوات الحرس الجمهوري سابقاً أحمد علي عبدالله صالح، الذي عُيِن في العاشر من ابريل سفيراً في دولة الإمارات، وذلك ضمن تسوية إعادة هيكلة الجيش، فيما عين أحمد صالح عبدالله الصياد قبل شهر سفيراً ومندوباً دائماً لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو). ودأب صالح خلال فترة حكمه على تعيين السفراء دُون المعايير الدبلوماسية، وكانت غالباً تعتمد على سياسة المُراضاة، والمُحاباة، فأغلبهم كانوا لا يفقهون شيئاً في مهامهم أو البروتوكولات الدبلوماسية. ولم يتقيد صالح بالفترات المحددة للسفراء، والتي تتراوح بين 3-4 سنوات، وظل سفير ينتمي لأسرته، كصهره عبدالوهاب الحجري، سفيراً لليمن في واشنطن لما يقارب 17 عاماً، قبل أن ينهي الرئيس هادي خدمته قبل نحو عام ونصف. لماذا التأجيل؟ سبق وقالت مصادر مطلعة ل "الأهالي" إن الرئيس هادي قام بتجميد قائمة السفراء المرشحين التي قدمها القربي، مشيرة إلى أن القائمة التي قدمها القربي لم تكن نزيهة وأغلبهم موالون لعلي صالح. وقد أعطى هذا التأخير انطباعا سلبياً آخراً لدى السلك الدبلوماسي المعتمد بعدم قدرة القيادة الجديدة على حسم القرارات الروتينية، ولم يعد السفراء العرب والأجانب يخفون ذلك حتى مع مسئولي وزارة الخارجية. وكان الوزير القربي كشف في حوار له مع قناة "سهيل" أن قرار التعيينات الدبلوماسية مجمد من قبل الرئيس هادي، وقال إن "القرار بيد الرئيس". وفيما يخص معايير تعيين السفراء، قال: لا توجد حالياً معايير لتعيين السفراء ورئيس الجمهورية هو من يعينهم. ويقوم بأعمال السفراء الذين تم استدعاؤهم لانتهاء فترة أعمالهم, قائمون بأعمال وفقاً للائحة قانون السلك الدبلوماسي, وآخر السفراء انتهت فترته بانتهاء العام2012. وسبق ونقلت صحيفة الرأي الكويتية من مصادر في رئاسة الجمهورية قولها "إن الرئيس هادي، يرى أن أي تعيينات حاليا ليس لها أي فائدة، حيث بقي عام فقط على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية اليمنية الجديدة، ويفضل أن يتم الانتهاء من مؤتمر الحوار، وانتخابات العام 2014، حتى يتم الاتفاق على شكل دولة اليمن القادمة، وتعيين السفراء الجدد". السفير السابق لبلادنا في سوريا، عبدالوهاب طواف، أبدى استغرابه من تأجيل صدور قرارات رئاسية بتعيين السفراء. وقال طواف في تصريح مقتضب ل"الأهالي" إن هذا الإجراء ليس له دخل بانتهاء فترة الرئيس هادي أو مؤتمر الحوار، موضحا أن ترك رئاسة البعثات الدبلوماسية شاغرة "خلل دبلوماسي كبير، وأمر مزعج للغاية". وأكد أن شغلها بكوادر من خارج السلك الدبلوماسي أو السماح بالتقاسم والمحاصصة أو تمديد الفترات للبعض من السفراء المستفيدين من كل وضع، "أمرُ أخل وأخطر". ويعد البعض تأخر تعيين السفراء في الخارج، بأنها شديدة الحساسية لدى معظم الدول التي تشعر بالانزعاج من دولة تربطها بها علاقة دبلوماسية كاملة وتتجاهل ترشيح سفير لها في الوقت المناسب، ذلك أن القائم بأعمال السفارة لا يتمتع بصلاحيات السفير، ولا يمكنه أن يؤدي عمله ومهمته كسفير لبلده. احتمالات عن الأسباب التي تقف وراء التأجيل في إصدار القرارات، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، عبدالسلام محمد، إن استراتيجية السياسة الخارجية اليمنية لم تتغير ولا توجد استراتيجية جديدة تعتمد على المصلحة الوطنية والمبادئ المعلنة لليمن. وأوضح عبدالسلام في تصريح ل"الأهالي" أن تحركات الرئيس هادي ووزير التخطيط والتعاون الدولي حسنت من بعض أداء الخارجية، مضيفا: "لن تصل اليمن إلى دولة مؤثرة في المنطقة حى يتم صناعة استراتيجية جديدة تعتمد على عوامل القوة وتعزيز النفوذ والسيادة وليس على عوامل الضعف والتبعية". وذكر بعض الاحتمالات التي تقف وراء تأجيل إصدار القرار منها: عدم وجود جاهزية الاستراتيجية الجديدة، واستمرار التدخل الإقليمي والدولي من خلال استغلال الوضع والظرف الحرج لليمن. وأوضح أن هناك خلافات بين شركاء الحكم حول التعيينات، وكذا تأثير وزير الخارجية واللوبي التابع للرئيس السابق في الوزارة في تأجيل القرارات، مؤكدا أن الظرف الأمني والاقتصادي قد يعرقل التغيير الذي يفرض تكلفة مالية ويحتاج لقرارات قوية –حد قوله.