لا يوجد في مصر سوى تنظيمين : تنظيم الدولة ويقوده الجيش وله واجهة سياسية مدنية وقوته في مادة الدولة وسلطتها ، وتنظيم الإخوان وقوته في انتشاره وامتداده الشعبي ومرونة آلياته في التواصل وإحكام التنظيم. الجيش يمتلك أرض مصر، والإخوان يمتدون في قلوب كثيرين من أهلها. الجيش يحكم مصر منذ بداية مصر الحديثة التي أسسها محمد علي باشا، والاستثناء الوحيد جرى في محمد مرسي الذي وصل إلى السلطة بتفاهم شرس بخيارات النار المحرقة والأشد إحراقاً، تفاهم بين الإخوان والجيش عبر صناديق الاقتراع التي لم يتحدث أحد عن قصتها الحقيقية بعد. عرف مرسي والإخوان أن الجيش يعتبر نفسه ولي أمر مصر ومالكها الوحيد ، ويحظى هذا الجيش بملكية أي قطعة أرض في مصر، ويكون دوره في تنظيم توزيعها على الدولة ورعاياها مع بقاء ما لم ينظم تحت سلطة هذا الجيش. الجيش أيضاً يمتلك منظومة عمل اقتصادية نتيجتها ربح صافٍ لأن العمال موظفون عنده من ميزانية الدولة، والدولة تنفق على المشروعات، والجيش ينفذ المشروعات ويأخذ أجره من الدولة التي تدفع له ميزانيته وميزانية المشروع ، فيظن الناس أن الجيش يدير الاقتصاد بنجاح ولكن الحقيقة أنه ينفق بنجاح وبلا خسائر عليه بينما تخسر الدولة ولاسيما عندما يقود الجيش اقتصاد الدولة لا اقتصاد الجيش. اقترب مرسي من خطوط النار الحمراء فتحدث عن رقابة دستورية تصل إلى رقبة الجيش وتفتح ميزانيته أمام لجان مراقبة داخلية مغلقة وذات حرفية. واقترب مرسي ثانية من المنتفعين الذين تنتفخ جيوبهم بالعمولات العسكرية عبر بوابة المساعدات الغامضة. واقترب مرسي من ترسانة الأسلحة المتوسطة الصاروخية والهجومية فنفض الغبار عن المصانع التي توقفت: مصانع السيارات والدباات وناقلات الجند ومصانع القذائف الصاروخية متوسطة المدى ومصانع قطع الغيار. وثق الإخوان بالجيش في الميدان العملي رغم أنهم لم يثقوا بهم في التنظير السياسي وكانت تطبيقاتهم تختلف عن تنظيراتهم فظنوا أن الجيش غير أمن الدولة فانتبهوا بعد فوات الأوان أن أمن الدولة عنصر صغير يرقد على مخدة الجيش. الجيش غير الشرطة فالجيش يمثل كل فئات المجتمع وطبقاته بينما الشرطة والأمن تمثل الطبقة الأكثر عنصرية ضد المجتمع وضد المحافظين وضد الإسلاميين ولكن ذلك لا يعني أنه خارج سلطة الجيش العليا. الجيش يعرف الإخوان الآن ، والإخوان يعرفون الجيش أفضل ، وحتى تتوطد المعرفة أكثر فلابد من مكاسرات ميدانية صعبة يستعيد فيها المجتمع توازنه من جديد ، ولا يتأتى هذا إلا بإسقاط الانقلاب ضمن منظومة تكتيكات استنزافية: شعبية واقتصادية وإعلامية مع الحفاظ على وحدة الجيش وتماسكه وعزله عن السياسة فحسب لا عن القوة وعقيدة الدفاع الوطني ، والحفاظ على تماسك المجتمع من الانشقاق الأفقي والعمودي.