بلغ الصراع ذروته، ودخلت عواطف قادة المرحلة في الثمانينات ثلاجة التبريد السياسي لتُستبدل رقة البُسطاء بجلافة منطق التصفية القاتل . لأول مرة يحتفل اليمنيون بأهزوجة الوحدة، ليبدد الشعب أكذوبة "الصناعة التي يبتكرها الساسة بركل براميل يضعونها لأنفسهم كخط وهمي لفصل بين دولتين"، فيما الحقيقة قبل العام1990م كانت تقول بأن المواطنين الموجودين في الجغرافيا المسماة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والمواطنين الموجودين في الجغرافيا المسماة "الجمهورية العربية اليمنية" هم شعبٌ واحد برئيسين. لتوه كان الرئيس علي سالم البيض عائداً من مجزرة يناير، ولم تجف قاعة اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي من دماء الرفاق المتعاركين، وعودته تلك جعلته بمثابة الراوي المتحكم بتسلسل الأحداث والتي من بينها كيفية الاستنجاد ببنادق عبر الحبال.. باعتباره أحد الناجين. أراد البيض أن يمحو من تأريخه قليلاً من السواد، ليُكفَ�'ر عن الحرب بمحو حرف الراء من نصف الكلمة ويمضي نحو الحب نُزولاً عند رغبته الجامحة بضرورة ظهور شخصية كاريزمية لاستعادة ثقة الناس. وعلى أنقاض جريمتين رئيسيتين جاء صالح ليتقرفص على كرسي العرش الذي مازال يقطر دماً، الجريمة الأولى اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي وشقيقه عشية سفره إلى الجنوب لتوقيع اتفاقية في 11 أكتوبر 1977م. قبل أن يأتي صالح جاء أحمد حسين الغشمي خلفاً لإبراهيم الحمدي لكنه لم يدُم طويلاً على الكرسي الذي ينتصف داخل بحيرة من دم فذهب الغشمي ضحيةً لحقيبة "تفاريش" الشهيرة في 24 يونيو 1978م وهذه هي الجريمة الثانية. وشنائع كثيرة في طريق الوحدة كان يصنعها الرئيسان وهما يشقان الطريق نحو 22 مايو 90م. بعد 21 عيداً يخرج البيض والأحمر من علبة الألوان اليمنية ، ويعلن اليمنيون أن مايتغنى به العليين زيفٌ مقيت وممارسة الإستبداد والانتهازية بأقبح الصور وأردأ العدسات. لم يقدم علي صالح شيئاً لليمن الموحد، واكتفى بإدارة شؤون دولة بصناعة الأزمات وترسيخ مبدأ ضرب المجمتع بالمجتمع في جذور اليمينين حتى يتسن للحاكم أن يدير شؤون البلد المشتت والمتأزم، كما أنه اعتمد أساساً على سياسية بديعة أفصح عنها رئيس مجلس النواب (السلطة التشريعية) يحيى الراعي بخمس كلمات: "قبيلي يندع قبيلي والدولة تفرع". بعد 21 عيداً وطنياً لا تزال عقلية صالح نفس عقلية البيض بيد أن الأول استفاد من حنكته المستمدة من الطبيعة الجبلية التي تتسم بنوع من الجلافة، فيما الأخير كان رقيقاً في كل شيء. ولم يستفد أحد من رقة ولين علي سالم غير نظيره علي عبدالله صالح حتى في الوقت الذي أراد فيه البيض أن يضر صالح والمصيبة أنه يعلم بأنه يُسدي الفوائد لظله الباقي في صنعاء برسائل دعوات التحرر. 21 سنة وعقلية علي سالم البيض لم تستوعب المتسجدات الراهنة التي تفرضها الحالة المجتمعية. يقول أحدهم :"لو أن علي سالم البيض كان يقرأ على مدى السنين السابقة في اليوم الواحد صفحة واحدة من كتاب يحاكي واقع "الإتحاد السوفيتي سالفاً" لاستفاد في تجربته الحياتية فوائد جُمة، لتصنع منه إنساناً متوازنا بدلاً من التخبط في سفريات طهران، بعد تنقلات غير مُجدية من عمَ�'ان إلى برلين. حافظ البيض على وسامته وتسريحة شعره اللامع الذي كان سبباً في غيرة صالح من البيض، فكما يُعلق المُنكتون أن علي صالح كان يرى شعر البيض يتقلب يمنة ويسرة بعد تنازل الأخير عن منصب رئيس الشطر الجنوبي لصالح الأول الذي حكم الشطرين كان يقول له: سلم نفسك إلى أقرب مركز شرطة. بعكس علي صالح الذي استطاع أن يصنع من تأريخه شخصية اختزلت كاريزميتها بالصفات السيئة، والتي من بينها ماظهر جلياً على جسده الذي تخلص من نحالته ودلف إلى بوابة السمنة من باب اليمن الموحد. إنفاق واسع باسم الحفاظ على الوحدة عند لم الشمل المُتشتت وباتفاق الباحثين يجب على القيادة بمستوياتها المختلفة الإهتمام بالإشباعات البيولوجية للمجتمع، ومن أولوياتها التركيز على المستوى المعيشي عند الفرد،لأنها تجعل الفرد (أقل وحدة مكونة للنسيج الإجتماعي) يتكيف لأجواء الإحتياجات العضوية التي منها التآلف. ولأن صالح لا يفهم شيئاً في متطلبات البيولوجيا كان من الطبيعي أن يلفظه شعب بثورة عارمة مازالت موجودة في ساحات المحافظات الشمالية والجنوبية وإن تفرع منها تيار سياسي وصولا للهدف المنشود. في 2010م قامت الحكومة اليمنية حسب ما أُعلن عنه بتوزيع "خمسمائة ألف قطعة قماش تحمل ألوان العلم اليمني ، لمدارس أمانة العاصمة ""، دون النظر إلى كثافة الطلاب أو المدارس وقد يكون ذات الرقم وبذات السياسة تم توزيع الأَعلام في بقية المحافظات، الحديث عن الأعلام دون صور "المخلوع" بالتعبير "الثوري" أو "السابق" حسب مواقع النظام السابق. وفي ذات العام وبمناسبة عيد الوحدة خسرت الحكومة اليمنية والصانع علي صالح مبلغاً طائلاً غير معلناً عنه ناهيك عن أحاديث الإعلام الرسمي حول استعدادات الفنان المصري شعبان عبدالرحيم من إنزال أغنية جديدة يهديها لصالح وهي أغنية: أنا بحب الوحده...أنا بكره الإنفصال. اليوم يحتفل اليمنيون بعيداً عن كذبة الصُناع، لكن البلد لم يخرج بعد من سوءات العراك في الشمال والجنوب، ليدخل في طور الحراك والجماعات المسلحة في الشطرين.