ما يجرى حول صنعاء اليوم هو تكرار لما حدث لها بعد قيام ثورة 1948م التي أطاحت بنظام حكم الإمام يحيى حميد الدين، على يد مجموعة من العلماء وشيوخ القبائل والضباط عندما تمكن نجل الإمام أحمد بن يحيى من تجميع أعداد كبيرة من المقاتلين القبليين واستغل حالة الاحتقان والجوع والفقر الذي تسببت بها سياسات أبيه وحشد حشوداً كبيرة زحف بها إلى صنعاء وفرض عليها الحصار من معظم منافذها، هو «الحصار الأول» لها خلال السبعين عاماً الأخيرة. واعتمد أحمد حميد الدين على وسائل مختلفة في حصار صنعاء حيث أفتى ب"إباحة صنعاء» غنيمة لمقاتليه ليدغدغ غرائزهم في المال وهم الذين جمعهم حوله الفقر المدقع وهذا ما حدث بالفعل، وكذلك اعتمد على الدعاية الإعلامية بين القبائل التي وظف الجهل المستشري بين أبنائها، ليشيع أن الثوار «دستوريون» وكانت كلمة «دستوري» في الوعي الشعبي القبلي آنذاك مرادفة لكلمة «كافر» كما أن أحمد أشاع بين القبائل إن الثوار «هم عملاء بريطانيا» وأنهم يريدون بيع «بلاد المسلمين» للنصارى البريطانيين. مما سبق يتضح أن المبررات التي تستخدمها جماعة الحوثي حاليا لتجييش القبائل وحصار صنعاء هي نفس المبررات التي استخدمتها في تلك الفترة وأن الأهداف هي ذاتها، كان الامام أحمد يستغل الفقر وحاليا الحوثي يستغل الجرعة.. كان الامام أحمد يستغل كلمة دستوري المستوحاة من ثورة 48 الدستورية وينقلها للقبائل بأنها تعني كافر أي أن الثوار تكفيريين وهو ما تستخدمه جماعة الحوثي حاليا في حربها ضد أبناء الشعب الذين تصفهم بالتكفيريين.. كان الامام أحمد يبث دعاية بأن الثوار عملاء لبريطانيا وسيبيعون أرض المسلمين لها وها هو الحوثي اليوم يتهم الجيش بأنهم عملاء لأمريكا ويظلل مقاتليه بأنهم يقاتلون الأمريكيين وهم يقتلون أبنا البلد شعارهم (الموت لأمريكا) ويقتلون اخوانهم اليمنيين.. استغل الامام أحمد القبائل ووزع لهم الأموال من أجل تدمير صنعاء وعودته إلى الحكم وها هي اليوم العاصمة صنعاء محاصرة بالقبائل المسلحة من شتى منافذها. المشهد تكرر أيضا بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م فبعد أن توفي الامام أحمد بعد اصابته برصاص الثوار في مدينة الحديدة أعلن نجله البدر نفسه إماماً لليمن، لكن الثوار لم يمهلوه حتى أشعلوا ثورة جديدة في 26 سبتمبر 1962، لتدخل البلاد في حرب بين الثوار والاماميين، حيث جمع البدر هذه المرة في حصار صنعاء الثاني ما يفوق خمسين ألف مقاتل من أبناء القبائل، مستغلاً الظروف الاقتصادية وحالة الجهل بين القبليين الذين جيشهم للدفاع عن «الدولة الإسلامية» التي يريد الجمهوريون تقويضها في اليمن، حسب الدعاية الأمامية حينها وكان البدر يعد مقاتليه بالنصر، كما انتصر أبوه من قبل في حصار صنعاء الأول 1948 إلا أن صنعاء صمدت، وكسرت الحصار بعد سبعين يوماً وذلك أن صنعاء في نوفمبر 1967 كانت على ولاء تام للجمهورية الوليدة، على عكس وضعها في فبراير 1948 حيث كان أنصار الإمام أحمد داخل العاصمة صنعاء.