الحوار عملية مستمرة، قد تفرز الحلول وقدر تفرز الأزمات، قد تسد الطريق وقد تفتحه، والحوار أي حوار يحتاج الى منطلقات وأسس واضحة وآليات سليمة ، قائم على استراتيجية تحويلية باتجاه تشكيل الإجماع الوطني الناهض، وامتصاص إفرازات الصراع والتدافع وفق منهجية ذكية، ولا حل بلا حوار، فالحوار يشكل حالة امتصاص تفريغي لقوة الخصم، وآلية تفكيكه خصوصا حين ينطوي على استبطانات غير مدركة تهدف الى تحقيق تقدم على الأرض، من خلال الفكر واحتلال مساحة العقل كي تتمدد بسلاسة، وما استعصى تستخدم معه حوار البندقية، كي تفرض وجودها وهذا هو الأخطر والحوثي نموذجا على المشروع الطائفي الذي أخذ يتخذ شكلا سلميا ناعما مع احتفاظه بالبندقية، على أن اليمن تحتاج إلى بنية وطنية متماسكة مرتكزة على عقيدة الشعب ومجمل قيمه الوطنية التي تمثل تغذية متحدية لمحاولات فرض مشاريع طائفية وتفتيتيه تحاول فرض وجودها المنطقة ككل، وتأكيد وجود الدولة كإطار ينظم محاولات الانفلات والفوضى، والحوار لن يتم قبل استكمال تفكيك بنية الحرس الجمهوري وما تبقى من تشكيلات عسكرية وأمنية لازالت بيد بعض أقارب النظام السابق. بداية شهر مايو من العام الجاري نشر موقع الجزيرة نت خبرا عن صحيفة بريطانية كانت نشرت تصريحا لشخصية يمنية بارزة في الحراك جنوب الوطن، قال فيه " إن التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لليمن تزايد بعد الربيع العربي، وإن "الكثير من شباب الحراك الجنوبي يغادرون اليمن بهدوء للتدرب في إيران". مما يعني وجود ترابط بين عناصر من الحراك والحوثيين ، تغذيه إيران وقد تمنحه بعدا سياسيا وقتاليا قويا في المستقبل-لا سمح الله-، خصوصا وأن ثمة محاولات لتمدد الفكر الحوثي في المناطق الوسطى وتأسيس مراكز دعوة واستقطاب، يتزامن ذلك مع ثورات الربيع العربي، مما يعني أنه لابد اولا من فصم العلاقة بين عناصر الحراك والحوثيين، وفك ارتباط المشروع الطائفي مع مشروع الانفصال، كون الانفصال كما يبدو يتغذى من شريان التمدد الطائفي كمشروع مندمج فكريا وباستبطان لا يدرك وبدأ يشكل له إطارات اجتماعية كمرجعية تعمل على دمج من يمكن دمجه في سياق هذا التشكل الطائفي الخطير، خصوصا وأن هؤلاء يحملون مشروع طائفية وتفتيت، أي أنهم سيشكلون في المستقبل خطرا حقيقيا على مستقل البلاد ووحدتها ونهضتها ونسيجها الاجتماعي القائمة على بنية عقائدية ذات أساس إسلامي سني، معتدل، الأمر يحتاج إلى عمل فكري وتربوي أولا، أي تأسيس الكتلة الحركية المتحركة والتجميعية التي تحافظ على البنية العقائدية والقيمية لمجتمعنا والتي تمثل لاحما قويا لنسيجه الاجتماعي، وتفعيل دور الإعلام بمختلف وسائلة لترسيخ قيم التلاحم بمختلف أشكالها، وإعاقة أي محاولات تفتيتيه أيا كان لونها أو شكلها، وتفعيل دور الاخوة والشرفاء والوطنيين في المناطق الجنوبية، ستعمل مختلف القوى اليسارية والليبرالية ذات الاتجاه العلماني المندمجة مع بعضها على تأجيج قضايا جانبيه وانتاج حالة من الفرز الاجتماعي والجغرافي والسياسي والطائفي مستهدفة أحد الكيانات الوطنية القوية في البلاد بغرض تحقيق مكاسب وتنازلات قيمية وسياسية لفرض وجودها بشكل جزئي في هذا السياق ستلعب منظمات ما يسمى بحقوق الانسان والمرأة التي تنظر الى هذه القضية من منظورها الفلسفي المنافي للرؤية الاسلامية لهذه المفاهيم، وتدعيم عملية العلمنة الجزئية كوسيلة لانتاج علمنة كلية في المستقبل ربما، خصوصا وأن الاوضاع التي لا يستطيع بعض أفراد المجتمع الصبر إزاءها نتيجة غياب التربية تؤهل لاستقطابات تؤسس لبنية المشروع الليبرالي والعلماني الجاري في بلادنا عبر المشروع الحوثي وأيقونة الانفصال عبر عناصر الحراك، وتظل الحركة الاسلامية في اليمن هي المستهدفة من كل ما يجري في سياق الاستهداف العالمي للمنطقة ككل نتيجة الثورات التي عبرت عن رغبة الشعوب في التحرر من الاستعمار ومدراءه وأنماطه التي حققت تخلفا واضحا في المنطقة، ودمرت كرامة الانسان المسلم، وأرادت ان ترده عن دينه ما استطاعت،حيث تعتبر القوى العلمانية المادية بمختلف تياراتها ومذاهبها الفكرية الكرامة مسألة غير علمية. بتاريخ 22/4/2012م حضرت ندوة تحت عنوان "الكيان الجامع والهوية الواحدة " نظمها تيار يساري في العاصمة صنعاء بعد أن تم عرض ثلاث رؤى حول الوحدة منها وثيقة العهد والاتفاق وخيار النظام الفيدرالي، كانت لي مداخلة مفادها : إن أسوء شيء أن تفتت هويتك، وأن تضع ثوابتك وكيانك الموحد أمام خيارات مختلفة، ويبدو أن المستقبل يحتاج إلى نضالات يومية مستمرة تراكم مفهوم الهوية وتوالف شتاته ن وتجمع تمزقاته، وهذا يحتاج إلى فكر متحرك، ومندمج يعج بالألفة والتوليف، وتفتيق نزعة الانتماء الواحد، إذ أننا إذ لم نتحرك ونتحاور باحترام، وتفاهم على قواعد راسخة وآليات سليمة واستراتيجيات هدفها النهوض الشامل والحفاظ على الوحدة وصيانة كرامة الشعب وضميره وقيمه، فإن الوطن سيكون أمام مستقبل تتنازعه أمزجة شتى، وخيارات مختلفة، لتكون عملية لم "الشتات" الذي لم مازال تفكيرا لدى البعض عملية صعبة محفوفة بالمخاطر، والمخاطرات الغير محسوبة من بعض المغامرون، لأن كل قوة تنطلق في رؤيتها من فلسفة ذاتية لديها في النظر إلى شكل نظام الحكم، والوحدة، وكيفية المستقبل، ومفهوم الهوية، ولذلك فإن الهوية ا ذاتها ستظل مسألة قابلة للاستقطاب والتنازع والتوزيع المتعدد، وعصية على اللملمة. على أننا بحاجة أولا ومن خلال الحوار التركيز على الهوية اليمنية أولا، الهوية في مضمونها الوحدوي الجامع، وبناءها في الوعي والوجدان الوطني دون أن تتحول مسألة الوحدة إلى عصى غليظة تستخدم ضد كل من يريد الإصلاح والنهوض، وهذا أمرا يستلزم عملا تربويا مرتكز على عقيدة الشعب أولا، وقيمه، وجهدا فكريا وثقافيا جبارا، لأن الهوية اليمنية تدور في في محور الوحدة العربية الإسلامية الكبرى، على هذا فإننا نرفض فكر التجزئة المقطر، مهما كان شكله أو لونه الفكري والفلسفي. لقد اكتشفنا بالتجربة أن أسوء شيء أن تضع هويتك وكيانك الموحد أمام خيارات مختلفة، ويجب أن يكون اليمن ونهضته وعزته وكرامته مشروعنا جميعا. الحوار إذا يجب أن يتلازم معه فكر تربوي وسياسي فالفكر يتحرك مع السياسة وعبرها يتم تأصيله وهذا الفكر قائم على مفهوم عقائدية إسلامية أولا ووطني ثانيا، مع جاهزية المواجهة لاحتمالات حدوث تمردات جزئية ذات مسعى تفكيكي.