الزلزال الذي أحدثته قيادة الجيش المصري عشية السادس من يوليو الجاري لن يمر بسلام على المنطقة العربية وعلى التحالفات الأمريكية القادمة في المنطقة، فالعرب والغرب يدركان حجم القوة التأثيرية لمصر، وقدرتها في تصدير الأفكار والثورات. والشرخ القائم في المجتمعات العربية منذ عزل واختطاف الرئيس مرسي؛ أمر طبيعي للمواطن العربي الذي عاش معتقداً أن مصر هي رصيده الثقافي والحضاري والتاريخي، وهي ملهمة الأفكار ومصدرة الفنون، من المسرح والسينما إلى الفكر الجهادي، الذي دشنه خالد إسلامبولي بقتل الرئيس السادات. ومن مصر انطلق التيار السلفي المعتدل، وإن كان الفكر الوهابي أكثر شهرةً فليس لأنه أكثر اعتدالاً، لكن لأن لديه المال النفطي الذي مكنه من أدوات التسويق والانتشار، ومن مصر أطلق حسن البنا جماعة "الإخوان المسلمين" وفيها سعى سلامة موسى لتأسيس أول تنظيم عربي شيوعي، فيما انشغل قاسم أمين بتحرير المرأة من موروثات دينية وقبلية أوصلته إلى التكفير، وأوصلت فرج فودة إلى القبر، وأيمن الظواهري إلى التشرد وعادل إمام إلى الثراء، ومحمد مرسي إلى الرئاسة. هذه هي مصر التاريخ والبطولات والتنوير والانطلاق، مصر التي كانت خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي حاضنة لحركات التحرر العربي، ومنها انطلق الثوار إلى تحرير أوطانهم: عبدالكريم الخطابي نحو المغرب، وأمين الحسيني إلى فلسطين، والزبيري والنعمان إلى اليمن، ومصر عبدالناصر هي المساندة لحركات التحرر في اليمن والجزائر. مصر التي انطلق منها اليمني أحمد فتحي، ووردة الجزائرية ولطيفة التونسية وسميرة سعيد المغربية وهند صبري التونسية، والروائي اليمني باكثير والمفكر السعودي عبدالله القصيمي والموسيقي العراقي نصير شمة.. مصر لا يمكن حصرها في حركة أو جماعة أو حدث، فهي لا تزال رائدة وقائدة في العالم العربي، وخطوة الجيش لن تشق مصر وحدها، بل ستحدث زلزالاً في كل العالم العربي، وإن كنت أرى قوته الناعمة تتحرك بهدوء في دول الخليج، وأظن أن مخابرات السعودية والإمارات منذهلتان الآن لحجم التعاطف والتأييد الشعبي في بلديهما لصالح مصر الإخوان، ومن شخصيات اعتبارية لها ثقل وتأثير في الشارع الخليجي، وأعتقد أن تماسك بنى التنظيم "الإخواني" ستكون أقوى في الخليج العربي، وستكسب أنصاراً ومؤيدين، انتقاماً من الموقف العابث ضد حكومة مرسي، وضد ضخ ثروات الشعوب إلى مصر التي لم تستقر ولن تستقر إذا ما تم تجاهل صوت الشارع الباحث عن شرعية بقائه. أما أمريكا فعليها أن تعفينا من فكرة الدفاع عن الديمقراطية، وتوفر لنا إجابة للموقف التالي: حين نقول لأعضاء تنظيم القاعدة: لماذا تحملون السلاح؟! يردون دون مبالاة: لكي نحقق حلمنا بإقامة دولة الخلافة الإسلامية! حينها نلوذ بنضجنا السياسي المزعوم: أنتم ترفضون الخيار المدني السياسي، وتسعون لإقامة دولة بقوة السلاح، وليس بقوة الحق.. والسلاح لا يحقق تنمية ولا شرعية لبقائه. نلاحظ بعدها أن جدلهم ودفاعهم يكون عقيماً وهجومياً فارغاً من مضامين القوة.. لكن بعد أحداث مصر الأخيرة صرنا نحن الأضعف حجة!! تستطيع القاعدة أن تسخر من ديمقراطيتنا وخياراتنا السلمية، وتقول لنا: ها هي الجماعة الإسلامية بمصر تفوز برئاسة البلاد في انتخابات نزيهة شهد لها العالم، وتم اسقاطهم عبر حلفاء أمريكا، فما الجدوى من ديمقراطيتكم؟! أظن أن على الغرب بقيادة أمريكا توفير إجابة مقنعة لهذا السؤال القادم من جماعة "إرهابية" بحسب التصنيف الغربي.. وربما كان العجز عن تحديد إجابة مقنعة سبباً في تلكؤ الموقف الأمريكي من انقلاب الجيش المصري على رئيسه وقائد قواته، فضلاً عن أن اعتراف أمريكا بشرعية الانقلاب (لو اعترفت) سيضعها في موقف محرج أمام حلفائها في الشرق الأوسط، ولن يثقون في التعامل معها مستقبلاً، مع أن لقاء السفيرة الأمريكية بالقاهرة "آن براترسون" مع القيادي الإخواني خيرت الشاطر وطمأنتها له بوقوف أمريكا في صف الشرعية الدستورية أجج مشاعر الشارع المصري ضد الإخوان، واعتقد أن "الجماعة" تستقوي بأمريكا عليه. وقبلها فقدت أمريكا مصداقيتها مع حلفائها في الشرق أثناء ذيوع وثائق ويكيلكس، وما تلاها من تداعيات. [email protected]