يستند الرئيس هادي إلى قوى الثورة -حزب الإصلاح تحديدا- في معركته مع علي صالح وهي المعركة التي لا يريد هادي حسمها ويريد بقائها لأمد أطول، وبالتالي بقاء "الظهر الحامي" له لحين انتهاء الحاجة. تدفع قوى الثورة والشعب اليمني ثمن تلك المعركة "الودية" على حساب تأخير استحقاقات التغيير وتعاظم أوجاع المصالح العامة وإهلاك البنى التحتية والخدمات العامة وتدهور الخزينة العامة التي تقترب من الإفلاس. تختزل تلك المعركة المشهد السياسي والإعلامي وتختصر الأزمات المتضخمة بين "رئيس ورئيسه". قوى الثورة ومعها الشعب هي الوقود في المعركة. التشققات المتسعة في المشهد السياسي كانت ولا تزال فرصة ذهبية لطرفي المناورة، استطاع هادي بناء تحالفات جديدة وقوة خاصة ويكتسب خبرة حربية مستندا إلى مؤهلاته العسكرية، ويستغلها صالح فرصة في إعادة التموضع وبعث الحياة في خلاياه النائمة والتحالف مع أمراء الحروب وتجارها. الحب الأحادي يأخذ هادي من قوى الثورة والإصلاح كل شيء، القليل من الأشياء التي تحصدها تلك القوى التي لا تبدو أفضل حالا في عهد ما بعد الثورة عنه في عهد صالح. إنها ذاتها العلاقة القائمة على الحب من طرف واحد، التي تحدث عنها القيادي في الإصلاح محمد قحطان في حوار مع صحيفة "الأهالي" في سبتمبر 2007م. تحدث قحطان عن شراكة حزبه مع المؤتمر الشعبي في حكومة ما بعد 94م، وكيف أن الوزارات الخدمية التي منحت للإصلاح كانت "محرقة" للحزب الذي غلَّب "حسن النوايا" ووقع في "خطأ الثقة الزائدة". مضيفا: "بينت الأيام أن المشاعر من جانبنا والإحساس والقناعات كانت هي من طرف واحد، وما أقسى الحب من طرف واحد". بالنظر إلى حزب الإصلاح باعتباره أكبر قوى الثورة، الحزب الذي كان يوصف بأنه "حزب الشدة" لعلي صالح ويوصف حاليا بأنه "حزب الرخاء" للرئيس هادي، خرج من المحاصصة بأربع وزارات فقط في الحكومة، يتم تعبئة الشارع بأن الإصلاح هو من يحكم لكن الواقع يثبت أن "الأخونة" مجرد شعار. رئيس من المؤتمر الأسبوع الماضي خرج الرئيس هادي بتصريح صادق يستوجب الوقوف عنده، أثنى على حزبه (المؤتمر) وقال إنه "حزب دولة، حكم البلاد لمدة 34 عاما، وليس حزبا جديدا على العمل السياسي" وفقا لما نقلت يومية "المصدر". قال ذلك فيما كان صراعه مع صالح في أعلى مستوياته.. إنه يعتبر الفترة المنصرمة من جلوسه على الكرسي كرئيس توافقي مدة إضافية إلى ال33 عاما التي حكم فيها صالح وحزبه، إنها كلمة حق يراد بها باطل. قوى الثورة -والإصلاح تحديدا- التي استنفرت كل قوتها لملء صناديق الاقتراع في فبراير 2012م بقرابة 7 مليون صوت، وهي الانتخابات التي تحالف صالح وحزب هادي (المؤتمر الشعبي) مع أعداء التسوية السياسية لعرقلتها في محافظات جنوبية، ومناطق في شمال الشمال.. الأصوات التي حصدها هادي في الشمال كانت أضعاف أضعاف ما حصده في الجنوب. القرارات الخجولة وبعض أهداف الثورة التي تحققت حتى اليوم، لا ترقى إلى مستوى التضحيات الجسيمة التي قدمتها قوى ثورة فبراير 2011م التي أطاحت بعلي صالح وأبقت على نظامه وحزبه وسلمت المنصب الأعلى لنائب رئيس المؤتمر الشعبي وأمينه العام. ضحت تلك القوى بخيرة شبابها في ساحات وميادين الثورة، مئات الأسر لا تزال تصارع أوجاعها وتكابد فاقتها، وآلاف المعاقين والجرحى يعتمدون على المساهمات الخيرية في توفير سبل العيش والحصول على العلاج، والواجبات الحكومية لا تزال تبارح مكانها، آلاف الضحايا ينتظرون أن تقر أعينهم بنجاح ثورتهم ويستحقون قرارات تجبر كسرهم وتقيم العدالة بحق الجاني الذي يتمتع بالحصانة والحرية الكاملة. التاجر والعسكري شباب الثورة خارج مربع القسمة، القرارات والمحاصصة تخطئ طريقهم وخيبات الأمل تلاحقهم إلى حراجات العمال وأرصفة البطالة، النظام القديم يعيد إنتاج نفسه برداء الثورة والتسوية ومن خسروا مناصبهم أعيدوا إليها باسم الثورة. نجح هادي في وضع أركان نظامه الجديد مستندا إلى حلفائه الجدد والقدامى والتعيينات القائمة على معايير الجغرافيا، كثير من القرارات التي اتخذها وفرت له القوة والمال والإعلام وهي عوامل لزومية للأنظمة التي تريد أن تحكم سيطرتها على مقاليد الحكم. يدير هادي علاقته مع قوى الثورة بعقلية التاجر القائمة على استغلال الفرص وعقلية العسكري المعتمدة على استراتيجية "إضعاف العدو". تعول تلك القوى على عقيدتها الوطنية وزهدها في السلطة ومبادئ حسن النية في إدارة علاقتها بهادي. بدون أي مقابل -أو بمقابل بخس- تقدم تلك القوى التنازلات المتلاحقة لهادي، بعيدا عن أعراف العمل السياسي وقواعد المنافع المتبادلة وأولويات المنكر الأكبر والأصغر والمفاسد والمصالح. تخوض قوى الثورة معركة مع صالح بالنيابة -وليس بالوكالة المدفوعة- عن هادي، إنها تلعب دور مؤسسات الدولة والجهات الحكومية والقضائية التي يفترض أن تكون الأداة الأقوى بيد هادي، بدلا عن تعطيل واجباتها ومسئولياتها. أدوات الداخل وتأييد الخارج يبدو هادي مستفيدا من بقاء صالح في العملية السياسية كورقة فاعلة في وجه قوى الثورة التي ترفع صوتها مطالبة بإلغاء الحصانة وتطبيق العدالة بحق المتهمين بقتل المتظاهرين السلميين وارتكاب انتهاكات وجرائم إنسانية وجنائية، وهو الصوت الذي يستثمر هادي تحريكه في كل مرة يتصاعد صراعه مع صالح. يستغل صالح منصبه كرئيس لحزب المؤتمر الممسك بمفاصل السلطة، ويدير معاركه مع هادي وقوى الثورة ويبني تحالفاته بأموال الحزب الرابض على ثروة هائلة، شيكات السحوبات المالية تتم بتوقيع هادي باعتباره الأمين العام للحزب يستثمر صالح الحزب للوقوف في طريق هادي ويتخذ منه وسيلة في سعيه للإطاحة بالرئيس. يتلقى صالح أموالا كبيرة من الخارج تضاف إلى إمبراطوريته المالية وثروة حزبه ويستمر في ممارسة العمل السياسي ويسعى لإجهاض الثورة وإفشال التسوية والإطاحة بالرئيس والحكومة، ويتهم بالاستمرار في ارتكاب الانتهاكات وتمويل وإدارة العنف والفوضى والتخريب، إنه يمسك حصانة بيمينه ويدير المخططات بيساره. في المقابل، لا يبدي هادي جدية في معركته ضد صالح، إنه يستخدم الحصانة كورقة ضد صالح وقوى أخرى. يمتلك هادي كل عوامل القوة، أدوات الداخل وتأييد الخارج، ويمكنه حسم المعركة والانتصار فيها إن هو أراد ذلك. يتمتع صالح بالحصانة، ولم يتم إنصاف الضحايا. أصدر الرئيس هادي الأسبوع قبل الماضي قرارا بإنشاء صندوق رعاية أسر شهداء وجرحى ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية والحراك السلمي. القرار الذي اعترف بالثورة كان يفترض أن تسبقه جملة قرارات لتطبيق العدالة الانتقالية، لا يزال قانون العدالة معلقا في إرشيف البرلمان ولجنة التحقيق في انتهاكات 2011م انتهت مدتها القانونية هي الأخرى قبل تشكيلها. من بين تسريباته التي يطلقها بعيدا عن الإعلام والكاميرات كان هادي هدد في ديسمبر 2012 بنزع الحصانة، وقال يومئذ: "منحناهم الحصانة ونستطيع نزعها منهم (..) سأصدر قرارا بإلغاء الحصانة السياسية والقضائية، وقد أعذر من أنذر". وذات يوم كشف هادي عن وجود أدلة على تورط صالح وعائلته في مجزرة جمعة الكرامة. يمتلك هادي كثير أدلة ووسائل مختلفة يمكنه إن هو أراد استخدامها في وجه صالح وإنصاف الضحايا وتقديمه للمحاكمة، وبالتالي إزاحته من طريق تطلعاته لرئاسة المؤتمر الشعبي وتمديد الجلوس على الكرسي، وهو التمديد الذي لا ينبغي أن يسلم من المقايضة بين قوى الثورة والرئيس. يستطيع هادي الاستناد إلى نص "رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر" المكتوب في أنظمة ولوائح حزب المؤتمر، إنه أقل العوامل المساعدة لإزاحة صالح من الرئاسة. الدفع المسبق يتحمل هادي وحكومة الوفاق مسئولية إنفاذ القانون أمام أية أعمال وجنايات خارج تغطية مدة الحصانة التي انتهت واقعيا في 23 نوفمبر 2011م. يواجه هادي إضافة إلى صالح خصوما كثر في الجنوب وفي الشمال، وفي حال خسر تحالفاته مع القوى التي صوتت له في فبراير 2012م فإنه قد يخسر معركته أمام أعداء التسوية، وعليه بالتالي الانحياز لقوى الثورة كخيار استراتيجي يقوم على الشراكة وليس على أسس كروت الشحن القابلة للخدش قبل الاستخدام، وعدم تكرار تجربة صالح مع ال"كروت" ذات الدفع المسبق!!