بحروفٍ مثخنة بالألم الذي لم يبرح قلوب الأمهات، وعلى مقربة من عيد الأم، يكتب أهالي الشهداء أوجاعهم وتغرق المآقي بدموعٍ كأنهارٍ جاريات. لا فرق بين الكتابة أو القول، ولابَوَن بين التعبير بالألسنة أو كتابة الجرح بسن القلم، فالوجع واحد والشهداء شهادةً للناس جميعاً، أو ليس من قتلها كمن قضى على العالم أو من أحياها كمن أحيا نفوس العالمين؟! عامٌ من الانتظار وباب الجرح مفتوحاً على مصراعيه وقلب الأم والأب والأخت والزوجة والابن والابنة في انتظار عودة أهاليهم الصاعدون إلى السماء من دروب "الكرامة". قُبيل "مجزرة الكرامة" كانت أسهم مناجاة الله تصعد من اليمنيين إليه، وكان الدخان الوضيع يصعد من أعلى لأدنى إيذانا بالتقاء الأرواح إلى بارئها. يتألم الناشط "محمد المقبلي على أصدقائه الذين رحلوا" ويتخيل وجدان أمهاتهم: "من المؤلم أن جريمة جمعة الكرامة كانت في 18 مارس قبل عيد الأم بثلاثة أيام ،ومن المفترض أن يكون يوم 18 مارس هو يوم تجهيز الزهور للأمهات في عيدهن، لكن الزهور كانت تنزف في ذلك اليوم فيما أعين الأمهات تنزف دمعاً". وتُصرح حنان عرفات زوجة الشهيد خالد الحزمي بأن "أجمل ما في خالد أنه كان لا يحمل حقداً على أحد وكان سموحاً يحب وطنه ويتوق للتغيير، وعندما طلب منه أن يخرج من الساحة مع مجموعة من الشباب وسوف يعطوه سيارة ورصيد في البنك رفض كل تلك الإغراءات. ريناد ابنة الشهيد خالد أخذت الدفتر ورسمت أبيها وأمها وشخص آخر يبعد عنهما مسافة لابأس بها في نفس الورقة، ثم أخذت القلم وطعنت ذلك الشخص تقول والدتها :"فقلت لها من هذا؟! قالت هذا الذي قتل بابا حينها أبكتني، فهم كل ثأرهم مع علي صالح حتى لما نُصب عبدربه رئيساً، قالوا هذا الرئيس خلاص "معد بيقتلش" الناس. في إب كانت والدة الشهيد محمد الوجيه تحث الخُطى دون علم إلى أين بعد أن طار ولدها محمد إلى الأعلى في يوم الكرامة المُفزع. ظهرت الأم وعيناها تفيض بالدمع ومع ذلك مضت لتؤكد لفلذة كبدها النائمة على أريكة ”الكرامة" بأنها ستحقق حلمه النبيل ولو غلبها الحزن العميق واسبتد بها أسف الغياب. شقيقة الشهيد مجاهد القاضي نثرت على الورق الأبيض ما يمكن أن يستشفه المار من بين السطور أنها مسكونة بالوجع ولا مجال للتناص وهي تُخاطب أخاها الشهيد مُجاهد وتُخبره عن أمه : أخِي الحبيب: نحاول أن نعتاد غيابك ونسلوا بعدكَ عنا .. لكن أمي لم تفعل بعد، مَا تزال تنامُ عند عتبة بابنا تنتظر رجوعَك بلا مَلل، تسمع الخطوات وتهتف بلهفة الحنان : أخوكِ مجاهد جَاء ثم تسكنها خيبة الحقيقة الموجعة .. وتدركُ أنها لن تسمَع وقعَ أقدامِك بعد الآن. أمي أصبَحت تلتحف حِكاياتك كل مسَاء .. وتسقِيها من دمعها حتى تَنام وإذا ما جَاء الصَباح .. هرعَت إلى صُورتك تحتضِنها وتقبلُها .. وكأنك حاضِر بينَ يديهَا وتستمتعُ بالحديثِ معكَ بلغة الدموع .. ولَا لغةَ سواهَا .. من بعدِك يا مجَاهد .. ألبسَها الدهرُ ردَاء العجز .. وكبُرت بِها الأحزَان مئاتَ السنين كيفَ لا .. وقد رحلَ عنهَا حَبيبُ القلب وبهجَة البيت؟. هل تذكر هلَعها عَليكَ يوم أن أصبتَ بالغاز السام، كيفَ احتضنتك بكل الجزع وهي تبكِي: الله لا يفجَعنِي فيك يا حبِيبِي . تمسح الترابَ من ثيابِك .. وتقبلُ رأسكَ الطاهر : انتبه لنفسك أنا فدآآآآآلك .. والله ما لي حياة بعدك.