لم تكن المعلومات الأمنية المغلوطة التي كشفت هوية منفذي تفجيري السبعين وكلية الشرطة الإرهابيين مجرد غلطة شاطر، فالمصادر الأمنية التي بادرت بكشف من قالت إنهم مرتكبو تلك الحادثتين تبين لاحقا أنها معلوماتها غير صحيحة، وقد وضعت الأجهزة الأمنية في وضع محرج أمام المتابعين والمهتمين. فأمير الدين علي الورفي الذي سربت أجهزة أمنية اسمه باعتباره منفذ العملية الانتحارية في ميدان السبعين؛ اتضح أنه حي يرزق بعد ساعات من الحادثة وجاء برفقة شقيقه الأكبر محمد إلى وزارة الداخلية والتقيا بمسؤوليها كرد على مزاعم انتحاره، وفي الوزارة تم إثبات محضر بواقعة وصول الورافي وبحقيقة أنه «حي يرزق». وفي تفجير كلية الشرطة سارعت اللجنة الأمنية العليا للإعلان عن هوية ما أسمته بالانتحاري الذي نفذ العملية لكن تحقيقات وزارة الداخلية أكدت أن محمد ناشر علي العري هو أحد ضحايا حادث التفجير وأنه ليس منفذ العملية. لقد اقترف موقع وزارة الداخلية على الانترنت الخطأ مرتين لكنه سرعان ما تراجع واضطرت وزارة الداخلية إلى تشييع (العري) في جنازة رسمية كنوع من رد الاعتبار وقدم اللواء عبدالرحمن حنش وكيل وزارة الداخلية لقطاع الأمن العام التعازي لأسرة الفقيد باسم قيادة وزارة الداخلية. وسبق للوزارة أن أعلنت عن منفذ الهجوم الانتحاري الذي استهدف جنود من الأمن المركزي في ميدان السبعين هو (أمير الدين علي محمد الورافي) من مواليد 1987م بأمانة العاصمة ويسكن بمنطقة المشهد. وأوضحت بأنه كان أحد المطلوبين للأجهزة الأمنية على ذمة «جرائم إرهابية». لتعود الوزارة وتعلن أن الورافي ليس هو منفذ العملية وتعتذر عن ما نشره موقعها الالكتروني وتقول أنه تعرض للتضليل. لاحقا أوقف رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها علي الآنسي رئيس جهاز الأمن القومي وشكل لجنة بديلة يرأسها وزير الداخلية الدكتور عبدالقادر قحطان الذي يعد مخولا بكافة الصلاحيات في إدارة اللجنة وما يخص الجانب الأمني. وبالتأكيد فإيقاف اللجنة الأمنية جاء بعد ارتكابها أخطاء أهمها الإعلان عن منفذي العمليتين الإرهابيتين بشكل مغلوط. وكان وزير الداخلية أشار في نشرة التاسعة بالفضائية اليمنية في يوم تفجير كلية الشرطة الإرهابي إلى أن التفجير يشير إلى احتمالية وجود عبوة ناسفة مزروعة داخل القمامة، وانتقد كشف أسماء المحققين الذين يقومون بالتحقيق في حوادث التفجيرات عبر بعض وسائل الإعلام وقال: لماذا يتم كشف أسماء المحققين للقاعدة ولمصلحة من هذا..؟ سر إعلان اسم الورافي والعري في العمليتين من خلال قراءة السياق ومتابعة تفاصيل الحادثتين اللتين وقعتا في المنطقة الخضراء التي يسيطر عليها الحرس الجمهوري بالإضافة إلى الشنطة الملغومة في منطقة حزيز بأمانة العاصمة والتي أودت بحياة شخص يتضح أن الجهة التي خططت ونفذت تلك العمليات بدقة متناهية تمتلك تفاصيل كاملة عن المكان والزمان والطرف المستهدف، وهو أمر طبيعي في مثل عمليات انتحارية كهذه، لكن الخطأ الذي وقعت فيه الجهة المنفذة سواء كانت القاعدة أو أية أطراف أخرى هو ذلك التسرع بتحميل أشخاص بعينهم مسئولية التفجير، ففي حادثة السبعين يبدو أن الجهة المنفذة أرادت صرف أنظار المحققين الأمنيين والمهتمين والسياسيين عن المنفذ الحقيقي بالإعلان عن الورافي وهو جندي في الأمن المركزي، ولعل تلك الجهة التي جمعت معلومات متكاملة عن الورافي قبل تنفيذ العملية كانت تتوقع أن يكون الورافي أحد ضحايا الحادث الإرهابي وبالتالي فلن يشك أحد في صدقية الخبر، لكن ما حدث هو العكس فالمتهم من قبل اللجنة الأمنية العليا ظهر علي قيد الحياة والإعلان جعل الأجهزة الأمنية في وضع محرج، والأمر الأكثر غرابة هو تأخر تنظيم القاعدة في الكشف عن هوية منفذ العملية الانتحارية إلى ما بعد التأكد من خطأ الاتهام الموجه للورافي. الخطأ نفسه تكرر في حادثة كلية الشرطة فالمعلومات الأمنية تؤكد أن العملية نفذت عن طريق عبوات ناسفة زرعت في برميل القمامة وفجرت عن بعد، وإن صحت هذه المعلومات فهي تضع العديد من علامات الاستفهام حول الجهة المنفذة على اعتبار أن العمليات الانتحارية التي ينفذها تنظيم القاعدة لا تتم بعبوات ناسفة في الغالب بل تتم عن طريق أشخاص انتحاريين، كما أنها أيضا تشير إلى معرفة الجهة المنفذة بتفاصيل مسرح العملية، وأنها قد جمعت معلومات كاملة عن مسرح العملية والأطراف التي تتواجد فيها كل أربعاء أثناء خروج الطلاب من الكلية، فعلى سبيل المثال تعرف تلك الجهة أن الضحية (العري) هو سائق تاكسي أجرة ويأتي إلى بوابة كلية الشرطة كعادته كل يوم أربعاء لنقل طلاب من أقاربه إلى منطقة الأشمور في عمران ولذا سارعت إلى تحميله مسؤولية العملية خاصة وأنها قد تأكدت من سقوطه قتيلا كأحد الضحايا المتواجدين في مسرح الجريمة، وعلى اعتبار أنه المدني الوحيد المتواجد بين الضحايا من طلاب كلية الشرطة. لا يمكن بالمطلق تمرير خطأين أمنيين في حوادث إرهابية بهذا الحجم دون الوقوف على أبعاد الحادثتين والأطراف المستفيدة من تصدير العنف وإدخال البلد في أتون أزمات لا أول لها ولا آخر، ففي حادثة السبعين نتذكر جميعا قصة نشر بعض وسائل الإعلام خبر دخول علي عبدالله صالح إلى المستشفى لإجراء عدد من العمليات الجراحية قبل حادثة التفجير بيوم. كما أن الرمزية التي يحملها مكان التفجير وهو ميدان السبعين الذي يمكن تسميته بالحزام الأمني ويقع بالقرب من مقر قوات الأمن المركزي وإلى جوار دار الرئاسة وعلى بعد عشرات الأمتار من منزل الرئيس السابق وفي مربع الحرس الجمهوري وبالتزامن مع الاحتفال بالعيد الوطني للجمهورية اليمنية بيوم واحد كل تلك الحيثيات لا تعفي الجهات المذكورة من المسئولية الأخلاقية على الأقل أن لم تدنها، وبالمثل ينسحب الأمر على حادثة كلية الشرطة. ولأن القبضة الأمنية في أمانة العاصمة وفي غيرها من المحافظات مرتخية بفعل الأحداث التي شهدتها اليمن خلال العام الماضي وبسبب الانقسام الحاصل في صفوف القوات المسلحة فإن هذا الوضع يتيح للأطراف التي تستهدف أمن البلد واستقراره ممارسة العبث بسهولة ولا يعني الحديث عن العمليات التي شهدتها الضاحية الجنوبية من الأمانة التحريض على ارتكاب جرائم مماثلة في الضاحية الشمالية التي لم تسلم من العبوات الناسفة التي استهدفت رئيس قسم مذبح وضابط في الأمن السياسي يسكن بجوار مستشفى آزال القديم وكلها تم تفجيرها عن بعد. ويعشعش الخوف في الأوساط الشعبية من توسع نطاق استخدام العبوات الناسفة واستهداف الأماكن المزدحمة كالأسواق وغيرها وهو ما عكسته العبوة الناسفة في منطقة حزيز التي راح ضحيتها مدني وأصيب آخرون. وفي هذا السياق لا تعفى جماعات العنف والتطرف من المسئولية المباشرة عن دماء الأبرياء، لكن المسؤولية أيضا تقع على عاتق الجهات العسكرية والأمنية المقصرة في القيام بواجبها على أكمل وجه، وبالقدر ذاته تتحمل الأطراف السياسية التي تسعى لتعكير صفو الوفاق السياسي حصتها من المسؤولية عن أعمال العنف والتخريب التي تستهدف الأبرياء وتطال المشاريع الحيوية. وللتذكير فإن أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري قد طلب من المبعوث الأممي بن عمر حضر المظاهرات التي تدخل منطقة حدة التي قال إنه يريدها منطقة محظورة على المسيرات، فهل يقبل بأن تتحول هذه المنطقة إلى ساحة مفتوحة للعمليات الانتحارية!؟ أما عمار صالح الذي أقيل من موقعه في جهاز الأمن القومي فقد نشرت مصادر صحفية معلومات تفيد بأنه يدير عصابة تتكون من 450 فرد تقوم بعمليات التخريب التي تستهدف المصالح الحيوية مثل أبراج الكهرباء وتفجير أنبوب النفط وكذلك عمليات التقطع في الطرق الرئيسية. وقد ظهر علي صالح أكثر من مرة يتحدث عن فشل الحكومة وعجزها عن توفير الكهرباء وإصلاح أنبوب النفط وضبط الحالة الأمنية، ولسان حاله يقول: «قد كنت أفضل لكم، قلتوا لا، هيا تجرعوا».