الواضح أن حظ اليمنيين في لجان التحقيق كحظ الباحث عن إبرة في كومة قش! تم تشكيل أكثر من لجنة تحقيق في الأحداث الجسيمة (الجنائية) التي ضربت المجتمع المحلي وتم على إثر ذلك بناء رأي عام دولي حول تلك الأحداث «الإرهابية»، ولم يتخط الرأي الدولي والمحلي حاجز المطالبة بلجان تحقيق مع التعبير السياسي السائد عن الأسف العميق وإدانة الفاعل. جرائم مختلفة تظهر عليها بصمات «القاعدة» كجريمة السبعين التي حدثت في ال 21 من مايو المنصرم وراح ضحيتها ما يزيد عن 90 جنديا قبل يوم واحد من الاحتفال بعيد الوحدة اليمنية. كذلك تبدو جريمة كلية الشرطة التي أودت بحياة 9 جنود من طلاب الكلية يوم الأربعاء, 11 يوليو. لكل جريمة مداخل لحدوثها وأدوات عدة تُعتبر مُستلزمات التنفيذ، وترجع في الأساس إلى البيئة المحيطة بالجريمة، وعليه تقوم الجهة المخولة بتشكيل اللجان للوصول إلى «ملاحق» الجريمة، تفادياً لحدوث أخرى وردع «المجرمين» من إلحاق الضرر بالمجتمع، عبر استئصال الخطر. كانت جريمة السبعين مفاجئة لهادي، وهي الصدمة الأولى التي تلقاها الرئيس الجديد في بداية مشوار حكمه والذي من المقرر أن يكون لمدة سنتين، إلى الآن لم يُعلن عن مُلابسات الحادث الشنيع. جريمة كلية الشرطة في أحداث كلية الشرطة وجه الرئيس الانتقالي وزير الداخلية بتشكيل لجنة للتحقيق في الجريمة، لجنة التحقيق التي شكلها وزير الداخلية ترأسها اللواء عبد الرحمن حنش وكيل وزارة الداخلية لقطاع الأمن العام وعضوية كل من: مدير عام مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية، ممثل عن الجهاز المركزي للأمن السياسي، ممثل عن الجهاز المركزي للأمن القومي، وممثل عن دائرة الاستخبارات العسكرية وكلف الوزير لجنة التحقيق بمباشرة أعمالها والرفع بنتائج التحقيق بأقصى وقت ممكن. التضارب الحاصل في عمق الأجهزة الأمنية جعل منها ملاذاً للارتباك الفج والمصطنع، والظاهر أن لجان التحقيق تحوي شخوصا يمثلون «صناع التناقض». ولعل أكبر دليل على ذلك هو تشكيل لجنة تحقيق كلية الشرطة على أنقاض لجنة سابقة رأسها رئيس جهاز الأمن القومي علي الآنسي «فشلت في إماطة اللثام عن ملابسات الهجوم وتسرعت في إعلان اسم المتهم في العملية، فيما كان أحد ضحايا الهجوم». لجان تحقيق في اليمن تاهت في زحمة الأحداث، واستغلالاً لمشاغل الرأي العام الشعبي وجدت لجان التحقيق نفسها في دهاليز لامبالاة الساسة وعفو الشعب! كان من المتوقع أن يتغير حال «تشكيل اللجان» بعد وصول المشير عبدربه منصور هادي إلى سدة الحُكم إيحاءً بأن هناك تغييراً حاصل يجني ثمار شفافيته القانون؛ لكن الحاصل يؤكد أن عمل لجان التحقيق في عهد هادي تستنسخ آلية عملها من رعيل لجان التحقيق التي كان يشكلها صالح. تحقيقات مصيرها الدفن، وأخرى في طريقها إلى نفس المآل، المعلومات التحقيقية تقتضي السرية، والسرية في بلادنا -فقط- تعني دفن المعلومات في مقبرة المصالح وأحيانا الإهمال. أحداث الداخلية.. اللجنة الأحدث تعد أحدث لجنة التحقيق هي تلك اللجنة التي أُعلن عنها إبان أحداث وزارة الداخلية أواخر يوليو الماضي لمعرفة القادة العسكريين الذين وقفوا وراء تصعيد الأحداث، وكان المقرر أن ترفع اللجنة تقريرها خلال 24 ساعة إلى الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي. ضمت لجنة التحقيق المزمعة كلاً من: نائب وزير الداخلية اللواء على ناصر لخشع رئيسا للجنة، وعضوية كل من نائب رئيس هيئة الأركان -عضو لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار اللواء على سعيد عبيد، وقائد الأمن المركزي عضو اللجنة الشئون العسكرية اللواء فضل القوسي، ومدير أمن أمانة العاصمة العميد رزق الجوفي. اقتحام وزارة الداخلية لم يحمل بصمات القاعدة، واختصر طريق البحث عن البصمات، إذ كانت كل المؤشرات تقول أن متمردين من قوات النجدة يتبعون أحد الضباط المُتشيعين لصالح هم من اقتحموا الوزارة وسعوا إلى السيطرة عليها لإسقاط رمزية الدولة. ولم تكن تداولات وسائل الإعلام عن تشكيل لجنة بقرار رئاسي لمعرفة القادة العسكريين الذين يقفون وراء تصعيد الأحداث من قبيل الصدفة، والشاهد في هذا التداول هو الخط الوهمي الذي يجب أن يكون تحت «معرفة القادة العسكريين»! عبيد يتهم الحرس ولجنة التحقيق تلزم الصمت وزارة الدفاع تعرضت لحصار من قبل جنود وضباط تابعين للواء الثاني مشاة حرس جمهوري -حسب المعلومات التي أوردها الناطق باسم اللجنة العسكرية- والمنشقون توجهوا نحو العاصمة صنعاء من موقع تمركزهم، وقيادة الحرس الجمهوري عندما علمت بالأمر قامت بملاقاتهم قبل أن يدخلوا العاصمة وأخذتهم إلى قيادة الحرس، لتقوم هذه المجموعة -بحسب عبيد- بالتحرك بأسلحتها الشخصية وبعض الأسلحة الأخرى كال«آر بي جي» وغيرها، وقدموا إلى مبنى وزارة الدفاع.. إلى آخر هذا الحديث المفعم بالإدانات الصريحة للطرف المتهم، ولكن إلى الآن لم تخرج النتائج بشكل رسمي. بل إن ما كشفه الناطق باسم اللجنة العسكرية اللواء: علي سعيد عبيد مازال حتى الآن سارياً في مجرى التحقيق: الكثير من التطورات بشأن أحداث اقتحام مبنى وزارة الداخلية والدفاع، أنه جرى اعتقال عدد كبير من المتورطين في تلك العمليات، والتحقيقات هي التي ستثبت من يقف وراءها -حسب ما أدلى به العميد لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية. ومن الطبيعي أن يتم تشكيل لجان تحقيق على إثر اغتيال أحد ضباط الجيش اليمني كما حصل مع حادثة اغتيال اللواء سالم قطن قائد المنطقة الجنوبية السابق والعميد عمر سالم بارشيد مدير كلية القيادة والأركان، لكن في المقابل: هل سيظل عمل لجان التحقيق في طي المجهول!؟