إن اليمن أرضاً وإنسانا دولة موحدة العقيدة والثقافة والتاريخ والمصير ومصالحها مترابطة ترابط ذلك كله، وأفضل مراحلها التاريخية هي تلك التي توحدت فيها.. ولعل هذا جعل في مقدمة أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر إعادة توحيد اليمن وكان الالتفاف الشعبي حول الوحدة عند قيامها 22 مايو 1990م معبراً عن رغبة الشعب بالوحدة والتوحد وظهر ذلك حتى أثناء حرب 1994م التي جعلت من إعلان علي سالم للانفصال عامل انتصار عليه إلا أن ممارسات نظام صالح عقب ذلك من تسريح للقيادات العسكرية والمدنية ونهب الأرض والثروات وممارسات الاستعلاء والاستكبار ضد أبناء الجنوب خصوصاً وكل الوطن عموماً أحالت مشروع الوحدة من مشروع وطني إلى مشروع يكرس نزعة الهيمنة والإقصاء والإلغاء ويؤسس لحكم العائلة. وكل هذا أنتج حراكاً بدأ مطلبياً حقوقياً وتطور إلى سياسي بل ومسلح، ومع انطلاقة ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م الشبابية الشعبية السلمية عادت علامات المطلب الأول والرئيسي لكل يمني وهو الوحدة، فهتف الجميع شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً الشعب يريد بناء يمن جديد لا شمال و لا جنوب وحدتنا وحدة قلوب، وتحدد الهدف ببناء دولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون والمساواة والعدالة. كل هذا يؤكد الرغبة اليمنية في الوحدة وهذا الأصل عند الجميع وغيره استثنائي وطارئ نتاج لعوامل خارجة وممارسات خاطئة لابد من إزالتها حتى نقرر مصير وحدتنا وشكل نظامنا ودولتنا؛ إذ مقتضى العقل والمنطق السليم أن نزيل أي مؤثر قبل إصدار الحكم ويجب أن يكون القرار انتصاراً للوطن لا انتقاماً منه بتشظيته وتمزيقه كردة فعل لممارسات نظام أساء وأجرم بحق الشعب شمالاً وجنوباً. إن ممارسات النظام البائد أنتجت أوضاعا وخلقت قناعات لا تعكس حقيقة قناعاتنا التي أثبتها التاريخ وتوحدت عليها الثورات والمشاريع الوطنية المخلصة ولذا فعند تدارسنا لخيار شكل الدولة والنظام لابد وأن تدرس الأمور دون التأثر بممارسات نظام صالح وما نتج عنها والتي لم تكن محصورة على الجنوب والجنوب فقط. وفي نظرة تأمل في الخيارات المطروحة لاسيما خيار الدولة الموحدة بشكلها البسيط ونظامها البرلماني وحكم محلي كامل الصلاحيات أو خيار الدولة الفدرالية، وكلاهما خياران لكل واحد منهما سلبياته وإيجابياته، والتي تختلف في خيار الفدرالية من إقليم لآخر. وبالنظر لعوامل وحدة الأرض والعادات والتقاليد والثقافة والمصالح المشتركة والتاريخ والمصير المشترك يصبح شكل الدولة البسيطة مع حكم محلي كامل الصلاحيات هو الأنسب لاسيما وأن الشكل الآخر الممكن رغم صلاحياته وإمكانية نجاحه قد ينتج في ظل وضع اجتماعي محتقن ومناطقية واضحة غذاها النظام السابق وظهرت ممارساتها في الواقع لاسيما ضد أبناء تعز، قد ينتج خيار الفدرالية صراعاً بين الأقاليم وتعامل إقصائي لمن ليس من أبناء الإقليم الواحد إضافة إلى عامل مستوى ثقافي متدني كنتاج للأمية وعوامل أخرى وفي حال حدوث مثل هكذا نتائج جراء خيار الفدرالية ستكون تعز المتضرر الأكبر، إذ هي التي تخرج الآلاف سنوياً من الكوادر المؤهلة التي تتطلبها التنمية في البلاد كلها وربما الشكل الفدرالي سيحرم أقاليم من الاستفادة من هذه الطاقات ويضاعف نسبة البطالة في إقليم فيه تعز ومثل ذلك الحال من تعطيل طاقات وتكدسها في إقليم دون آخر يضر بالنهضة والتنمية المنشودة لبناء اليمن الجديد ودولته المدنية الحديثة، ولذا وتحاشياً من الوقوع في مثل هذه الإشكاليات يصبح شكل الدولة الأنسب ولو مرحلياً هو دولة موحدة بشكلها البسيط ونظامها البرلماني والحكم المحلي الكامل الصلاحيات لا حرصاً على تعز وأبنائها فحسب بل لأجل الوطن كله، ويجمعنا حب الوطن.