*شقيقة شهيد جمعة الكرامة: مجاهد القاضي مر عام يا أخي .. وطيفُكَ ما زال حاضراً نفتشُ عن الفرح بين خَبايا فؤادِنا المسكون بالوجَع ونغمضُ أعينناَ علنا ننعم بلحَظات من السكون المُريح دونَ جدوَى .. نعلق دموعَنا كل مسَاء على الطرُقات لعلها ترشِدك إلينَا لكنها تموتُ على قارعة الانتظَار .. ... نشغِل روحنَا هنَا وهُناك لكننا لم ننسكَ لحظةً يا أخِي .. يثقلنَا الغيابُ بقسوة .. وتنَكفئ روحنَا في صورك وأشيَاءِك.. نشتم رائحة عطرِك .. وتلَامس حواسنَا كل يوم صدى أغَانيكَ المفعمَة بالحَياة والجَمال. مازلنَا نعيشُ اللحظةَ المرعبَة بكل بشَاعتهَا وجبروتِها .. كل شيئ يعيدُ تمثيلَ نفسِه .. الدخان الأسود وأصواتُ الرصاصِ الغادِر .. المشاهِد المهولَة .. والصور الأليمَة كل فردٍ منا عاشَ حكايتهُ الخاصة من الجزَع .. يلجِم ألسنتَنا الخوفُ وتذهلنَا فداحَة المنظَر .. ونخشَى حتى من السؤالِ عنك ثم تجلدُنَا الحَقيقَة النازفَة بلا رحمَة ... مجاهِد أصابته رصاصة قناص فِي رأسِه شلت أيمانُكم كيف تجرأتُم على قطفِ هذه الورودِ الندية .. شلت أياديكُم كيفَ استطعتُم أن تحرمُونا من مجَاهد لم تأخذُوا روحه فحسب .. أخذتُم معهُ فرحَة قلوبنا .. وأنسَ حياتنَا ولم تتركُوا ورائكُم سوى قهرٍ ووجَعٍ لا ينتَهي .. **** أخِي الحبيب. نحاول أن نعتاد غيابك ونسلوا بعدكَ عنا .. لكن أمي لم تفعل بعد. مَا تزال تنامُ عند عتبة بابنا تنتظر رجوعَك بلا مَلل .. تسمع الخطوات وتهتف ُبلهفة الحنان : أخوكِ مجاهد جَاء .. ثم تسكنها خيبة الحقيقة الموجعة .. وتدركُ أنها لن تسمَع وقعَ أقدامِك بعد الآن. أمي أصبَحت تلتحف حِكاياتك كل مسَاء .. وتسقِيها من دمعها حتى تَنام وإذا ما جَاء الصَباح .. هرعَت إلى صُورتك تحتضِنها وتقبلُها .. وكأنك حاضِر بينَ يديهَا وتستمتعُ بالحديثِ معكَ بلغة الدموع .. ولَا لغةَ سواهَا .. من بعدِك يا مجَاهد .. ألبسَها الدهرُ ردَاء العجز .. وكبُرت بِها الأحزَان مئاتَ السنين كيفَ لا .. وقد رحلَ عنهَا حَبيبُ القلب وبهجَة البيت' .. هل تذكر هلَعها عَليكَ يوم أن أصبتَ بالغاز السام .. كيفَ احتضنتك بكل الجزع وهي تبكِي: الله لا يفجَعنِي فيك يا حبِيبِي .. تمسح الترابَ من ثيابِك .. وتقبلُ رأسكَ الطاهر : انتبه لنفسك أنا فدآآآآآلك .. والله ما لي حياة بعدك.. كانت كل يوم تربطُ على قلبها صخُور الخوفِ عليك.. وتدعُو الله أن يردك إليها سالمَاً .. وإذا ما عدتَ هللت روحها فرحَة برجوعك .. لكنهَا فِي مثل هَذا اليوَم انتظرتكَ كثيراً .. قلبهَا يتوسل ألا يصيبَك شيئ ولسانَها يردد : لكَ الحمد يا ربي فيمَا قدرت .. إحساسُها بأن مكروهَاً أصابك جعلها تردد : الله يرحَمك يا مجَاهد ... حتى من قبل أن تعلَم شَيئاً .. ما مثل صبرِكِ يا أمي أحَد ... ترتَمينَ على جسدِه المسجَى وتقبلينَ وجهَه الطَاهر: معَ السلامة يا حبيب قلبِي .. استودعتكَ الله يا مجاهِد .. يغزونَا البكاء وتنتحبُ أرواحنَا حزنَاً على فراقِك .. تضمينَا إلى جناحَيكِ : قولُوا إن لله وإنا إليه راجِعون .. **** مبعثرةٌ أحلامُنا في ردهاتِ الأمَل' .. لكن الله سَيحمِل أحزانَنا ويخبئهَا حتى نلقاكَ يا مجاهِد – إن شاء الله – ليبدلنَا بهَا فرحَاً غامراً فعَزاؤنَا أن الله اختاركَ لتكونَ بقربِه .. وفخرٌ لنَا أن من بينِنا شَهيد .. نشتَاقُكَ كثيراً .. ويحدُونَا الشوقُ ليومٍ نجتمع فيه معَاً.. لتشفَعَ فينَا ... ونبدَأ حقاً حياةً لا فرَاق فيها ولا ألَم ..