رئاسة الحكومة من بحاح إلى بن مبارك    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصعيد الحوثي.. ونذر الحرب السابعة
نشر في الأهالي نت يوم 27 - 08 - 2014

يعيش المواطن العادي حالة من الترقب والقلق في انتظار ما سيؤول إليه التصعيد الأخير الذي أقدمت عليه ميليشيات الحوثيين الإرهابية ضد الدولة، والمتمثل في انتشار مسلحيها حول أمانة العاصمة، وتكثيف التواجد في ثلاثة مداخل رئيسية من جهات مختلفة، وحفر خنادق وبناء متارس ونصب نقاط تفتيش للمسافرين في هذه المداخل، ثم الاعتصام أمام بعض الوزارات، فيما الجهات الرسمية اكتفت بانتشار أمني محدود في بعض شوارع أمانة العاصمة، وتكثيف هذا التواجد في الشوارع المحيطة بمنزل رئيس الجمهورية، ودعوات أطلقها رئيس الجمهورية لرفع درجة الاستعداد القتالي للجيش، وتحميل الحوثيين مسؤولية التصعيد الأخير.
وجاء التصعيد الحوثي مغلفاً بمطالب حقوقية مناهضة للإجراء الذي أقدمت عليه الحكومة والمتمثل برفع الدعم عن المشتقات النفطية لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار الشامل بحسب تبريرات الحكومة، وبصرف النظر عن استغلال الحوثيين لمظالم المواطنين بغية تحقيق أهداف سياسية خاصة بهم وتوسيع حضورهم الشعبي وباعتبارهم منتهكين لحقوق المواطنين في المناطق التي سيطروا عليها بشكل مضاعف قياساً إلى الآثار التي ستترتب على الجرعة، إلا أن الواضح هو أن الدولة ممثلة برئيس الجمهورية ووزير الدفاع خصوصاً، بدأت تدفع ثمن تدليلها الزائد للحوثيين خلال الفترة الماضية، بغرض تصفية من يعتقدون أنهم مراكز نفوذ من جانب، ومحاولة احتواء الحوثيين واستدراجهم للعمل السياسي بدلاً من المواجهة العسكرية المباشرة من جانب آخر.
نذر الحرب
تطورات الأسبوع الماضي كانت على النحو التالي: خطاب تصعيدي من قبل زعيم ميليشيات الحوثيين دعا فيه أنصاره إلى التظاهر للمطالبة بإسقاط الحكومة والتراجع عن الجرعة، متوعداً بما أسماها "لغة أخرى" لمن لا يستمع لشعبه، وهو تهديد ضمني بالحرب على الدولة، كما هدد بما أسماها "الخيارات المفتوحة" في حال لم تجدي المظاهرات، وهو أيضاً تهديد بالحرب، وأعطى مهلة إلى يوم الجمعة (الماضي) وما لم تتم الاستجابة للمطالب التي يرفعها أنصاره فهو سيلجأ إلى هذه الخيارات.
الرئيس هادي رد على خطوات الحوثيين بخطوات مضادة، شملت اجتماعات بأعضاء الحكومة وقيادات الأحزاب السياسية، ثم اجتماعاً بمجلس الدفاع الوطني، وإرسال لجنة إلى صعدة للتفاوض مع زعيم الحوثيين، وتضمنت خطاباته لغة تهديدية تمثلت بدعوة الجيش إلى رفع درجة الاستعداد القتالي، فيما شهدت محافظات تعز وإب والحديدة مظاهرات حاشدة لشباب الثورة دعت إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وفرض الدولة هيبتها على كامل تراب الوطن، وهي مظاهرات تحمل رسالة مضادة لتحركات الحوثيين وزعيمهم الذي نصب نفسه متحدثاً باسم الشعب.
خطابات الرئيس هادي دفعت عبدالملك الحوثي إلى إلقاء خطاب طويل، مساء الخميس، تضمن لغة تصعيدية، لكنه لم يفصح عن "اللغة الأخرى" أو "الخيارات المفتوحة" التي لوح بها في خطابه السابق، وأعلن عن ما أسماها "المرحلة الثانية" من التصعيد، داعياً أنصاره إلى مواصلة الحشد إلى محيط أمانة العاصمة ومواصلة الاعتصام حتى تتحقق مطالبهم المتمثلة في التراجع عن "الجرعة" و"إسقاط الحكومة"، ومحذراً من الاعتداء على ما أسماها "الاعتصامات السلمية" لأتباعه، رغم أنها اعتصامات مسلحة.
الاستعداد للحرب غالباً ما يعجل بنشوبها ولا يمنعها، وهذه حقيقة تاريخية، رغم ما ساد خلال بعض الفترات من أن "الاستعداد للحرب يمنع وقوعها"، وهذه العبارة راجت كثيراً قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، فازدادت وتيرة التسلح والاستعداد للحرب بين الأطراف المختلفة، وكل طرف رفع درجة استعداده أملاً في ردع خصومه وبالتالي منع وقوع الحرب، لكنها نشبت بقوة وخلفت آثاراً كارثية مازالت قائمة حتى اليوم، رغم مرور مائة عام على وقوعها.
والملاحظ في الحالة اليمنية، أن هناك دولة هشة وفاشلة ورخوة ولكنها لم تصل إلى مرحلة الانهيار الشامل، وفي حال وجود خطر حقيقي يهدد ما تبقى من كيانها فلاشك أن ذلك سيدفعها للانتعاش والاستعداد للمواجهة حفاظاً على البقاء، وفي حال فشلت أمام هذا الخطر فإن الشعب لن يسكت أو يستسلم لجماعة مسلحة إرهابية قادمة من كهوف صعدة وتحمل أفكاراً متخلفة أكل عليها الدهر وشرب، وتريد أن تحكم شعباً بمنطق وأساليب العصور القديمة.
ومن جانب آخر، هناك جماعة مسلحة إرهابية قائمة على أسس طائفية ومذهبية مقيتة، تربت ونشأت على الحرب والعنف والإرهاب، ومن المستحيل أن تتخلى عن ذلك ما لم تجري مراجعات شاملة، ومن المستحيل أن تتعايش مع مجتمع مدني ودولة حديثة، كما أنها لا تؤمن بالديمقراطية ومفهوم الدولة المدنية الحديثة والعمل السياسي السلمي بأدواته الحديثة من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وغيرها، وتسعى إلى إعادة نظام حكم إمامي بائد همجي متخلف، شهدت اليمن في عهده أسوأ مراحل تاريخها، ووصلت إلى مرحلة سيئة للغاية من التخلف والفقر والجهل والعزلة عن العالم، ثم ثار الشعب ضد هذا الحكم الذي أذاق الشعب الأمرين، ثم ثار ضد من عمل وبشكل ممنهج لإفراغ الثورة السبتمبرية من مضمونها، وهو مستعد اليوم للوقوف في وجه كل من يريد إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
فشل النظام السياسي
يعتبر ظهور جماعة الحوثيين، وتمددها في نطاق جغرافي معين، وتعنتها السياسي وتهديدها للدولة والمجتمع، نتيجة طبيعية لفشل النظام السياسي السابق والحالي في فرض هيبة الدولة، رغم أن الفرصة كانت ومازالت متاحة لأن تفرض الدولة هيبتها ولا يكلف ذلك الكثير، وتؤكد أدبيات العلوم السياسية الحديثة أن الدولة هي الجهة الوحيدة التي من حقها أن تحتكر العنف لفرض وجودها وهيبتها.
الرئيس المخلوع علي صالح أدار البلاد بالصراعات من أجل تصفية خصومه أو إنهاكهم هروباً من الاستحقاقات الواجبة على الدولة حيال المواطنين، وذلك بهدف إلهاء المواطنين بمعارك جانبية تعفي النظام السياسي من القيام بواجبه في بناء الدولة وتنميتها وازدهارها، وهذا الأمر سيوفر بيئة مناسبة للفساد المالي والإداري وإفراغ الديمقراطية والحياة السياسية من مضمونها، وهو ما يريده النظام حتى يبقى في السلطة إلى أجل غير مسمى.
وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس هادي، الذي فشل في إيجاد وسيلة جديدة للحكم وفرض هيبة الدولة، فسلك نفس خطى سلفه صالح، مع اختلاف بسيط في الوسائل والأدوات نتيجة تغير الأوضاع، ومراعاة للعوامل المناطقية ومطالب الدول الأجنبية المتدخلة بشكل سافر في الشأن اليمني، وتلاقح الأزمات في المنطقة بعد الثورات المضادة لثورات الربيع العربي.
في البداية، تعامل الرئيس هادي مع جماعة الحوثيين الإرهابية على أنها "حالة مؤقتة"، وسلك معها "سياسة الاحتواء" من خلال استدراجها للمشاركة في الحوار الوطني وإشراكها في السلطة وتحويلها إلى حزب سياسي مدني سلمي، لكن هذه الخطوة أثبتت فشلها منذ البداية، ففي الوقت الذي كان فيه ممثلو جماعة الحوثي في الحوار الوطني يؤكدون بأنهم مع بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، كان مسلحو الجماعة البدائيين والهمج يشنون حرباً شعواء ضد المواطنين في عدة مناطق داخل صعدة وخارجها، وارتكبوا جرائم فظيعة تقشعر لها الأبدان دون أن تحرك الدولة ساكناً، الأمر الذي أغراهم بمواصلة الحرب واستقطاب الأنصار تحت إغراء المال واستثمار حالة السخط واليأس في أوساط بعض الفئات الاجتماعية.
ومع بدء الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، والتي دشنت بالانقلاب العسكري الذي شهدته مصر ضد أول رئيس مدني منتخب في تاريخها، الدكتور محمد مرسي، ارتأت الدول الداعمة للثورات المضادة أن الحوثيين أفضل وسيلة يمكن استثمارها لإنهاك الثورة الشعبية اليمنية، بهدف تحجيم دور حزب الإصلاح ومشائخ قبيلة حاشد (آل الأحمر)، باعتبارهم أبرز الشخصيات السياسية والقبلية الداعمة للثورة الشعبية السلمية، كما عمل المعسكر المضاد لثورات الربيع العربي على تهيئة الملعب السياسي لعودة النظام السابق بثوب جديد، خاصة بعد أن تم وأد الثورة اليمنية من خلال المبادرة الخليجية، وتشكيل حكومة انتقالية مشكلة مناصفة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، وتهميش دور شباب الثورة، وإجراء هيكلة شكلية للجيش، بدليل أنها لم تنجح في حل الانقسامات الحاصلة في صفوفه.
وبما أن النظام السياسي الذي تشكل بعد الثورة قائم على خليط من الاتجاهات السياسية المتناقضة والمتشاحنة، وبما أن الطرف الموالي لرئيس الدولة هو من يحتكر صناعة القرار، فقد كان التعامل مع ميليشيات الحوثيين محل شك وتخوف، خاصة في ظل التدليل الزائد للجماعة الإرهابية، والسكوت على جرائمها التي ارتكبتها ومازالت ترتكبها هنا وهناك، لتصل البلاد إلى ما وصلت إليه.
كيف يفكر هادي؟
السياسة التي ينتهجها الرئيس هادي منذ صعوده إلى السلطة وحتى الوقت الحالي تثير الشك والريبة، وخاصة في ما يتعلق بتعامله مع جماعة الحوثيين، وازدادت الريبة بعد أن تمكنت الجماعة من السيطرة على محافظة عمران، نتيجة تواطؤ وزارة الدفاع مع الميليشيات الحوثية، وعدم مساندة اللواء 310 مدرع الذي صمد لفترة تزيد على ثلاثة أشهر أمام الميليشيات الإرهابية، الذي سقط نتيجة تآمر وخيانة من قبل الدولة نفسها.
والملاحظ أنه قبل سقوط محافظة عمران بيد ميليشيات الحوثيين تجاهل الرئيس هادي تحذيرات الكثيرين من أن سقوط عمران بداية لتقدم مسلحي الحوثي نحو العاصمة، لكن الرئيس هادي تجاهل هذه التحذيرات، بذريعة أن الجيش غير قادر على المواجهة، وأنه منقسم على نفسه. علماً أن حالة الانقسام والضعف السائدة في أوساط الجيش اليمني من أبرز أسبابها حالة الفراغ القائمة في الجيش، وتواطؤ بعض قياداته مع جماعات العنف والإرهاب، وولاء البعض للمخلوع صالح وعائلته، ومثل هؤلاء بإمكان الرئيس هادي إقالتهم بقرارات جمهورية، وتقديم من تثبت خيانتهم للمحاكمة، فمثل هؤلاء لن يكونوا أكثر قوة من علي صالح وعائلته الذين تمت الإطاحة بهم من مناصبهم العسكرية الحساسة التي كانوا يشغلونها.
وفي ظل ضبابية المشهد الحالي، وعدم وجود رؤية واضحة لرئيس الجمهورية في إدارته للدولة وتعامله مع ميليشيات الحوثيين، يمكن القول بأن ما يدور في رأس هادي لا يخرج عن نطاق الخيارات التالية:
أولاً، التواطؤ مع جماعة الحوثيين وتدليلها من أجل إغراق شمال البلاد في الفوضى والحروب بغرض إنهاك المجتمع حتى لا يثور ضده كما ثار ضد سلفه، وإنهاك الأحزاب السياسية المدنية التي تنتهج العمل المدني السلمي حتى لا تطالب بإجراء انتخابات أو غير ذلك من المطالب السياسية، وإلهاء خصومه السياسيين ومن يعتقد أنها مراكز نفوذ تاريخية بمعارك جانبية حتى لا يشكلوا أي خطر على سلطته، وكل ذلك بغرض تمديد المرحلة الانتقالية حتى يتمكن من بناء سلطته الخاصة، والإقدام على بعض الخطوات الرامية إلى توسيع دائرة نفوذه من خلال إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة بذريعة تجنب الزج بالجيش في صراع مع جماعة إرهابية مسلحة.
ثانياً، تسليم الرئيس هادي محافظة عمران للحوثيين، ثم عدم القيام بخطوات عملية بعد تصعيدهم الأخير حول أمانة العاصمة وداخلها، يؤكد ما يذهب إليه بعض المراقبين من أن هادي يريد جر شمال البلاد إلى فوضى شاملة من أجل تسهيل عملية الانفصال، حيث سينتقل الرئيس هادي إلى عدن ويعلنها عاصمة للدولة الاتحادية، في مقابل أن يعلن الحوثيون السيطرة على السلطة في الشمال ويعلنوا انفصال الشمال عن الجنوب، أو يعلن هادي انفصال الجنوب مباشرة بذريعة أن الفوضى في الشمال تعيق بناء الدولة، ويؤكد هذا السيناريو إقدام هادي على سحب أسلحة مهمة من الشمال إلى الجنوب بذريعة محاربة القاعدة، وتعيينه لقيادات في معظم الألوية والمعسكرات الجنوبية من أبناء الجنوب واستبعاد الضباط الشماليين، الذين يقتلون بعد ذلك إما على يد القاعدة أو مسلحي الحراك الجنوبي أو مسلحين مجهولين.
ثالثاً، قد يكون الرئيس هادي صادقاً في نواياه، ويريد بناء دولة، لكنه ضعفه وتحكم النخبة السياسية الجنوبية المحيطة به بصنع القرار يعيقه عن ذلك، ويبدو أن النخبة السياسية المحيطة به لا تريد الخير للوطن، كما أنه -أي الرئيس هادي- ليس لديه رؤية واضحة للتعامل مع جماعات العنف والإرهاب، ويتعامل مع مختلف الأزمات بمنطق المهادنة ومحاولة إطفاء الحرائق التي تزداد كل يوم دون توقف في ظل فشل الحلول التي يقدم عليها، والتي لا تتجاوز تشكيل "لجان رئاسية" كل ما تقوم به هو إتاحة الفرصة للطرف الآخر لاستهلاك الوقت حتى يتمكن من تحقيق أهدافه.
أهداف الحوثيين
الحوثيون لديهم هدف وحيد وواضح ويعملون من أجل تحقيقه بنفس طويل منذ عدة سنوات، وهو إسقاط النظام الجمهوري وإعادة النظام الإمامي البائد، وبالتالي فهم لا يهمهم سياسة الرئيس هادي أو ما الذي يريد فعله، فالأهم هو الهدف المقدس بالنسبة لهم، الذي أصّلوا له فقهياً باعتبار أن الولاية لا تكون إلا في البطنين، أي أولاد الحسن والحسين الذي يعتقدون بأنهم من نسلهم بصرف النظر عن مدى صحة ذلك.
ويرى الحوثيون بأن الفرصة الآن مناسبة لهم لتمرير مخططاتهم الرامية إلى إسقاط النظام الجمهوري، واتخذوا من قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية وسيلة لحشد الأنصار والمطالبة بإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة يكون لهم نصيب وافر منها، وإذا ما تمت الاستجابة لمطالبهم هذه فسيؤجلون مخططهم إلى وقت لاحق، لأن وجودهم في الدولة سيمكنهم من تعزيز نفوذهم السياسي والاجتماعي وإعطاء تصرفاتهم في المناطق التي يسيطرون عليها شرعية تبعدهم عن المساءلة أو الانتقاد. أما إذا لم تتم الاستجابة إلى مطالبهم، فقد تنزلق البلاد إلى سيناريو كارثي لا أحد يدري نتائجه.
وفي كل الأحوال، من الصعب على الحوثيين إسقاط أمانة العاصمة والسيطرة على الحكم، فالتركيبة السكانية للعاصمة لن تقبل بهم، وكذلك فالشعب اليمني البالغ تعداده 30 مليون نسمة لن يقبل بعشرة آلاف مقاتل حوثي همجي أن يسيطروا عليه ويجبروه على تقبيل الركب ودفع الزكاة والإتاوات الطائلة، خاصة وأن الجماعة تحمل نزعة مذهبية وطائفية ومناطقية بغيضة من الصعب أن يتعايش معها الشعب اليمني، بل فهذه النزعة مبغوضة حتى في النطاق الجغرافي للمذهب الزيدي الذي يشكل الحاضنة الاجتماعية لجماعة الحوثيين التي تخلت عن هذا المذهب واعتنقت المذهب الرافضي الإثنى عشري، وهو المذهب الرسمي لدولة إيران.
ويمكن القول بأن ميليشيات الحوثيين إذا أقدمت على شن حرب ضد الدولة بغية إسقاطها وإلغاء النظام الجمهوري والإعلان عن قيام نظام إمامي ملكي، فإن ذلك سيكون بمثابة انتحار سياسي وعسكري لها، فهامش المناورة الذي منحه لها الرئيس هادي، وتحالفهم مع بعض القوى السياسية، الغرض منه تحجيم تيار سياسي معين، وليس إسقاط الدولة بكاملها، فأمر كهذا سيخلق اصطفافا وطنيا جامعا مساندا للجيش في معركة ستدفعه إلى توحيد صفوفه وخوض معركة مقدسة دفاعاً عن النظام الجمهوري ومكتسبات الثورة السبتمبرية والثورة الشعبية السلمية. والسيناريو الأكثر توقعاً هو أن يتم تسوية الأمر سياسياً، من خلال إقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة جديدة، يتم إشراك الحوثيين والحراك الجنوبي فيها.
*عن صحيفة الناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.