إن الطغاة المستبدين يعيشون حياة خيالية نرجسية يشعرون من خلالها أنهم فوق كل شيء، ويملكون كل شيء، الأرض بما فيها والأنهار مسخرة لهم (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) والإنسان مستعبد لديهم؛ فإذا جاءهم من يخالفهم ويذكرهم بحقيقتهم البشرية ويدعو الناس إلى دين الله يُنغص عليهم كبرياءهم وغطرستهم ويخرج حقيقة أنفسهم؛ وهنا يبدأ طغيانهم بتكميم الأفواه والسخرية والاحتقار للآخر (ما أريكم إلا ما أرى). (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) وهنا تغلق الصحف والفضائيات والإذاعات المعارضة ويخرس كل صوت معارض.. وتفتح السجون والمعتقلات لكل ثائر حر. إن الطغاة المستبدين يرعبهم ويفزعهم تحرر الشعوب وصيحات الشعوب (يحسبون كل صيحة عليهم)، إنهم لا يشعرون بالهدوء والاطمئنان إلا عندما تكون شعوبهم ذليلة مقهورة مستعبدة مستخفة لا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر، إنهم يريدون شعوبا تُسبح وتُهلل بحمدهم وتشكرهم على كل شيء، خير أو شر، صح أو غلط، يريدونها لا تسأل عما يفعلون ولا عما يعبثون ويفسدون، يريدونها قطعانا من الحيوانات (يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام)، يريدونها أمية فقيرة جاهلة مريضة، لا تفكر في حاضر ولا مستقبل ولا حرية ولا أمن واستقرار إلا في حدود ما يرون (آمنتم له قبل أن آذن لكم). وعندما يعرف بعض أتباع الطاغية الحق فيؤمنون به هنا يتحول الطاغية إلى جبار منتقم من أتباعه وأنهم كانوا مع عدوه قال (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر)، وعندما يشعر بأن دعاة الحق مصرون ومستمرون وصامدون وأنهم لن يتنازلوا عن حقهم رغم كل ما يرتكبه في حقهم من قتل وسجن وتشريد هنا ينادي الطاغية قومه ويتوجه إلى رأس المعارضة ليقتله (ذروني أقتل موسى وليدع ربه)؛ وهنا يتكلم باسم الشعب وباسم الجماهير (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)، فهو خائف على الدين من أن يبدل ويغير؛ فهو حامي حوزة الدين وحامي البلاد من الفساد. هذه هي لغة الطغاة في كل زمان ومكان (أتواصوا به بل هم قوم طاغون)، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون). لذلك نجد طاغية اليمن المخلوع عندما خرج شباب الثورة بثورتهم الشبابية الشعبية السلمية ما كان من الطاغية إلا أن واجههم بحملة إعلامية شرسة ضد الثوار الأحرار بأنهم عملاء خارجين عن القانون على قاعدة (ما أريكم إلا ما أرى)، ثم حاول شراء الذمم وتقديم الإغراء بالمال والمناصب ولكنه فشل، فحّرك كل أدوات البطش والقمع لضرب الثورة وإرهاب الثوار فبدأ بجمعة الكرامة -18 مارس، وارتكب تلك المجزرة الشنعاء التي اهتز لها العالم ثم ارتكب مجزرة تعز في 4/4/2011م أمام المحافظة، ولما شاهد أن الدماء التي تسقط كل يوم تُشعل الثورة في كل مكان في الجمهورية استنجد بالقاعدة وأعلن في 21 مايو 2011م بأن المحافظاتأبين وشبوة وحضرموت ومأرب والجوف ستسقط في يد القاعدة، وفعلاّ سقطت أبين في 27 مايو، وسُلمت جميع الأجهزة الحكومية للقاعدة ما عدا اللواء 25 الذي رفض وصمد حتى انتصر عليهم. وفي 29 مايو 2011م جاءت أوامر المخلوع إلى أذنابه وأزلامه في محافظة تعز بإحراق ساحة الحرية بمن فيها لأن الطاغية وصل إلى قمة الطغيان بأنه لا بد من إخماد الثورة، وهذا لن يكون إلا بإخماد أول ساحة أشعلت الثورة فكانت تلك الجريمة الشنعاء التي بدأت في عصر السبت 29 مايو واستمرت إلى ضحى الأحد؛ فأحرقت وقتلت الثوار وقتل وجرح العشرات من الثوار. كانت هذه المجزرة بناء على خطة أعدها رأس الإجرام قيران ونفذها مع قادات الوحدات من المجرمين: العوبلي والحاشدي وغيرهم، وكانت الخطة تنص على تطهير الساحة من كل شيء؛ ومنع أي تجمع فيها أو خارجها وإغلاق المدينة، ولذلك استمر القتل يوميا وضرب المظاهرات والتجمعات للثوار في كل مكان حتى جاءت جمعة النصر يوم 3 يونيو. وبينما كان الثوار رجالا ونساءً يؤدون صلاة الجمعة في ساحة النصر إذا بالمجرمين يرمونهم بوابل من القنابل والرصاص والقذائف من كل مكان ولكن حماة الثورة كانوا لهم بالمرصاد فهزموهم شر هزيمة واندحروا من الساحة وغيرها يحملون هزيمة العار والخزي في الدنيا والآخرة. وفي هذا الوقت كان الطاغية الفرعون يحترق في النهدين (إن ربك لبالمرصاد)، (ألم نُهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين)، لقد أراد الطاغية المستبد إخماد الثورة من خلال محرقة (الهلوكست) وإذا بالثورة تشتعل في كل تعز وفي كل بيت وفي كل سهل وجبل بل في اليمن كله، وتحولت تعز من ساحة الحرية إلى 16 ساحة فسقط في وجه الطاغية. إن محرقة تعز ستظل جريمة في حق الإنسانية ومن الجرائم التي يجب أن يحاكم مرتكبيها ومن أمر بها محليا أو دوليا، وإن أولياء دم الشهداء يطالبون بمحاكمة المخلوع وعصابته وكل من نفذ وشارك في ارتكاب هذه الجريمة البشعة. إن على اللقاء المشترك والقوى الوطنية أن تعي وتدرك خطورة المرحلة والمؤامرة الكبرى التي يقودها المخلوع وعصابته والحوثيون والقاعدة وقوى العنف ومن وراءهم من القوى الإقليمية والدولية ضد ثورة 11 فبراير وثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر، إنها مؤامرة تستهدف الشعب اليمني حاضره ومستقبله، إنها مؤامرة تستهدف العودة باليمن إلى الحكم الإمامي الظالم المستبد المتخلف الذي يريد العودة باليمنيين إلى عهود الاستبداد باسم الحكم الإلهي المقدس. إن الثورة المضادة اليوم تستهدف كل ما أنجزه الشعب بعد ثورة 11 فبراير من نتائج الحوار والتخلص من الحكم الفردي العائلي وما أنجزه بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر. إن المستهدف اليوم الوطن والمواطن، وإن إرهاب الحوثي اليوم بالحروب والقتل والتشريد وهدم المنازل والمدارس والمساجد ودور القران والعلم لا يقل عن إرهاب المخلوع وعصابته في محرقة تعز وجمعة الكرامة وغيرها (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).