كلما اتجه الحديث إلى المعاناة اليومية للمواطن جراء الانقطاع المستمر للكهرباء، بسبب ما تتعرض له خطوط نقل الطاقة من اعتداءات مستمرة وممنهجة، إضافة إلى العجز الكبير في الطاقة الكهربائية، فإنه ينتقل مباشرة إلى الحديث عن ماهية الحلول التي يمكن للحكومة اتخاذها للتغلب على هذه المعضلة التي تنعكس على مختلف الجوانب الحياتية للمواطن. ومن ضمن الحلول التي تعتبر ذات أهمية في حل معضلة الكهرباء هو اتجاه الحكومة لإنشاء محطة معبر الكهربائية الغازية، التي ستغطي العجر الكبير الحاصل في الكهرباء، والذي تزداد وطأته مع كل اعتداء على خطوط نقل الطاقة من المحطة الغازية في مأرب، والتي لا تكاد تنقطع. ومؤخراً تبادلت جهات حكومية وشركاء في القطاع الخاص الاتهامات بشأن عرقلة تنفيذ مشروع محطة معبر، الذي بدأ الحديث عنه في أغسطس 2007 حينما أعلن وزير الكهرباء حينها الدكتور مصطفى بهران عن إنزال مناقصتين، إحداهما مناقصة إنشاء محطة كهرباء معبر الغازية بمحافظة ذمار، التي فتحت مظاريفها في سبتمبر من نفس العام، مؤكداً أنه تم استكمال الدراسة الخاصة بالمحطة. وفي أكتوبر 2009 وافقت اللجنة العليا للمناقصات والمزايدات على قائمة الشركات المؤهلة لإنشاء محطة معبر الكهربائية الغازية بقدرة 400 ميجاوات، لتقديم عروضها الفنية والمالية المقرة من لجنة المناقصات المختصة في المؤسسة العامة للكهرباء، وطالبتها باستكمال الإجراءات وفقاً لأحكام قانون المناقصات ولائحته التنفيذية. ورغم كل ذلك، ومع أن بهران أكد استكمال الدراسة الخاصة بالمشروع، فإن وسائل إعلامية حينها وجهت انتقادات شديدة للحكومة، في هذا الموضوع، إذ كشفت أن مكان إقامة المشروع غير ملائم البتة، حيث أنه التهم مساحات زراعية كبيرة في قاع جهران الزراعي الخصيب، وصلت إلى 100ألف لبنة ذماري، وتم تسويرها فيما أطلق عليه تهكماً "سور جهران العظيم" وهو السور الممتد بين مدينة معبر ونقيل يسلح على طريق صنعاءتعز. وفي حين أن عدد من ملاك الأراضي الزراعية منذ ذلك اليوم يرفضون إقامة المشروع على أراضيهم الزراعية، التي قال بعضهم إنه لا يمتلك غيرها، وفي حين قال عدد منهم أنهم لن يقبلوا إقامة المشروع في أراضيهم مقابل تعويضات، فإن آخرين يقولون أن التعويضات غير عادلة، كما أن هناك تلاعب في موضوع التعويضات، خصوصاً أن رئيس مجلس النواب يحيى الراعي وهو صاحب النفوذ والتأثير الكبير في جهران ومحافظة ذمار عموماً تدخل وبقوة لإقامة المشروع دون امتلاكه لأي صلاحيات، غير النفوذ، الذي مكن الجهات الحكومية في مؤسسة الكهرباء من تسوير تلك المساحات الزراعية عنوة، وبوجود أطقم عسكرية وأمنية، وتم ذلك مع رفض الأهالي الذين ما يزال بعضهم يسكن في بيوتهم داخل إطار سور المحطة المزمع إنشائها، ويقوم بزراعة أرضه بداخلها. وفوق هذا فإن مختصين أكدوا حينها عدم صلاحية المكان لإنشاء المحطة الكهربائية، بسبب وجود شقوق أرضية واسعة في الأراضي الزراعية، تظهر وتتسع كلما هطلت الأمطار، وهو ما يعد عيباً فنياً لإقامة المحطة، وهو ما يدعو للتساؤل عن مصداقية الدراسة التي أجرتها مؤسسة الكهرباء عن جدوى المشروع، فضلاً عن الأضرار البيئية المترتبة عن إقامة مشروع مثل هذا وسط تجمعات سكانية. بعدها بدأت الأمور تتجه إلى تنفيذ المشروع، بعقد تأسيس بين الجانب الحكومي ممثلاً في المؤسسة العامة للكهرباء، وبين القطاع الخاص ممثلاُ في الشركة اليمنية للاستثمارات الصناعية المحدودة وشركائها والتي يرأسها رجل الأعمال فتحي فاهم، في 8/8/2010 تم بموجبه تأسيس الشركة اليمنية لتوليد الكهرباء المحدودة (YCEG) وبرأس مال قدره 400مليون دولار أمريكي، والتي يمتلك الجانب الحكومي فيها نسبة 49%، تم تقديمها كمنحة مجانية من قبل الصندوق السعودي للتنمية، فيما 51% لشركة فاهم وشركائه، الذي أصبح رئيس مجلس إدارة الشركة، وبناء على ذلك قامت مؤسسة الكهرباء في 9/11/2010 بإيداع حصة الجانب الحكومي وهو مبلغ 419 مليون و440 ألف ريال يمني وهو ما يعادل مليون وتسعمائة وستون ألف دولار أمريكي بشيك لحساب الشركة التي تحت التأسيس في بنك التسليف التعاوني الزراعي، واشترطت المؤسسة في المذكرة التي وجهتها إلى البنك أن لا يتم التصرف في هذا الحساب إلا بعد استكمال جميع الإجراءات للترخيص بتأسيس الشركة واعتماد نظامها الأساسي واسمها التجاري من الجهات ذات العلاقة حسب النظم واللوائح والقوانين. غير أن اللافت أن مؤسسة الكهرباء وبعد يوم واحد فقط من طلب إيداع حصتها، أي في 10/11 وجهت مذكرة مذيلة بتوقيع مدير عام الشئون المالية بالمؤسسة، إلى البنك المركزي طالبت بإيقاف تنفيذ صرف الشيك لصالح الشركة الجديدة، حتى إشعار آخر، دون أن تتضح الأسباب لماذا أقدمت المؤسسة على إيقاف الصرف، ليعود بعد ذلك بأربعة أيام وفي 14/11 بتوجيه مذكرة تعقيبيه، وقع عليها أيضاً مدير عام المؤسسة، تطالب بصرف الشيك الصادر عن المؤسسة، لصالح الشركة اليمنية لتوليد الكهرباء، دون أن تتضح أيضاً أسباب توقيف صرف الشيك، ومن بعدها أسباب التراجع عن التوقيف. وتوقفت الأمور عند هذه النقطة، حيث أن المشروع توقف في العام 2011، وهو العام الذي شهد اندلاع الثورة الشبابية، وأقال صالح الحكومة التي كان يشغل فيها عوض السقطري وزيراً للكهرباء في مارس 2011 لتبقى حكومة تصريف أعمال، توقف معها مشروع إنشاء محطة معبر الغازية. ومع تشكيل حكومة الوفاق الوطني في نهاية العام 2011 ومجيء الدكتور صالح سميع على رأس وزارة الكهرباء، والبدء في ممارسة الحكومة مهامها مع بداية 2012، حررت مؤسسة الكهرباء مذكرة في 7/2/2012 تطالب بنك التسليف الزراعي بسرعة إعادة المبلغ الذي يمثل حصة الحكومة بشيك مقبول الدفع لصالح المؤسسة، مع فوائد المبلغ المستحقة للفترة من تاريخ الإيداع، وبررت المؤسسة سبب طلبها بأن باقي الأطراف لم تقم بإيداع حصتها من المشروع بحسب العقد الموقع بينهما، غير أن بنك التسليف رفض إعادة المبلغ وأفاد في 18/2 بأنه تم التفويض في التصرف بهذا الحساب من قبل وزارة الصناعة، وقال بأنها قد فوضت إدارة الحساب بجميع صلاحياته لرئيس مجلس إدارة الشركة "فتحي فاهم" وهو ما جعل مدير الشئون المالية بوزارة الكهرباء يتهم في مذكرة لمدير المؤسسة -غلب عليها طابع الشكوى- البنك بأنه متحيز بشكل واضح للتاجر "يقصد فاهم". في 28/2 اتهمت مذكرة داخلية بمؤسسة الكهرباء مؤسسة فاهم بعدم الإيفاء بأي من التزاماتها، وقالت أن فتحي فاهم خاطب البنك الزراعي بأنه المتصرف الوحيد بحساب الشركة الجديدة التي أودعت فيه المؤسسة حصة الحكومة منها، إلا بتوجيه منه، وطالبت المذكرة التي وجهها مدير عام المؤسسة إلى مدير عام الشئون القانونية باتخاذ الإجراءات اللازمة، دون أن يوضح ما هي هذه الإجراءات، لكنها اتضحت لاحقاً بمخاطبة مؤسسة الكهرباء لهيئة مكافحة الفساد تشرح فيه موقفها من موقف كلاً من بنك التسليف وشركة فاهم ووزارة الصناعة من الاعتراض على إعادة حصة الحكومة في شركة توليد الكهرباء، فكان أن دخلت هيئة مكافحة الفساد على الخط، ووجهت مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء باسندوة في 25/9/2012 تطالبه بإيقاف إجراءات التفاوض بين مؤسسة الكهرباء والقطاع الخاص فيما يخص إنشاء شركة توليد الكهرباء الخاصة بمحطة معبر الغازية، وقالت الهيئة أنه تبين أن الشريك غير جاد في سداد التزاماته بحسب العقد والنظام الأساسي، وقررت هيئة مكافحة الفساد إلغاء كافة إجراءات التفاوض التي تمت مع الشركة اليمنية للاستثمارات الصناعية المحدودة وشركائها، بشأن إنشاء شركة توليد الكهرباء الخاصة بمحطة معبر، واتهمت ممثل القطاع الخاص بعدم الجدية في سداد التزاماتهم بحسب عقد التأسيس، كما ألزمت هيئة مكافحة الفساد، بنك التسليف الزراعي بسرعة إعادة حصة الجانب الحكومي مع الفوائد المستحقة. على إثرها قام رئيس الوزراء بتحرير مذكرة إلى وزير الكهرباء في 1/10 وجهه فيها بالاطلاع على مذكرة هيئة مكافحة الفساد واتخاذ المعالجات اللازمة، لتقوم مؤسسة الكهرباء بعد 15يوماً بإعادة مطالبة بنك التسليف باستعادة المبلغ مع الفوائد، ويبدو أن البنك ما زال مصراً على رفضه لطلب استعادة حصة الجانب الحكومي، حيث عادت مؤسسة الكهرباء في 21/11 وبتوقيع المدير العام الجديد عبدالرحمن عقلان لمطالبة البنك باستعادة المبلغ، لكن دون فائدة، وهو ما استدعى أن توجه مؤسسة الكهرباء ممثلة في مدير عام الشئون القانونية مذكرة في 31/3/2013 تشكو فيها لوزارة الشئون القانونية امتناع البنك الزراعي عن إعادة الحصة الحكومية متهماً إدارة البنك بالتواطؤ مع شركة فاهم التي قالت المؤسسة أنها أثبتت عليها الكثير من الاختلالات وفي مقدمتها القيام بالتزوير والتدليس، ومخالفتها الصريحة لقانون الكهرباء وطالبت الوزارة التوجيه إلى البنك لإعادة المبلغ واتخاذ الإجراءات القانونية إزاء مجلس الإدارة المتعنت. وزير الكهرباء سميع من جانبه شكا الوضع أيضاً لوزير المالية نهاية 2012 وطالبه بإلزام بنك التسليف باستعادة الحصة الحكومية، وهو أمر قد يبدو غير موضوعي، لكن المفاجئ أن تدخل وزارة التخطيط والتعاون الدولي على خط المشكلة حيث أكد وكيل قطاع الدراسات بالوزارة الدكتور محمد الحاورى في سبتمبر الماضي أن أسباب التعثر تتمثل في أن أنبوب الغاز لم يتم مده إلى معبر، وقال أن هذا يشكل عائقا بالنسبة لتنفيذ المشروع، وهو ما يظهر المشكلة على أنها مشكلة فنية، لا خلاف فيها بين مؤسسة الكهرباء من جهة، وبين شركة فاهم وبنك التسليف من جهة أخرى. وفوق هذا اتهم الحاوري وزارة الكهرباء بالتساهل في هذا الجانب، وأن وزارته وجهت لها عدة مذكرات لم يتم الرد فيها لأسباب لا يعلمها، لافتا إلى أن هناك مشاورات بشأن تنفيذ المشروع وفقا لبنود الاتفاق التي جرت مع الشركة اليمنية لتوليد الكهرباء المحدودة وشركائها من المستثمرين الأجانب متمنياً أن يحظى مشروع معبر بأولوية، مؤكداً أن رئيس الوزراء حث على البدء في تنفيذ المشاريع لان هناك تقصير كبير في التنفيذ، كما أن الاستشاريين الفنيين من بعض الجهات لم يتم تعيينهم وهي إشارة إلى وزارة الكهرباء والطاقة التي يتهمها بالتسبب في عرقلة مشروع محطة معبر بعدم التزامها بتعيين شركة استشارية لمراجعة الوثائق وبنود الاتفاق الخاصة بالمشروع الأمر الذي حال دون التنفيذ ضمن التزامات وتعهدات الحكومة مع الدول المانحة. لكن رجل الأعمال فتحي فاهم رئيس مجلس إدارة الشركة اليمنية لتوليد الكهرباء المحدودة قال إنه ومنذ تأسيس الشركة إلى الآن استكملت كافة الإجراءات القانونية والالتزامات التي شملها بنود الاتفاق مع الجانب الحكومي ممثلاً في وزارة الكهرباء، إلا أن المشروع تعثر تنفيذه رغم الخطابات المتكررة للجهات المسئولة بذلك وقال أن لديه الكثير من الوثائق التي تثبت ذلك. ويعتقد فاهم أن سبب عرقلة المشروع هو الحرص الشديد مع الشركاء من المستثمرين الأجانب على التمسك بتطبيق القانون وعدم الخضوع أو التجاوب مع الاشتراطات الشخصية خارج بنود الاتفاق لمصالح ومآرب ذاتية يتم اكتسابها على حساب المال العام، متهماً الحكومة بالتناقض مع ما تطرحه من أولويات اقتصادية ومشاريع استثمارية على طاولة المجتمع الدولي، لكن فاهم لم يشير إلى أن شركائه في الحكومة كانوا قد أودعوا حصتهم إلى بنك التسليف الزراعي. بعد اتهامات وكيل وزارة التخطيط وفاهم لوزارة الكهرباء بالتسبب في عرقلة تنفيذ مشروع محطة معبر الكهربائية الغازية ظهر وزير الكهرباء صالح سميع في مؤتمره الصحفي بداية أكتوبر الماضي مؤكداً التزام وزارته بالشراكة مع القطاع الخاص في مجال الكهرباء والطاقة، وكشف عن التوصل إلى حلول جذرية لتنفيذ مشروع محطة معبر وفق بنود الاتفاق الموقع مع الشركة اليمنية لتوليد الكهرباء المحدودة التي تستحوذ على نسبة 51% من رأس مال المشروع، لافتاً إلى أن الدراسة الخاصة بتنفيذ المشروع مكتملة وجاهزة وأن المشروع يحتاج إلى التزام الطرفين بتنفيذ ما عليهما من التزامات بما يحقق أهداف ونجاح المشروع كونه يمثل البديل الأنسب لتغطية العجز القائم من الكهرباء. كما وجه سميع مؤسسة الكهرباء العمل على بدء التجهيزات والتحضيرات الفنية والعملية التي من شأنها تحريك كافة الأعمال التنفيذية لمشروع محطة معبر الغازية وأبدى استعداده التعاون في متابعة الجهات المرتبطة بالمشروع. وبين تأكيدات الجانب الحكومي ممثلاً في وزارة ومؤسسة الكهرباء، وكذا الشركاء من القطاع الخاص بتنفيذ بنود الاتفاق لإنشاء محطة معبر لتوليد الكهرباء، لا يزال البحث جارياً عن العراقيل التي تسببت في تأخير التنفيذ، خصوصاً بعد اتهام كل طرف للآخر بالتسبب في عرقلة تنفيذ المشروع، وهو ما يضع جملة من التساؤلات، لعل أهمها عن سر تأخر شركة فاهم في توريد حصتهم كشركاء لهم النصيب الأكبر، وعن ما وراء اتهام وزارة التخطيط لوزارة الكهرباء بعدم التزامها بما هو مقرر عليها من مهام، إضافة إلى دور هيئة مكافحة الفساد ورئاسة الحكومة التي يتعين عليهما الكشف عن العراقيل أمام تنفيذ هذا المشروع الحيوي. وقبل ذلك هناك من يتساءل عن مصداقية الدراسة الخاصة بإقامة مشروع محطة معبر الكهربائية الغازية، ومدى ملائمة المكان لإقامة المشروع، من كل النواحي، ليأتي من يشكك في استمرار هذه المحطة التي سيتم توصيل أنابيب الغاز إليها من محافظة مأرب، فيما إذا كانت ستبقى هذه الأنابيب عرضة لاعتداءات المخربين كما هو عليه حال خطوط نقل الكهرباء اليوم، ومن سيضمن سلامتها.