استقالة هادي مسرحية تافهة النص والفكرة والإخراج، لذا لن أتناولها بشيء رغم حساسية منصبه، وسأكتفي بالحديث عن مكره في بيع أقوى قوة عسكرية كانت تدخرها الدولة.. باعها وتحمل تبعاتها من إهانات مؤلمة وصلت حد اقتحام منزله وقتل عدد من حراسة وأفراد أسرته، حسب تأكيد أحد مستشاريه. مع شروق شمس الاثنين 19 يناير الجاري بدأت الاشتباكات العنيفة بين ألوية الحماية الرئاسية ومليشيا الحوثي المسلحة، وقبل غروب شمس ذات اليوم وضعت الحرب أوزارها وتمكن الحوثي من كل ما أراد... فقد سمح له الرئيس هادي بالسيطرة على محيط القصر الرئاسي والتباب المرتفعة الحامية له في منطقة النهدين. والأهم من كل ذلك وضع الحوثي يده على اللواء الثالث حماية رئاسية الذي كان يقوده العقيد طارق صالح نجل شقيق الرئيس السابق، وهو الأقوى أداءً والأفضل تدريباً والأحدث عتاداً، وكان - بالإضافة إلى قوات الاحتياط- من بقايا الجيش اليمني التي يعول عليها إنقاذ البلاد. توافق رجلا إيران في اليمن عبدربه هادي وعبدالملك الحوثي على إشعال حرب صغيرة راح ضحيتها 49 فرداً من الطرفين وأكثر من 60 جريحاً، ليقضيا بذلك على مخرجات الحوار الوطني وكالعادة هادي غبي والحوثي ذكي، فلم يكتف الأخير بتعديل الدستور وتفصيله على مقاسه، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وخلال 10 ساعات فقط سيطر على قصر الرئاسة ومحيطه، والألوية المعنية بحماية الرئيس، وجهازي المخابرات الأمن السياسي والقومي، وترك هادي دمية على كرسي، من خلاله يوقع قرارات الحرب والسلم والتعيين والترقية، والهدف الأكبر من كل ذلك هو فرض قرارات رئاسية بزج الجيش في حرب مأرب ليتمكن الحوثي من اقتضامها سائغة. لا شيء حدث أو سيحدث.. كل ما في الأمر اتفاق بين رجلي إيران هادي والحوثي على خطوة نارية يمكن من خلالها إرسال طلقة عشوائية إلى صدر الفيدرالية.. والقضاء على أهم نقطة في مخرجات الحوار. وخلال الساعات القادمة هادي سيقول لقطيع المستشارين اختاروا بين الحرب أو إلغاء الأقاليم.. وكخرفان مزرعة سيقولون: إلغاء الأقاليم. ما يهمني أن أؤكد عليه الآن هو أن انكشاف الخطة بين هادي والحوثيين سيدفع الجنوبيين إلى خطوة أكثر جرأة.. وربما نشهد خلال الأيام القادمة تكتلا هو الأول من نوعه لكل القوى الجنوبية يتخذ موقفاً من الوحدة.. ومن شرعية هادي! بسبب أن القضية الجنوبية وهي الأكثر مصداقية وقوة في الحق والمنطق أصبح رئيس الدولة يتآمر حتى على أبسط حقوقها وحلولها وهي الفيدرالية. سعي الحوثيين إلى السيطرة على منطقة دار الرئاسة والتباب المحيطة به هو خطوة عسكرية مهمة، واتنبأ بأنها خطوة ترتب لما بعدها.. فإذا ما سعوا إلى إسقاط هادي واضطر الأخير إلى نقل السلطة إلى مجلس عسكري برئاسة اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع، لابد أن يكون المجلس ورئاسته تحت رحمة مليشيا الحوثي.. لأن قصر الرئاسة بمساحته الشاسعة والتباب العالية التي تحيطه ويسيطر عليها ألوية الحماية الرئاسية ستكون في قبضة مليشيا الحوثي وسيكون قادرا على إسقاط أي رئيس جمهورية لا يتماشى مع رغباتهم، سواء كان الصبيحي أو نجل الرئيس السابق العميد أحمد علي عبدالله صالح. وقد بدأت تباشير الاقتحام منذ الدقائق الأولى لاشتباكات الاثنين الماضي بالإعلان عبر قناة المسيرة الحوثية أن مجاميع من الدواعش تشارك مع ألوية الحماية الرئاسية في المواجهات مع الحوثيين. وربما يكون الحوثي قد التقط الإشارات المهمة التي اطلقها رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي السبت قبل الماضي عن انكشاف مخطط للسعي بتدمير البلاد، وضرورة الحيلولة دونه، وبدا اليدومي يغازل الرئيس السابق بضرورة التقارب معه قبل أن يبتلع الحوثي الجميع.. فأراد الأخير القيام بضربة استباقية، حصل فيها على إشارة البدء من زيارة الوفد السري الروسي له الأحد الماضي. الشيء المطمئن الآن وهو مبعث الارتياح أن هادي والحوثي يتصرفان في لحظة وعي شعبي تام.. وكل الناس ترصد وتدرك ما يخطط للوطن وما ينهب منه. أما الالتفاتة الإنسانية التي سأختم بها هي أنه في مثل هذا اليوم (19 يناير) من العام الماضي غادر آخر سلفي من منطقتهم في دماج.. بعد أن أوكلوا هادي بالحل فأمر بتهجيرهم ظلماً وعدواناً.. اليوم دارت الدائرة وأصبح الحوثي يحاصر هادي في آخر معاقله، وداخل بيته.. مرت سنة فقط؛ وأذل الله هادي كما أذل الأبرياء.. "ومن أعان ظالماً على ظلمه سلطه الله عليه". الآن انتظر اللحظة القريبة التي سيتم فيها تهجير هادي وعائلته.. وربما يكون مصيره أسوأ. *المصدر: صحيفة الناس