منذ توليه السلطة في فبراير 2012م عين الرئيس هادي 11 مستشارا له، معظمهم أبرز القيادات السياسية والعسكرية وأمناء عموم أكبر أحزاب اللقاء المشترك. دأب الرئيس المنتخب بالتوافق على وضع أسماء القيادات الحزبية في معظم الهيئات واللجان التي شكلت خلال الفترة الماضية من المرحلة الانتقالية، بداية بلجنة ال18 والفنية التحضيرية للحوار وصولا إلى رئاسة مؤتمر الحوار ولجنة التوافق، قبل أن يتم تعيينهم بقرارات رئيس الجمهورية مستشارين للرئيس. تقتضي حالة التوافق المنبثقة من المبادرة الخليجية، أن يدار الحكم بالتوافق بين أطراف التسوية وبناء على الشراكة المفترضة، وأن تتخذ القرارات المصيرية والأدنى منها بالتوافق. لكن سير المرحلة يبدو مختلفا. كان يمكن التبرير لهذا الكم الكبير من المستشارين بالضرورة فرضتها حالة الوفاق؛ كان لابد من وجود تلك القيادات إلى جانب الرئيس لقيادة المرحلة، ومع انتفاء العمل بتلك الفرضيات يغدو "مستشار رئيس الجمهورية" لمجرد المراضاة والإسكات وموازنة التحالفات. لا يوجد نص دستوري يمنح الرئيس حق تعيين مستشارين له، ووظيفة المستشار ليس لها أية صلاحيات دستورية أو قانونية ليست أكثر من تقييد ووظيفة تقاعد، وفق سياسة "خليك بالبيت" التي أتبعها صالح مع خصومه وأصدقائه، وهي الوظيفة الموسومة ب"مستشار لا يستشار" أو "مستشار في الثلاجة" أو في الاحتياط. تنص مادة (124) من الدستور على أن يعاون رئيس الجمهورية في أعماله نائب الرئيس، وللرئيس أن يفوض نائبه في بعض اختصاصاته. وحددت المادة الدستورية (125) مهام إبداء الرأي والمشورة لرئيس الجمهورية إلى مجلس الشورى. وفي ظل خلو منصب نائب الرئيس كان يفترض الاكتفاء بالمستشارين والاستعانة بهم، بدل الاستعانة باللجان الرئاسية. تتحدث المعلومات أن الرئيس يتخذ أغلب القرارات بدون الرجوع لأطراف التسوية ولا لمستشاريه المعينين، قرارات مصيرية مثل الحرب الأخيرة ضد القاعدة في محافظتي أبين وشبوة، يتخذها هادي بمفرده أو بالتشاور مع مقربين منه. مثل هذا القرار يفترض أن يتم بناء على موافقة الحكومة ومجلس النواب. تقتضي المرحلة التوافقية أن يتخذ هادي قراراته بالتشاور مع رئيس الحكومة وموافقة الحكومة، لم يحدث ذلك مثلا في قرار تشكيل لجنة صياغة الدستور التي اتخذها هادي بمفرده رغم أن المبادرة تمنح صلاحيات اختيار أعضاء اللجنة للحكومة. يفترض أن يكون أولئك الرجال، وهم علية وعقلية القوم، بجوار الرئيس على الدوام؛ يؤثرون فيه ويتأثرون به ويشاركونه صنع القرار وسياسة الإدارة. لكن يبدو أن تلك القيادات ارتضت لنفسها ذلك "الأخدود"، وقبلت أن تلعب دور البطولة في تلك المسرحية! كان صالح يعامل مستشاريه وفق سياسة "تفجير القلوب" والتهميش والتطنيش، وهي السياسة التي عبرت عنها دموع مستشار رئيس الجمهورية سابقا الأستاذ محمد سالم باسندوة، حين أجهش بالبكاء الأول في منصة قاعة اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي بصنعاء، في نوفمبر 2008، قال يومها: "أنا حزين أن أرى وطني بعد هذا العمر الطويل وهو يسير إلى الوراء، وأخشى أن أموت قبل أن أرى الوطن مزدهراً وآمناً". 11 مستشارا من بين من عينهم هادي في استشاريته ثلاثة من أمناء عموم الأحزاب: الإصلاح والاشتراكي والناصري، واكتفى بتعيين ثلاثة من قيادات حزبه (المؤتمر الشعبي العام) في هذا المنصب الفخري. أصدر هادي قرار رئيس الجمهورية رقم (22) لسنة 2013م قضى بتعيين التالية أسماؤهم: رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح محمد عبد الله اليدومي، والأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري سلطان العتواني، والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام اللواء الدكتور رشاد محمد العليمي، مستشارين لرئيس الجمهورية. وأصدر (6 مايو 2012) قرارا بتعيين النائب الثاني للمؤتمر الشعبي العام الدكتور عبدالكريم الإرياني، والأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح عبدالوهاب أحمد الآنسي، والأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان، والقيادي في المؤتمر الشعبي العام عبدالله أحمد غانم، مستشارين لرئيس الجمهورية. وسبق وصدر قرار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة رقم (20) لسنة 2013م قضى بتعيين قائد المنطقة العسكرية الغربية سابقا قائد قوات الفرقة الأولى مدرع (الملغية) اللواء الركن علي محسن صالح، مستشاراً لرئيس الجمهورية لشئون الأمن والدفاع. وسبق وأصدر قرار رئيس الجمهورية رقم (3) لسنة 2013م قضى بتعيين نقيب الصحفيين اليمنيين سابقا محبوب علي، مستشاراً لرئيس الجمهورية للشئون الإعلامية. وأصدر قرار رئيس الجمهورية رقم (55) لسنة 2012م قضى بتعيين فائقة السيد أحمد باعلوي، مستشاراً برئاسة الجمهورية لشئون المرأة. وقرار رئيس الجمهورية رقم (9) لسنة 2013م، قضى بتعيين فارس السقاف، مستشاراً لرئيس الجمهورية لشئون الدراسات الاستراتيجية والبحث العلمي. مناصب بلا مكاتب قبل أشهر، قال أمين عام الناصري رئيس المشترك حينها مستشار الرئيس سلطان العتواني، أن الرئيس لا يرد على اتصالاته، ومؤخراً أصدرت قيادات المشترك بيانا تستجدي من الرئيس عقد لقاء معها! أبعد اللواء علي محسن، وهو أكبر قيادات الجيش المؤيد للثورة، من منصبه العسكري وجرد من صلاحياته وعين مستشارا لشئون الدفاع والأمن، يستقبل الرجل في مكتب بالقصر الجمهوري وفود أجنبية ومحلية، ويقضي جل أوقاته متنقلا بين مطارات العالم كمبعوث نيابة عن الرئيس لحضور بعض الفعاليات واللقاءات والزيارات. المستشار فارس السقاف، لا يزال هو الآخر يداوم في مكتبه بالقصر رغم صدور قرار رئيس الجمهورية رقم (4) لسنة 2014م بتعيينه رئيساً للمركز الوطني للدراسات الإستراتيجية، الذي أنشئ لاستيعاب الرجل فقط وتجريده من صفة المستشار. وسبق وأبلغ مكتب رئيس الجمهورية السقاف في مذكرة رسمية بانتفاء صفة الاستشارية باتت ملغية بنص القرار الأخير، إلا أن الرئيس عاد وألغى مذكرة مكتبه ومنح السقاف حق استمرار صفة المستشار. وباستثناء اللواء محسن والسقاف، ليس لبقية المستشارين أية مكاتب ويتم الاكتفاء بدعوتهم للجلوس في الصفوف الأولى في صالات احتفالات واجتماعات الرئيس، واستلام اعتمادات مالية نهاية كل شهر. لا توجد صلاحيات للمستشار إلا ما يمنح من مهام من قبل الرئيس. الإرياني.. مستشار رئيسين يحتفظ النائب الثاني للمؤتمر الشعبي الدكتور عبدالكريم الإرياني، بصفة "مستشار رئيس الجمهورية" في عهد رئيسين (هادي، صالح)، إذ أصدر صالح (07/04/2001) قرار رئيس الجمهورية رقم (6) لسنة 2001م قضت المادة الأولى منه بتعيين الدكتور الإرياني مستشارا سياسيا لرئيس الجمهورية. ومع تصاعد الصراع بين تياري المؤتمر الشعبي (الصقور، الحمائم) كانت الأنظار تتجه نحو الإرياني بصفته الحل البديل، قبل أن يتلقى الرجل "صفعات" من صالح. العودة لمربع المعارضة رغم نجاح الحوار بين الفرقاء، والتوصل إلى جملة من الاتفاقات المنصوص عليها في وثيقة مخرجات الحوار، إلا أن إدارة المرحلة لا تعمل وفق التوافق وتحت مظلة المبادرة الخليجية. تعود أحزاب المشترك، الشريكة في الحكومة، ومعها قوى الثورة تدريجيا إلى مربع المعارضة، وتتوالى بياناتها يوما بعد آخر؛ كما لو أنها خارج السلطة. عاد المشترك بعد انتهاء المدة الأصلية للمرحلة الانتقالية (عامين) ليتحدث عن ضرورة استكمال عملية نقل السلطة، "وبناء الدولة الضامنة" و"التمديد المفتوح" وفقا لوثيقة الحوار.