"لن نسمح بتحول اليمن إلى وزيرستان أخرى" قالها وزير الداخلية الدكتور عبدالقادر قحطان في حوار له مع صحيفة عكاظ السعودية، وبالفعل تأخذ الحكومة على عاتقها مسئولية بسط نفوذها على كافة المناطق اليمنية إلا أن العوامل الخارجية التي تعبث بأمن اليمن واستقراره أكبر من قدرة الحكومة وإمكانيات السلطة السياسية، فقوات الجيش مسنودة باللجان الشعبية في مديرية لودر حققت إنجازات ملموسة ونجحت في دحر المسلحين بل وحالت دون سقوط المديرية في أيديهم بينما استولت الجماعات المسلحة على مدينة زنجبار عاصمة أبين قبل أشهر في أقل من يوم على الرغم من التواجد الأمني الكثيف لقوات الأمن بمختلف مسمياتها داخل المدينة، ولعل المفارقة تتجسد في فشل ذات الجماعات المسلحة في إسقاط اللواء 25 ميكا بقيادة الصوملي الذي سطر مواقف بطولية رغم تآمر عدد من الأطراف على سقوطه وقطع الإمدادات عنه. ما أكده وزير الداخلية هو تعبير صادق عن موقف وزارته لكن السؤال الملح الذي يطرح على طاولة الوزير: هل يمكنه تحريك قوات مكافحة الإرهاب بوحدات الأمن المركزي نحو محافظة أبين؟ وهل يسيطر فعلا على القوات الأمنية التي تتبع وزارته؟ الواقع يشير إلى أن هذه القوات لا زالت في قبضة أولاد وأصهار صالح وبالتالي يصبح الحديث عن منع اليمن من التحول إلى وزيرستان مجرد حلم لا يمكن للحكومة الحيلولة دون وقوعه خاصة مع وجود قوى داخلية وخارجية تدفع البلد نحو الأزمات وتدفع مقابل ذلك ملايين الدولارات. ويخوض الرئيس عبدربه منصور هادي حربا ضروسا في محافظته ومسقط رأسه مدركا في الوقت ذاته أن الضرورة تملي عليه القيام بهذا الواجب وإحباط المؤامرات التي تحاك لإرباك المرحلة الانتقالية الثانية، وبما أن الحديث عن هيكلة الجيش لا زال مجرد تنظيرات فإن من شأن ذلك أن يفاقم حجم المشكلة المتمثلة في سيطرة جماعات عنف على مدن كاملة في محافظة أبين، هذا إذا افترضنا أن السلاح لم يتسرب من مخازن السلاح الرسمي إلى جماعات العنف. والحق أن اليمنيين في هذه اللحظة أحوج من أي وقت مضى إلى جيش موحد يبسط سيطرته على التراب اليمني إذ أن التوجيهات التي يصدرها الرئيس إلى وحدات الجيش للانتقال إلى أبين أو غيرها لن تنفذ بالحرفية المطلوبة في ظل الانقسام الحاصل في صفوف القوات المسلحة والأمن، فحسابات المصالح لمراكز القوى تؤثر على درجة الاستجابة، علاوة على تسخير هذه القوات لخدمة أطراف على حساب المصلحة العليا للوطن. ومنذ انحرفت مهمة المؤسسة الأمنية والعسكرية عن مسارها الطبيعي تحولت هذه القوة إلى مصدر قلق وخوف فقوات مكافحة الإرهاب التي تلقت تدريبا عاليا ومحترفا لا تقوم بمهمتها التي أنشئت من أجلها بل على العكس استخدمت لقمع الاعتصامات والمظاهرات السلمية أثناء الثورة، وهذه القوات حتى اليوم لا زالت في قبضة أولاد صالح، وحتى يمكنها القيام بالمهام المنوطة بها يجب أن تحرر من قبضة العائلة بحيث تتحول إلى قوة نظامية تتلقى توجيهاتها من مصدر واحد. بعد نظام صالح لقد تحولت أنظار العالم إلى اليمن وتحولت القاعدة في محافظة أبين إلى محط اهتمام العالم فأخبار المواجهات والطلعات الجوية تتصدر وكالات الأنباء العالمية ومؤخرا تداولت هذه الوكالات خبر إفشال استهداف طائرة مدنية من قبل القاعدة بناء على معلومات أدلى بها عميل مزدوج مخترق للقاعدة، ويبدو أن مسألة الاختراق أصبحت سهلة وحقيقية، فالطلعات الأمريكية خلال الأسابيع الماضية كانت قاتلة ولم تخطئ أهدافها على عكس ما كان في السابق، لقد أوجعت الطلعات الأخيرة الجماعات المسلحة في أبين وشبوة وأخيرا مأرب، وهذه الطلعات تتم بناء على معلومات ميدانية تحدد الهدف باحتراف ودقة بالغة بينما في السابق كانت الضربات الجوية تخطئ الأهداف وتجلب نتائج عكسية حين تخلف عدد من الضحايا المدنيين مثل ما حصل في ضربة المعجلة وهذا يؤكد أن الحرب على الإرهاب من خلال نظام الرئيس السابق كانت مجرد مسرحية لابتزاز الداخل والخارج وأيضا لرفع رصيد الجماعات المسلحة التي كثر الحديث عن الأحلاف التي تعقدها مع بقايا نظام صالح. وتؤكد وسائل إعلام أمريكية على وجود علاقة بين تنظيم القاعدة ونظام صالح فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" عنواناً يقول: "بدعم واشنطن، عهد ما بعد صالح يشهد هزيمة حقيقة في مقارعة القاعدة"، وأكدت "ام اس ان بي سي" أن القاعدة حصلت على معدات ومواد متفجرة من مخازن الجيش اليمني، في الأثناء ترتفع وتيرة الاهتمام الأمريكي بالحرب على الإرهاب حيث استأنفت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنشطتها التدريبية في اليمن وأرسلت مدربين في مجال مكافحة الإرهاب لتعزيز قدرات قوات الأمن اليمنية وتحرص أمريكا من خلال حربها على الإرهاب أن لا تثير مشاعر العداء ضدها وهو ما يؤكده روبرت كارديلو نائب مدير الأمن الوطني الأمريكي بالقول إن التحدي الرئيسي يكمن في تحقيق التوازن بين عمليات مكافحة الإرهاب بدون تأجيج المشاعر المعادية للأجندة الغربية، بينما يرى جريجوري جونسون الباحث في شؤون اليمن بجامعة برينستون إن الجيش اليمني لا يملك القدرات المحترفة في نقل المعركة للقاعدة، ويبدو أن القاعدة اليوم تتمتع بمزايا أفضل من الجيش اليمني من ناحية التغذية والمردود المالي والقيادة موحدة -حد وصفه. ومن المؤكد أن الطلعات الأمريكية لا تتم بدون موافقة يمنية، ما يعني أن الرئيس هادي أذن للاستخبارات الأمريكية باستخدام طائراتها في تعقب قيادات القاعدة، وأن هذا الأذن تم بين الرئيس وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث أكدت الحكومة ممثلة برئيس وزرائها أنه لا علم لها بالضربات التي تستهدف الجماعات المسلحة في أبين والمحافظات المجاورة، ولعل الرئيس هادي وجد نفسه أمام تحد صعب يتمثل في محاولة إسقاط محافظته وهناك قوى داخلية تعزز من مواقع هذه الجماعات المسلحة لإظهار الرئيس بمظهر العاجز عن تحرير محافظته، ولذا لجأ إلى التعاون مع الأمريكيين في الحرب على هذه الجماعات، ونظرا للتغير الذي طرأ على مصدر المعلومة التي تتلقاها الاستخبارات الأمريكية سواء عبر العملاء أو عبر المصادر المحلية في أبين فقد طرأ تغير في النتائج المباشرة لتلك الضربات. وتلخص قصة العميل المزدوج الذي يعمل لحساب الاستخبارات السعودية بالتعاون مع الولاياتالمتحدة والذي أفشل عملية تفجير طائرة أمريكية سهولة اختراق الجماعات المسلحة في أبين إذ لا تشترط هذه الجماعات شروطا مثل توفر درجة من الالتزام وهو ما يؤكده "جيفارا جنوب اليمن" الذي نشرت قصته صحيفة الجارديان البريطانية وورد فيها وحين سأله أحدهم: «هل تريد دولة إسلامية تطبق الشريعة؟! أجاب جماجم: «لا أريد دولة إسلامية تطبق الشريعة ولكن الجهاديين قادمون»، وزاد: «لقد أخبرت قادتنا أنه إذا استولى الجهاديون على عدن، فلن أرسل رجالي ليموتوا وهم يحاربونهم. إذا فقد الشباب الأمل في قضيتنا، فسوف يبحثون عن بديل، وحينئذ سوف ينضم شبابنا المحبط اليائس ل(القاعدة)». لقد ذهب بعض الحراكيين إلى إيران لكنهم فوجئوا بأنها تريد ربطهم من حيث التمويل بالحوثي في الشمال فلم يجدوا مخرجا سوى اللجوء إلى الجماعات المسلحة في أبين، وقبل أكثر من شهر تناقلت وسائل إعلام خبرا مفاده أن الجماعات المسلحة أعدمت 38 عنصرا من أتباعها بذريعة شكوك تدور حول علاقتهم بالاستخبارات السعودية والأمريكية وقد تمت عملية الإعدام خلال مواجهات مع قوات أمنية وتحاشت القاعدة الإعدام المباشر حتى لا تدخل في صراع مع القبائل التي ينتمي إليها أولئك المشكوك فيهم. بل إن العميل المزدوج كان سببا في مقتل عدد من قيادات القاعدة خلال الأيام الماضية حسب ما أوردته وسائل إعلامية وفي ذات الاتجاه نسب لعلي صوفان (العميل السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي) قوله "لا ينبغي أن ننسى أن كثيرا من عناصر القاعدة من السعودية وأن هؤلاء قد هزمتهم الأجهزة السعودية قبل هربهم إلى اليمن". صحيفة وول استريت جورنال قالت في سياق تعليقها بأن السعودية تملك شبكة من المخبرين في اليمن وظفتها لمساعدة الولاياتالمتحدة في توسيع نطاق حملتها المناهضة للإرهاب وفي هجمات الطائرات الموجهة عن بعد. كما نسبت الصحيفة لمسؤول أمريكي مطلع قوله بأن العميل المزدوج قد أمضى أسابيع عديدة محفوفة بالمخاطر داخل القاعدة وأن الاستخبارات السعودية لعبت دورا كبيرا في مهمته. وحول أساليب المملكة في اختراق القاعدة جاء في واشنطن بوست بأن الاستخبارات السعودية استغلت شبكة مخبريها وعلاقاتها القبلية مع اليمن في اختراق فرع القاعدة الذي يضم العديد من السعوديين. وفي هذا نسبت لمسؤول شرق أوسطي القول إن لدى السعودية بين5 إلى 8 مخبرين، من بين عشرات مقاتلي القاعدة ذوي الخلفية السعودية، يعملون لصالح جهازها الاستخباراتي. وفي صحيفة الواشنطن بوست ورد أن الولاياتالمتحدة شنت حوالي 30 هجوماً في اليمن بطائرات موجهة من بعد، وتصف إدارة أوباما القاعدة في الجزيرة العربية بأنها أكثر فروع القاعدة نشاطاً وخطورة. يوضح ذلك أيضاً الأسباب التي دعت البيت الأبيض مؤخراً للتوسع في عمليات الهجوم بالطائرة الموجهة من بعد في اليمن. إضافة إلى استهداف القادة الذين تعرف صلتهم بمخططات ضد الولاياتالمتحدة، فإن التفويض الجديد يسمح بمهاجمة المسلحين الذين يعتقد أنهم يعدون لشن هجمات ولكن لا تعرف هوياتهم بالكامل، بحسب ما ورد في الصحيفة. وقد دافع مستشار مكافحة الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب جون برينان الأسبوع الماضي للمرة الأولى عن برنامج هجمات الطائرات الموجهة من بعد، وقد التقى برينان الأحد الماضي بالرئيس هادي في إطار الزيارات المكثفة التي يقوم بها مسؤلون أمريكيون لليمن. وميدانيا تشتد المواجهات بين الجماعات المسلحة من جهة وقوات الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة أخرى، وقد تمكنت الجماعات المسلحة من توجيه ضربات قاتلة لبعض مواقع الجيش آخرها الأسبوع الماضي. في المقابل تمكنت قوات الجيش واللجان الشعبية من رد الصاع صاعين ونجحت في هز مركز ما يسمى بأنصار الشريعة حتى في المناطق التي سيطروا عليها منذ أشهر، بل إن الضربات الموجعة للجماعات خلال الشهر الأخير تكاد تكون الأولى من نوعها منذ سقوط مدينة زنجبار وجعار بأيديهم، هذه الهجمات جعلت هذه الجماعات تعيد حساباتها، وهناك من يتوقع لجوءها لطلب الحوار والتفاوض، ويبدو أن اللجنة التي قابلت الرئيس هادي وتوسطت في الحوار مع هذه الجماعات جهود تصب في هذا السياق.