تبذل جهود كبيرة تتعدى أهدافها احتواء الثورة وإفراغها من مضمونها إلى توظيفها لمنح الشرعية الثورية لذات النظام الذي يخطط ليعاد إنتاجه رسميا -بعد المرحلة الانتقالية- وإن بوجوه غير وجوهه المعروفة من خلال إعادة لملمة أجزاء المؤتمر الشعبي العام ومن غير تفريق بين من خرجت الثورة ضدهم وبين غيرهم. وتشهد الفترة الحالية تقاسم أدوار بين تياري المؤتمر الشعبي العام (تيار صالح، تيار هادي) وإن جاء هذا التقاسم بينهما من غير تنسيق -كما هو واضح. ويتمثل الدور الذي يلعبه تيار صالح في مد جسور التواصل نحو أطراف في السلطة وخارجها من المحسوبين على الحراك المتشدد والمطالب بالانفصال، والآخرين من الطامحين لاستعادة الملكية الإمامية، بما في ذلك قيادات في المشترك مثل حسن زيد والدكتور محمد عبدالملك المتوكل الذين يواجهون أزمة في أحزابهم جراء رفضها لانجرارهم وراء عائلة صالح. ويتمثل دور التيار الثاني في استقطاب من يمكن استقطابه من داخل السلطة وخارجها من قطاعات المستقلين ومن المستقيلين من المؤتمر الشعبي. ويتوازى مع هذا العمل المصروف باتجاه الداخل المؤتمري عمل آخر مصروف باتجاه الخارج يهدف إلى خلخلة صفوف الثورة من خلال أساليب شتى، وتكاد تنحصر هذه الأساليب تحت عنوان: فرض العزل السياسي على الإصلاح وتجريده من حلفائه في المشترك وسائر المكونات الثورية وعلى رأسها شباب الساحات. كما إن هناك رسائل يمكن لمتابع إعلام العائلة والإعلام الموالي لها أن يلحظها بين وقت وآخر، وخلاصة ما ترمي إليه عزل الدكتور ياسين سعيد نعمان ومن معه من قيادات الاشتراكي عن قواعد الحزب حتى يتفرق الحزب -بتفرق قواعده- بين مشاريع شتى ليس من بينها مشروع الحزب الاشتراكي الوطني المتفق وثورة الشعب. وهكذا يقوم إعلام العائلة والإعلام الموالي لها باختزال الثورة في الإصلاح، وبصفتها عملا سلبيا لا بصفتها ثورة. فيما الهدف يتعدى الإصلاح إلى كل مكونات الثورة والثورة ذاتها. وكمرور عابر على مظاهر هذه التوجه المدروس، فإن هذا الإعلام الذي كان يصف صحيفة «الناس» بأنها صحيفة حميد الأحمر، أصبح يطلق عليها -الآن، وبشكل منتظم ومتفق عليه بين مختلف وسائلهم- صحيفة الإصلاح. وقناة «سهيل» التي يملكها حميد الأحمر أصبحت هذه الأيام «قناة الإصلاح». وذات الأمر انسحب على كل الصحف والمواقع المستقلة التي يملكها إصلاحيون، وبما فيها الصفحات الشخصية على مواقع ال»فيس بوك» و»تويتر». وكل ما يرد في هذه الصحف والمواقع مما يمكن أن يوظفوه ضد الإصلاح ولو اعتسافا، أصبح ينسب إلى الإصلاح، فإذا ب»إعلام الإصلاح» يصف فلانا بكذا وكذا، وإعلام الإصلاح يهاجم الطرف الفلاني، وإعلام الإصلاح يشن هجوما على الرئيس هادي، وإعلام الإصلاح يرفض ما طرحه الطرف الفلاني من شروط للحوار.. وإلى آخر هذه العناوين التي أصبحت مادة أساسية في تلك الوسائل الإعلامية. وعلى ذات النسق، كل اعتداء من الحراك المسلح أو بلاطجة صالح يتعرض له شباب الساحات في أي من المحافظات الجنوبية يغطى -عبر هذه الوسائل- على أساس أنه وقع بين شباب الإصلاح والحراك. وأي مواجهات بين الحوثيين والقبائل تصبح -لدى هذه الوسائل- مواجهات بين الإصلاح والحوثيين. والعراك الذي قد ينشب بين اثنين أو أكثر في ساحة التغيير بصنعاء يحظى بتغطية واسعة ويصبح عراكا بين إصلاحيين وشباب الثورة المستقلين. ومتى ما راق لهم مهاجمة اللجنة التنظيمية للثورة فإنهم يصفونها ب«التابعة لحزب الإصلاح». والوزير الذي ينتمي إلى قوى الثورة ويريدون مهاجمته يصبح -في وسائلهم- وزيراً تابعا للإصلاح. ولقد ظلت هذه الصحف والمواقع -طيلة العام الماضي- تنسب كل حركة وسكنة من حركات وسكنات الثورة إلى علي محسن أو حميد الأحمر، رامية من وراء ذلك إلى الحفاظ على الصف المتبقي حول علي صالح وعائلته، على أساس أن صالح قد بنى جيشه الجديد على أساس العداوة مع رموز الجيش الوطني وقياداته، وفي مقدمتهم علي محسن، وبنى تحالفاته مع أجزاء من بعض القبائل على أساس الخصومة مع بيت الأحمر. إلا أن هذه التوجه يشهد في الوقت الحالي انحساراً مستمرا لصالح الخطاب الذي أحل الإصلاح محل الجميع. وتركيز إعلام عائلة صالح على التعبير عن حزب الإصلاح بوصفه «الإخوان المسلمين» كان -خلال العام الماضي- رسالة يراد منها تأليب الرأي العام الغربي الرسمي تجاه الثورة، واستمالة القوى الغربية إلى صف عائلة صالح. ولم يعد هذا مجديا بالنسبة لصالح وعائلته بعد خروجه من السلطة، ليشهد هذا الخطاب تراجعا واضحاً -في الوقت الحالي- لصالح استخدام مفردة الإصلاح. وتكثف هذه الوسائل الحوارات والتصريحات لأفراد منتسبين للمشترك من الذين يجاهرون الإصلاح بالخصومة، أو يتعمدون النيل منه لأي سبب من الأسباب، مثل حسن زيد، ومحمد المتوكل، ولا يبالي القائمون على هذه الوسائل أن يستأثر هؤلاء الأشخاص بمساحات واسعة في وسائلهم وأن تتكرر أسماؤهم وصورهم بشكل ملفت للنظر وإلى درجة أثارت السخط لدى كثير من المنتسبين للمؤتمر الشعبي العام نفسه، وهو ما عبر عنه بعضهم في لقاء تنظيمي جمعهم ببعض قياداتهم مؤخرا. وهذا فضلا عن تركيزهم على الحوثيين والمنتمين إلى الحراك المسلح من الذين لا تُُستطلع آراؤهم عن شيء إلا للحديث السلبي عن الإصلاح. وكل رأي يطرحه أي من شباب الثورة المستقلين أو الحزبيين مما يمكن توظيفه -بأي شكل- ضد الإصلاح يصبح في هذه الوسائل خبرا بالغ الأهمية ويترشح إلى قائمة الأخبار ذات الدرجة الأولى من الأهمية. وتتنوع مظاهر هذه الحملة الإعلامية التي تكشف عن مخطط واضح المعالم. وعن ما يقابلها من المشترك والإصلاح ومكونات الثورة، فإنه -ومع استثناء بعض الجهود الفردية- لا يقابلها شيء يذكر من المشترك والمكونات الثورية الذين يلتزمون الحياد ويتعاملون مع الأمر بسلبية، إذ لا يرون أنفسهم معنيين بشيء مما يتعرض له الإصلاح، ومن غير تفريق بين ما يتعرض له الإصلاح بصفته الإصلاح، وبين ما يتعرض له والهدف يتعداه إلى المشترك ومكونات الثورة وإلى الثورة ذاتها. والإصلاح ليس -في هذا- أفضل حالا. [email protected]