عملية هيكلة الجيش لا تشكل تحديا فقط أمام التحول الديمقراطي وإنما تهديدا قد يفسد طموحات الطامعين من قيادة الجيش في الاستمرار على جثثنا. مما لاشك فيه أن عملية التحول الديمقراطي تمر بتحديات جسام من شأنها تعطيل هذا التحول أو تحقيقه بما لا ينسجم مع مطالب الجماهير اليمنية التي قدمت من أجل مطالبها تضحيات كثيرة، ولعل أهم تحد مرحلي قد يحول كل مراحل المرحلة الانتقالية إلى الدوران حوله أو انتهاء المرحلة الانتقالية المحددة بعامين قبل العمل على معالجته، هذا التحدي والمأزق الخطير هو إعادة هيكلة الجيش وتحقيق تكامله تحت قيادة وطنية مهنية موحدة. ولما أصبح أي تغيير حقيقي مرهوناً بمعالجة أسباب هذا الانقسام فقد أصبح أولوية لا يكمن تجاوزها إلى غيرها من مهام المرحلة الانتقالية. تعجيل الهيكلة لا يعني قبولنا بحلول تلفيقية غير متقنة لا تؤدي الغرض المرجو الذي تعتبره قوى الثورة هدفا لها من أجل بناء دولة المؤسسات. وأيا كانت الاعتبارات التي يتم البناء عليها من قبل المعنيين والقوى الخارجية فيجب أن يتم استقراؤها من واقع تضحيات الثوار وطموحات البناء والتغيير وليس من واقع توازن القوى الخرافي والعدمي أو من واقع مصالح مقدمة على المصلحة الوطنية، فحتى مكافحة الإرهاب أولوية يمنية قبل أن تكون أمريكية. هيكلة الجيش بما يفضي إلى إزالة عقبات التحول الديمقراطي لا بد دونها من أخذ العديد من القواعد المحددة والواضحة في الاعتبار كمآلات لا بد أن تنتهي لها هذه الهيكلة. أولا: علينا أن نتعامل مع المؤسسة العسكرية بوصفها جزء من السلطة التنفيذية في النظام السياسي لا تضطلع بأي دور سياسي وعليه فإنه لابد من تجريدها من الدور الذي تمارسه وهو لا يدخل في نطاق اختصاصها. ولما كانت المؤسسة العسكرية في غير حالتها الطبيعية فإن وجود رئيس منتخب وهيئة عسكرية وحكومة وفاق كأطر تنفيذية يقتضي -لتعزيز فعاليتها ومنحها قيمتها- نقل سلطة الجيش إلى هذه الأطر التنفيذية. ثانيا: تقنين العلاقة المدنية العسكرية بإخضاع المؤسسة العسكرية لسلطة مدنية ضمن إطار دستوري قانوني محدد بما يحقق التزام المؤسسة العسكرية الحياد تجاه العملية السياسية وانصرافها لمواجهة اختصاصاتها المتمثلة في الدفاع عن استقرار وأمنه بمواجهة المتطرفين والمتمردين وتكون بمثابة أداة من أدوات تحقيق سيادة القانون. وإذا كانت شروط تقنين العلاقة المدنية العسكرية تقتضي إيجاد اتفاق أو وفاق على قواعد محددة للعمل السياسي وقد وجد هذا الاتفاق المتمثل في الوفاق الوطني في الحكومة والرئاسة، ولإنجاز هذه المهمة لابد أن يعبر الوفاق الوطني عن عملية تحول ديمقراطي حقيقي تصبح فيه الدستورية القانونية هي مصدر الشرعية السياسية، الأمر الذي يتطلب أن تتوافر المصداقية لدى القوى السياسية وستتوفر هذه المصداقية عندما يدرك المؤتمر الشعبي أنه آن الأوان لكي يصبح حزباً حقيقياً وباستمرار تبعيته للعائلة واختزال العائلة له فإن ذلك لن يفضي إلا إلى عرقلة أي تحول ديمقراطي ومن ثم بقاء الانقسام العسكري وبقاء الصراع ومما لاشك فيه ومن خلال التجارب التاريخية للجيوش ومن خلال استقراء الواقع الداخلي والخارجي فإن النصر سيكون حليف الطرف الذي تبنى مطالب الثورة. وفي الأخير فإن وجود الوفاق والمجلس العسكري أو اللجنة العسكرية ينفي مبرر بقاء جهال صالح وجهال أخوه وتدخلهم في العملية السياسية. ثالثا: بالنسبة للقوى والأطراف النزيهة في الوفاق عليها الاستفادة من العوامل الخارجية في تعزيز التحول الديمقراطي الحقيقي بما يتضمنه هذا التحول من تحقيق هيكلة الجيش بالشكل الذي يحقق خضوعه للهيئة أو اللجنة العسكرية التابعة للرئيس المنتخب بطريقة مدنية ديمقراطية. رابعا: الكل يعلم أن السياسة الأمريكية وسياسة القوى الغربية بشكل عام أخفقت في تعاطيها مع حريات الشعوب في الفترة السابقة للربيع العربي وها هي تتجه لتكرير تجربة الفشل من خلال ما تسعى إليه أو تطمح إليه من إعطاء أولاد الرئيس وضعاً خاصاً في الفترة الانتقالية. الوضع الخاص يعني خضوع كل عسكري للرئيس إلا أولاد الرئيس المخلوع فهو لن يكون قادرا على إنفاذ قراراته عليهم أو تغييرهم أو نقلهم. وسيكون الخلل الذي يحول دون أي تحول حقيقي ديمقراطي. وهنا على القوى الخارجية أن تأخذ في عين الاعتبار أن دورها متجه في الاتجاه السلبي تجاه عملية التحول برمتها وليس تجاه هيكلة الجيش التي تعتبر واحدة من مهمات التغيير. وإذا كانت القوى الغربية في فترة سابقة قد ضحت بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان لحساب خاطئ للمصالح مما جعل سياساتها تتصف بعدم المصداقية، فإدراك هذه القوى بما تعانيه سياستها من معضلة عدم المصداقية يقتضي إعادة النظر في رؤاها من تفاصيل الهيكلة: فالهيكلة قد تقتضي فترة طويلة لكن ذلك ليس مبررا لعدم إزاحة عائلة صالح من على رأس المؤسسة العسكرية، وعليه فلابد من التفرقة بين إعادة الهيكلة والتسريع بتغيير أولاد الرئيس، وهذا هو الحد المعتدل الذي يمكن أن تقبل به القوى الثورية على مضض فالقوى الثورية في أغلبها لا يمكن أن تتناسى تخضيب الشوارع بدمائنا.