في بطون كتب الحديث يحث حديث شريف على أهمية أن يعمل الإنسان, ويستمر في ممارسة أنشطته الحياتية المتنوعة, دون توقف حتى عند نزول الخطوب, وحلول الكوارث والملمات الكبرى .." إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ". ما يقوم به أركان حرب الأمن المركزي يحيى صالح هذه الأيام يوحي للوهلة الأولى بأن الرجل ربما مر على الحديث وقرأه غير مرة, وأنه يجاهد في هذه اللحظات الحاسمة التي تفصله عن مصرعه الوظيفي الحتمي, في إسقاط مضمون الحديث على واقع حياته..وإن ليس للغاية ذاتها التي يقصدها الحديث !! يحيى يعتبر الثورة التي أطاحت بنظام حكم عمه صالح " قيامة حقيقية " ..بكل المقاييس ! كثوار ليس هناك من متعة أكبر بالنسبة لنا من أن نشاهد أحد أركان نظام حكم صالح يثابر في التشبث بالبقاء على رأس المؤسسة الأمنية الأقوى, في الوقت الذي تواصل فيه القرارات الرئاسية المسنودة بقوة " القيامة " الضرب في عمق الحجور الصالحية, واستئصال ما تبقى من الورم البائد داخل دوائر القرار السياسي والعسكري ! إرحلوا عن شوارعنا.. اليمن بنا أجمل ..نفثة تهديد هنا, وشطحة وعيد هناك ..كلها محاولات بائسة من يحيى لإشعارنا بأنه ما يزال حاضرا كعنصر فاعل في المشهد وأن الصاعقة الثورية لم تنل من عزيمته, أو تزلزل ثقته بنفسه, وفوق هذا هي رسائل سياسية غايتها إفحام أولئك الذين مافتئوا يجوبون شوارع المدن اليمنية لمطالبة الرئيس بالإسراع في هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية, وتطهير ما تبقى من " العفن العائلي " داخل هاتين المؤسستين الحساستين. شخصيا :أتمنى على هادي ألا يستعجل أمر يحيى, هذا الرجل مخزون نكته, وفائض متعة لنا خصوصا عندما نكتشف على لسان العزيز سام الغباري بأن فعالية " إرحلوا عن شوارعنا " التي دشنها يحي حققت الغاية منها بشكل فاق التوقعات !! كيف حدث ذلك ؟ لا ندري ! ..المهم أنها حققت غايتها ونجحت و ...وكفى ! ليس ثمة من شيء باعث للضحك هذه الأيام أكثر من فعاليات " بلدوزر الأمن المركزي " يحيى صالح, وإن أصبحت أرأف كثيرا ب " عبده الجندي " الذي بدوره يتمنى في قرارة نفسه لو أن هادي يحسم أمر يحيى في أقرب وقت لكي لا يسرق منه الأضواء, وقد تحول إلى مهرج أكبر من الجندي نفسه ..ممارسة التهريج ببزة أمنية مرصعة بالنجوم, له مذاق خاص يفوق في لذته كل تهريجات الجندي ومؤتمراته العبثية التي عقدها منذ انطلاق الثورة وحتى يومنا هذا, فمؤتمرات الجندي وإن كانت تعكس شيئا من الإحباط الذي يلف مساعي منظومة الحكم البائد لعمل شيء, فإنها لاتعكس الحجم الحقيقي للخيبة التي تعصف بهذه " العيلة " كما هو الحال حينما يكون المهرج يحيى صالح " فتى العيلة المدلل " وصاحب الأكمام المحتشدة إلى مافوق المرفقين, والرجل المفتول الغرور والعضلات, والمتشعب الكبرياء والأحلام ..! ومع ذلك يخالجني إحساس بأن يحيى يعيش هذه الأيام ذروة ذله, وانكساره, وبؤسه, خصوصا حينما يمارس الهروب نحو عالم خال من كل شيء إلا من حضوره الذهني, ويسأل نفسه في ارتباك بالغ : ماذا لو أن صاعقة القرار الرئاسي القادم حلت فوق رأسي هذه المرة, هل أتمرد أنا أيضا كما فعل الأسلاف؟ وهل يجدي ذلك شيئا ؟! أم أنصاع لقرار رئاسي " نافذ " أدري أنه ليس سوى مشهد أخر من مشاهد الإنتقام السياسي لرجل يتلهف لإشباع رغبة الإنتقام المكبوته في أعماقه منذ زمن طويل ! شهية الرئيس هادي مفتوحة على مصراعيها لتذوق " الأبهة ", وطعم " الهيلمان "..ويدري أن قرارا جمهوريا بامضاءه يطوح بيحيى محمد عبد الله صالح من رئاسة أركان حرب الأمن المركزي يمكن أن يوفر له طعم الأبهة ومذاق الهيلمان اللذييييييذ . لنحو عقدين ضل بريق نائب رئيس الجمهورية هادي حافتا لحساب " جهال صالح " الذين قفزوا إلى الواجهة ولمعوا في سماء المشهد, وأصبحوا فجأة نجومه الأبرز بين الجميع, لقد بسط هؤلاء على كل شيء .. مارسوا السياسة, والأدب والفن, والرياضة, كما واستأثروا بنصيب الأسد من المناصب العسكرية والأمنية الرفيعة, ولم يعرف الناس شيئا عن " هادي " أكثر من كونه " رجل الصمت الإجباري " الذي قيدت سلطاته, وحجرت عليه صلاحياته, وألجمت نشاطاته, المفترضة كنائب لرئيس الجمهورية من قبل " أطفال العيلة " الذي زادوا على ذلك بأن أطلقوا عليه لقب " المركوز " ليضل طيلة السنوات الأخيرة موضوع أحاديثهم الساخرة في دهاليزهم العسكرية والأمنية. اليوم الثورة قلبت المعادلة تماما, فالرجل بفضلها صار أقوى منهم بكثير بدليل أنه يركز بهم الآن واحدا تلو الأخر..فجأة أصبح أولاد صالح وإخوته مركوزين, وهادي هو الراكز !! يا لغدر الأقدار! ويا لمنطق الثورة الذي يقلب الأمور عاليها سافلها لتأخذ الحياة فجأة لونا مغايرا تماما ..ينقلب معها كل شيء إلى النقيض من نفسه ! هل ثمة عدالة بمثل عدالة الثورة يا يحيى ؟ وهل صادفت غدرا أكثر وحشية وفتكا بضحيته من غدر الأقدار ؟ أدري أن يحيى يجاهد في انتفاء العدالة مما جرى, فهو يرى فيه محض ظلم لا غير, وبقدر إيمانه بغدر الأقدار يؤمن يحيى بأن الثورة هي مكمن الغدر الحقيقي, وبلوى البلاوي التي حلت به وبأسرته, وأنزلت بهم عقابها على ذلك النحو الذي لا يرحم ! وبالرغم من ذلك فأن يحيى ما يزال حتى اللحظة يرفض الإقرار بأن ما حدث في اليمن ثورة, الرجل ثوري من الدرجة الأولى كما يرى نفسه, ولذلك لم يستوعب فكرة أن ثورة يمكن أن تقوم على شخص " ثوري بالأصل " !! إن هذه هي جوهر الإشكالية, التي تحول دون إقراره بأن ما حدث هي ثورة, ولذلك نجده في كل مقابلة له أو تصريح يبالغ في التنكيل بها, وشتمها, واصفا إياها بالفوضى تارة ,وب " الظاهرة الشوارعية تارة أخرى ". حلوة هذي ( الظاهرة الشوارعية ) من فم يحيى .. هل سمعتم عن ثورة قامت داخل صوالين الحلاقة, أو في محلات البنشر ! يوووه, لقد تعبت من الحديث عن يحيى ومغامراته, وفعالياته, وأسلوبه في التحايل على المنطق. فلندع يحيى يفعل ما يشاء إذن, فوحدها لعنة القهر, والآلام من تدفع الطير للرقص بجنون صاخب !