ربما لحسن ظنٍ بي، طلب عدد من الناس أن أكتب رأياً عن تداعيات الأزمة الخليجية، وبعد 48 ساعة من المتابعة الدقيقة للمتغيرات، وصلت إلى هذه القناعات: * الإعلان عن ضبط البحرية الإسرائيلية لسفينة أسلحة إيرانية، كان مسرحية تشويش الهدف منها قطر وليست إيران.. كيف؟! اعتادت دول الخليج تقديم إيران بصورة العدو، وتقديم قطر بصورة الداعم القوي لحماس والإخوان، وأن تضبط إسرائيل سفينة أسلحة متجهة من إيران لحماس الإخوانية، فهذا دليل على أنه لا فرق بين السياسة الإيرانيةوالقطرية.. ثم إن الخبر جاء لصرف أنظار الناس عن الصدع الذي ضرب صلب مجلس التعاون. * خلال السنوات الماضية أبدت السعودية انزعاجاً كبيراً من السياسة القطرية، التي لم تكن في نظرها أكثر من "قزم يتعملق" ويزعج! حيث قادت قطر إلى مواقف دولية كبيرة ولعبت أدواراً في التوفيق بين فصائل متناحرة ومختلفة في لبنان والصومال والسودان وبين جماعة الحوثيين والدولة اليمنية، وكان ظلال النتائج يحجب جزءاً من حضور السعودية، التي ظهرت كمحطة بترول باذخة. * أزمة مصر قصمت ظهر دول الخليج أكثر مما أثرت في الشعب المصري، حيث تدفق المال الخليجي لحكومة العسكر، في مقابل السند الإعلامي القطري لجماعة الإخوان، وفي اعتقادي أن المشير السيسي قد لخص الأمر الخميس الماضي، بقوله: "مصر تعاني من أزمة اقتصادية بالغة الصعوبة والتعقيد.. وستستمر لسنوات طويلة" وهذا معناه أن يستمر تدفق المال الخليجي وإلا كانت الكارثة التي ستقصم ظهر الجميع. * زاد الموقف السعودي الإماراتيالبحريني من قطر احتقان الشارع العربي وانقسامه بين مؤيد ومعارض لتلك السياسات، فالمؤيد يدعم إقصاء الإخوان "الإقصائيين" والمعارض يرى أن الموقف أسقط آخر ورقة توت كانت تستر عورات تلك الدول، التي بدت أنها أدوات لمحاربة الإسلام السياسي، تحركها توجيهات قادمة من وراء بحر ومحيط. * تعمق الإحباط لدى المواطن الخليجي على مستويين، فالأول منقسم بين مؤيد ومعارض لتلك المواقف، والآخر: قضى على آمال الخليجيين بتوحد دولهم التي شكلت عام 1981 كياناً هزيلاً بموجب اتفاقية أمنية لمجموعة أسر حاكمة أفزعها قيام الثورة الإيرانية، ومنذ ذلك الحين وطموحات الانتقال من مجلس للتعاون إلى اتحاد مشابه للاتحاد الأوروبي فكرة تصحو وتغفو، في نفوس الناس، إلى درجة أن الأسر الحاكمة لم تتمكن من الإعلان عن اتحاد جمركي، وعملة موحدة، وقيادة عسكرية مشتركة، وبرلمان موحد، لأسباب أهمها أن بعضاً من تلك الدول يُحْكم بموجب "وثيقة حكم" وليس لها دساتير أو برلمانات، بل لا يوجد مؤسسات دولة تضبط عملية الإدارة والحكم والسلطة والثروة، وتسير الدولة وفقاً لتوجيهات "طويل العمر".. ثم إن عدداً من دول الخليج – إن لم يكن جميعها – تتحرك وفق توجيهات أمريكية، إلى درجة أن بينها دولاً يتولى حراسة الأسر الحاكمة فيها شركات أمنية أمريكية، وهذه معناه أن الاتحاد بين دول الخليج مرده إلى ستة أشخاص، ولن تنتظر الشعوب مرحلة التصويت، أو إنزال استبيان لمعرفة رأيهم من عدمه. * الأنباء التي رشحت عن اتهامات للسعودية بتفجير الدوحة، واتهام لقطر بتفجير الدية في البحرين، وما أعلنه التلفزيون الرسمي العُماني عن ضبط خلية تجسس في قصر السلطان قابوس تتبع جهاز أمن الدولة الإماراتي، وهي خلية كل مهمتها أن ترسم الإمارات سير انتقال السلطة في السلطنة، لأن الحاكم الحالي لا ولي عهد له، ولولا دخول رجل حكيم كأمير الكويت على خط الأزمة لكانت عُمان وفت بكلمتها وانسحبت من مجلس التعاون، ووجود خلافات حدودية طرفها الأول السعودية وطرفها الآخر قطر وعُمان والكويت، والحديث عن دور عُماني للتقريب بين إيران وأمريكا (شخصياً لا أعتقد بوجود خلاف فعلي، إنما ضجيج إعلامي، وإذا كان هناك خلاف، فلن يكون حله عبر بوابة عُمان).. كلها معطيات تشير إلى اتجاه نحو التناحر الخليجي، أكثر منه اتجاه نحو الاتحاد والتكامل. * لم يكن الموقف السعودي الإماراتي الجديد من قطر بمعزل عن القرار الأممي 2140 بخصوص اليمن، فلم تكن تتوقع السعودية أن يكون القرار بهذا الزخم والسند للدولة اليمنية، ثم إنه أوكل أمر الداخل اليمني إلى الأممالمتحدة ولجنة العقوبات، مستبعداً دور السعودية من لاعب أساسي ومحوري، إلى دور ثانوي، يأتي في سياق التشاور مع لجنة العقوبات، والرئيس هادي، وهذا يعني أن السعودية ستخسر اليمن حديقتها الخلفية، وستحضر قطر بعناوين مختلفة أهمها المساعدات المادية والعينية. * تسطيع الدولة القطرية أن تتموضع الآن على المربع الأخلاقي الأعلى من خلال عدم الرد بالمثل على الدول التي سحبت سفراءها، وتتحدث عنها بلغة دبلوماسية رفيعة، حتى تكسب مزيداً من تعاطف الشارع العربي، وفي الوقت ذاته عليها إدراك حقيقة مصالحها أين تكمن، وتتوقف عن إدارة ظهرها لجيرانها، وتقدم مزيداً من المرونة السياسية، فالمال لا يمنح صاحبه كل قوة يريدها.. وإزاء ذلك يجب تقديم خطوات سعودية إماراتية أكثر إيجابية تجاه قطر، حتى لا يدفعون الأخيرة إلى استجلاب إيران وتركيا إلى الداخل الخليجي، أقلها بتوقيع اتفاقيات أمنية ودفاعية مشتركة. * ما حدث من تداعيات أخيرة في مجلس التعاون لم يكن بمعزل عن استياء سعودي من نقل الحكم من الشيخ حمد لولده تميم، وإلقاءها كلمة تضمنت الإشارة إلى أن جيلاً جديداً لابد أن يحكم بأدوات عصره ومكانه، وهذا موقف محرج إن لم يكن تحريضاً على كبار السن الحاكمين في دول الجوار. * يمكن لقطر الآن أن تستثمر الخلاف الغربي الروسي بسبب أزمة أوكرانيا، وتقدم نفسها كساند اقتصادي لأوروبا، إذا ما قرر الغرب فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وقررت روسيا إيقاف تصدير الغاز لأوروبا، ومن يرى الخريطة يجد أن شرايين غاز مهولة تجعل كل القارة الأوروبية بيد موسكو.