فتحت حادثة الهجوم الذي استهدف مجمع العرضي (وزارة الدفاع) بالعاصمة صنعاء، الخميس الماضي، الباب أمام جدلية من سيخلف الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي، في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية. هذه التساؤلات جاءت على خلفية التسريبات بأن الهجوم استهدف الرئيس هادي الذي تقول التسريبات أنه كان متواجداً في المجمع أثناء الهجوم، وذهب البعض إلى القول بأن الرئيس نجا من محاولة اغتيال في ذات الحادث. وظهر الرئيس هادي داخل مباني قريبة من مستشفى العرضي حيث وقع الهجوم، وهو يتجول داخل أحد المباني المجاورة للمشفى وعقد اجتماعا بقيادات عسكرية، في وقت ركزت وسائل الاعلام الحكومية في تناولها الحدث على الموقف «البطولي» للرئيس وزيارته للمجمع حين كانت الاشتباكات لا تزال مستمرة. تتحدث معلومات حصلت عليها «الأهالي» عن أنه كان من المقرر أن يقوم الرئيس هادي بزيارة المجمع صباح ذات اليوم الذي حدث فيه الهجوم. وكان شقيق هادي (محمد منصور هادي) يتواجد في المستشفى مع نجله الذي قتل في الهجوم. توقيت وطرق الهجوم تحمل طابع محاولة انقلاب عسكري على الرئيس سواءً كان ذلك باستهداف حياته أو السيطرة على مقرات القيادة العسكرية والمؤسسات الحكومية. وفيما نفى وزير الاعلام في حكومة الوفاق علي العمراني في تصريحات لقناة الجزيرة أن يكون الهجوم استهدف الرئيس هادي، مؤكداً أن الأخير لم يكن متواجداً في المجمع أثناء الهجوم، قال السكرتير الصحفي للرئيس هادي يحيى العراسي لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية إن الهجوم كان يستهدف الرئيس «شخصيا». وعززت تلك المعلومات المخاوف على حياة الرئيس هادي التي تعد هدفا للأطراف المتضررة من العملية الانتقالية. التضارب في المعلومات والتصريحات أعاد للواجهة التساؤلات حول من سيخلف الرئيس في منصب رئيس الجمهورية. يعود البعض إلى الدستور مع أن الرئيس منتخب وفقاً للمبادرة الخليجية ولمدة عامين وهي المدة التي تنتهي في فبراير 2014م في ظل طروحات ببقاء هادي في منصبه وفق المدة الدستورية المحددة بسبع سنوات، ما يعني أن شرعية هادي بعد 21 فبراير ستكون خارج الأطر الدستورية (يقول البعض) وخارج شرعية المبادرة، مع أن البعض ومن بينهم المبعوث الأممي جمال بنعمر يقولون إن مدة الرئيس تنتهي بانتهاء تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية. وتنص المادة (116) من الدستور التي تنص على: «في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس، وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معاً يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً رئاسة مجلس النواب، وإذا كان مجلس النواب منحلاً حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتاً، ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوماً من تاريخ أول اجتماع لمجلس النواب الجديد». بالنظر إلى الوضع الدستوري لمجلس النواب الذي انتخب في ابريل 2003 فقد انتهت مدته الدستورية الأصلية في 27 ابريل 2007، إلا أنه تم التمديد له أربع سنوات بناءً على اتفاق بين الأحزاب السياسية، التمديد الآخر تم بناء على «اتفاق فبراير 2009» سنتين أيضا، وبناء على ذلك انتهت مدة المجلس في ابريل 2011، لكن الثورة الشعبية حالت دون إجراء الانتخابات لتمنح المرحلة الانتقالية (فبراير 2012-2014) المجلس سنتين أيضا، ولا يعلم ما إذا كانت الأيام تخبئ له تمديدا رابعا!. أداء هادي اليمين الدستورية (25 فبراير 2012) أمام المجلس منح المجلس بعض الشرعية. هذا الوضع الدستوري دفع الرئيس هادي إلى إجراء عملية مصالحة -لم تكتمل_ بين الكتل البرلمانية وإنهاء مقاطعة الكتل البرلمانية للائتلاف البرلماني من أجل التغيير(المشترك، المستقلين، العدالة والبناء، الأحرار) التي طعنت في شرعية المجلس، لتخرج المصالحة باتفاق على محاصصة بالمناصفة في اللجان الدائمة بالمجلس التي يستحوذ عليها حزب المؤتمر الشعبي وأن يكون منصب الأمين العام لمجلس النواب من نصيب المشترك ومعه مقعد نائب رئيس مجلس النواب للشؤون التشريعية والرقابية، وهي المصالحة التي أفضت إلى عودة الكتل المقاطعة إلى المجلس رغم أن اتفاق المحاصصة لم ينفذ حتى اليوم. ويستحوذ حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يشغل الرئيس هادي منصب النائب الأول لرئيس الحزب وأمينه العام على هيئة رئاسة مجلس النواب وأمانته العامة ولجانه الدائمة وهو صاحب الأغلبية الكاسحة (229 مقعد) في المجلس. وتتكون هيئة رئاسة البرلمان من رئيس المجلس يحيى علي الراعي، ونائبه للشؤون البرلمانية والعلاقات الخارجية محمد الشدادي، ونائب رئيس المجلس للشؤون التنظيمية والفنية حمير الأحمر، إضافة إلى نائب رئيس المجلس للشئون التشريعية والرقابية، وهو المنصب الذي لا يزال شاغراً منذ تعيين النائب السابق أكرم عطية في منصب محافظ الحديدة في مارس 2011. الوضع الدستوري للبرلمان دفع الرئيس هادي إلى القول خلال رئاسته اجتماعا استثنائيا لمجلسي الوزراء والنواب (29 يونيو 2013م) بأن مجلس النواب يجب أن يعمل وفقا لما حددته المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية المزمنة وقراري مجلس الأمن الدولي. وأضاف أن البرلمان يستمد شرعية الأداء في ترجمة التسوية السياسية التاريخية في اليمن على أساس مقتضيات المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية المزمنة «وهذا هو برنامج العمل السياسي وليس هناك أي برنامج آخر». في ذات الاجتماع قال هادي إن المبادرة الخليجية «فوق الدستور»، واعتبر أن «الدستور معلق»، وأن المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية هي من تسير البلد، مشددا بأنه لن يسمح بتعطيلها مطلقاً. وتنص الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في فقرتها الثامنة على: «يكون اتخاذ القرارات في مجلس النواب خلال المرحلتين الأولى والثانية بالتوافق وفي حال تعذر التوصل إلى توافق حول أي موضوع يقوم رئيس مجلس النواب برفع الأمر إلى نائب الرئيس في المرحلة الأولى وإلى الرئيس في المرحلة الثانية الذي يفصل في الأمر ويكون ما يقرره ملزماً للطرفين». وتنص الفقرة التاسعة على: «سيتخذ الطرفان الخطوات اللازمة لضمان اعتماد مجلس النواب للتشريعات والقوانين الأخرى اللازمة للتنفيذ الكامل للالتزامات المتعلقة بالضمانات المتعهد بها في مبادرة مجلس التعاون الخليجي وفي هذه الآلية». في الاتجاه الآخر، انتهت المدة القانونية لهيئة رئاسة مجلس النواب المحددة بسنتين في فبراير 2012م، وفقاً لنص المادة (17) من اللائحة الداخلية للمجلس. اللواء الراعي.. الأقرب إلى الرئاسة بالعودة إلى النص الدستوري حول خلو منصب رئيس الجمهورية وخلو منصب نائب رئيس الجمهورية منذ تنصيب (نائب رئيس الجمهورية سابقا) عبدربه منصور رئيساً يبرز اسم رئيس مجلس النواب اللواء الشيخ يحيى علي الراعي، وهو الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام للقطاع الاقتصادي ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب، كأبرز الخيارات لتولي منصب رئيس الجمهورية. رئاسة وأغلبية المؤتمر ما زالت مؤتمرية، وإذا ما وقع مكروه لحياة الرئيس هادي فإن رئيس البرلمان حسب المادة 116 من الدستور الحالي يصبح هو رئيس الجمهورية المؤقت إلى حين إجراء انتخابات رئاسية. من الواجب الإشارة هنا إلى أن النص الدستوري لم ينص على أن رئيس مجلس النواب يتولى مهام رئاسة الجمهورية مؤقتاً بل تركت الأمر ل»رئاسة مجلس النواب»، ما يعني ترك الباب مفتوحاً أمام احتمالية مشاركة نواب رئيس المجلس في مهام وصلاحيات «الرئيس المؤقت». يجلس الراعي، المولود في قرية أفق بمديرية جهران م. ذمار (53م)، على كرسي رئاسة البرلمان منذ انتخابه في فبراير 2008م خلفا للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي توفي في ديسمبر 2007م، حصل الراعي وهو مرشح المؤتمر الشعبي يومها على 186 صوتا مقابل 69 صوتا لمنافسه مرشح المشترك علي حسين عشال. الراعي هو شيخ مشائخ جهران وصاحب السيرة الزاخرة بالمناصب العسكرية والمدنية. تظهر سيرته أنه أحد مؤسسيي المؤتمر في 82م وعين رئيسا لفرع المؤتمر في مديرية جهران ثم رئيس فرع المؤتمر بذمار في 90م، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً لقطاع الاقتصاد والإدارة والخدمات للمؤتمر في 95م ثم أعيد انتخابه لنفس المنصب في 98م، ولا يزال في ذات المنصب حتى اليوم، وهو عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر واللجنة العامة أيضا، وسبق وشغل رئيسا للكتلة البرلمانية للمؤتمر. إضافة إلى شغله عضوية مجلس الشورى عام 1988م، يشغل الرجل عضوا في مجلس النواب عن المؤتمر في الدائرة (202) منذ عام 93م، ثم انتخب نائبا لرئيس مجلس النواب 97م، وأعيد انتخابه نائباً لرئيس المجلس للشئون التنظيمية والفنية في 2003م. ونجا الراعي من جلسة المصالحة المشار إليها أعلاه، واحتفظ بمنصبه كرئيس للمجلس، ويعد الرجل أحد القيادات المؤتمرية الموالية لعلي صالح، ويظهر إلى جوار الأخير في الفعاليات والأنشطة وخصوصاً الحزبية بصورة شبه مستمرة. يمتلك اللواء الراعي نفوذاً كبيراً على مستوى نظام صالح ويعد أحد أقطابه ونموذجاً لإدارة صالح للبلاد ولم يكن مؤهله في ذلك سوى ولائه المطلق لصالح الذي مكنه من تحقيق المكاسب والامتيازات وجمع الثروات. ومع كل مرة تشتد الخلافات الحزبية بين هادي وصالح يظهر الراعي ميله إلى صف صالح. وسبق ونقلت يومية «المصدر» عن يحيى الراعي انتقاده للدور الذي يلعبه أولاد هادي، وقال: «الأول ربى لنا حنش يدقدقنا، والثاني بدأ يربي لنا حنش أكبر منه». وسبق وهدد هادي بحل البرلمان كما سبق وتحدثت قيادات مؤتمرية بارزة ومقربة من صالح عن حياة الرئيس هادي واحتمالات وفاته، ويتمسك صالح عبر الكتلة البرلمانية ببقاء الراعي رئيساً للمجلس، الأمر الذي يثير مخاوف من أن يكون الراعي بطل الانقلاب على هادي. العلاقة الوطيدة بين بقاء هادي حيا مقابل استمرار الراعي رئيسا للبرلمان هو ما يفسر اشتعال قضية رئاسة البرلمان خلال الفترة الماضية. ومؤخراً وصف اللواء الراعي حكومة الوفاق الوطني بأنها حكومة «شقاق»، وقال: «حكومة الوفاق هي المشكلة، هي شقاق مش وفاق». باسندوة.. الخيار الأبعد على الاتجاه المقابل، يحضر اسم رئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوة، وهو رئيس الحكومة ومحسوب على قوى المشترك وشركائه، كواحد من خيارات تولي منصب رئيس الجمهورية. يكتسب باسندوة شرعية توافقية نابعة من المبادرة الخليجية، لقد تضمنت الية المبادرة بنود متعددة حول تشكيل الحكومة ومهامها وواجباتها، وأعطت الية المبادرة لرئيس الحكومة صلاحيات تأتي في المرتبة الثانية بعد صلاحيات رئيس الجمهورية. القرار الرئاسي رقم (28) لسنة 2011م القاضي بتكليف باسندوه بتشكيل حكومة وفاق وطني، يعطي الرجل شرعية دستورية وإن كانت نابعة من شرعية المبادرة. لم تتطرق المبادرة واليتها إلى موضوع خلو منصب رئيس الجمهورية، ونصت في فقرتها الرابعة على أن الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها يحل «محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة». وفي ظل خلو منصب نائب رئيس الجمهورية وضبابية شرعية مجلس النواب وانتفاء شرعية هيئة رئاسة مجلس النواب تبرز احتمالات تولي باسندوة منصب رئيس الجمهورية في حالة خلو منصب الأخير. يتوجب الإشارة إلى أن النص الدستوري لم ينص على أن رئيس الحكومة هو من يتولى منصب الرئيس المؤقت بل تركت الباب مفتوحاً أمام (تتولى الحكومة).