لم يكن أحد يتوقع السيناريو الأخير والمشهد الختامي الدراماتيكي التي آلت إلية ثورة الشعب اليمني هذه الثورة التي كانت أمل للخروج من مستنقع أصحاب النفوذ الذين ضلوا لسنوات يديروا شؤون هذه البلاد المغلوبة على أمرها والتي كتب لها أن تعيش في بؤر الفقر والجهل والمرض والفوارق الطبقية بين أبناء الشعب الواحد , فلا الوحدة التي علق عليها أبناء هذا الشعب ليخرجوا مما يعانوه حققت لهم طموحاتهم, ولا الديمقراطية المزعومة, ولا برامج الخصخصة التي تبناها النظام لتحسين الوضع الاقتصادي, ولا القوانين التي اشترك في صياغتها القائمون عليها, ولا الإصلاح الإداري المتمثل بالمجالس المحلية, ولا انضمام بعض المؤسسات الحكومية إلى مجلس التعاون الخليجي كالتعليم والصحة والرياضة أنتجت شيئا ليخرج اليمن من مشاكله الغارق فيها من قمة رأسه إلى أخمص قدميه, وجاءت ثورة الشعب التي عُلّق عليها الكثير لتحد من تفشي وانتشار المهالك التي أغرقت وقيدت أبناء اليمن من النهوض, والتطلع إلى وطن يضمن العيش فيه بفرص متساوية لكل من يحتويهم. ذهب ضحيتها المئات من الشباب الأبرياء, والآلاف من الجرحى والمعتقلين والأرامل وأصحاب العاهات المستدامة, الجميع ضحى من أجل الأحلام, فهذا بروحه, وذاك بقطعة من جسده, وغيره بماله, وهذا بوقته وصبره. الدنيا لم تكتفي بمعاقبة الشعب, بالعيش التعيس ومكابدتها للبحث عن لقمة العيش بل أرغمتهم إلى إن يتجرعوا المر والعلقم والألم والأنين والآهات, كل ذلك من أجل البحث عن الحرية والكرامة والعدل ويضمنوا لأبنائهم حق العيش لا نقول الرغيد ولا مساواة بدول الجوار بل بالشيء المعقول الذي يؤسس قوانين تضمن له ولو حيز بسيط مما يحصل عليه غيرهم من أصحاب النفوذ والولاء للنظام الحاكم في اليمن, كل تلك الأحلام والآمال ذهبت أدراج الرياح ولم تستطع لا الدماء ولا التضحيات الجسيمة ولا الشهداء أن تشفع أو تحقق ولو الشيء القليل مما عزمت علية, والجميع شاهد كل تلك ذهبت أدراج الرياح وما استطاعت أن تخرج به, هو امتيازات للجلاد ليبقى رافع رأسه يمارس أفعاله المشينة بحق هذا الوطن دون حساب أو عتاب أو رقيب ليلومه عن أفعاله, ورمت الضحية في غياهب الظلام يعاتب نفسه على ما اقترفه وهو الحلم الجميل الذي حلم به, متخطية بذلك كل الأعراف والقوانين والتشريعات السماوية والقوانين الوضعية , سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية. لم نكتفي بهذا فحسب بل تعدينا على حدود الله وهذا هو الخسران المبين وإنا والله لهالكون. كيف لأصحاب الضمير أن يقبلوا العيش في وطن يبرر للجاني فعلته ويعاقب المجني علية, يساوي بين الظالم والمظلوم والجلاد والضحية, يشاهد فيه من كان يقف بصف الظالم, ويبرر أفعاله, ويدعوا الناس إلى الوقوف إلى جواره ,ويحرض على قتل الأبرياء, ويكذب على الناس, ويختلق الروايات والأكاذيب ليضلل على الأفعال المقيتة والمشينة, يقف متباهياً فخورا مبتهجا فرحا مسرورا بأفعاله, يمارس حياة عادية بل أكثر اطمئنانا وراحة وامتيازات من ذي قبل, لم يجد حتى توبيخ لما كان يصنع, أو نصيحة ليدعوه للتوبة عن ما اقترفه من أفعال والتوبة لا تقبل إلا بالإقرار بالذنب والاعتراف بالخطاء. كل ما في اليمن من مؤسسات ازدادت سوء في هذه الفترة سواء كانت أمنية أو تعليمية أو صحية أو اجتماعية أو اقتصادية , والمستقبل القريب يخبي لنا الكثير من المخاوف والمآسي. وهناك من يدعي إن المرحلة الحالية مرحلة بناء وتصحيح, كيف سيكون هذا البناء والأرضية هشة والأعمدة معطوبة والمواد فاسدة ومستعملة ؟؟ كيف سيكون هذا البناء ؟؟ وكم سيستمر واقفا؟ هذا إن استطاعوا تصويره!! تناقض غريب لا يمكن أبدا أن يتحقق هذا ما ستثبته الأيام في المستقبل. [email protected]