كانوا لحظتها في صدارة المشهد، يكسرون جدار الخوف ويرفعون الأحلام على أسنة التضحية، دفعوا ثمناً باهظا، فرضوا التغيير واقعاً في وقت كان هناك من يدعو للتأبيد ويسعى التوريث. هؤلاء الذين أيقظوا الأمل وخطوا خطوتهم الأولى، أصبحوا على هامش ثورة هم من أشعلها، ليصل الأمر إلى إقصائهم من الحضور في لجنة الحوار الوطني التي يقال إنها سترسم معالم المستقبل لليمن واليمنيين، ويبدو ذلك الوصف عجيبا إذ أن المستقبل نفسه (الشباب) غائب عن هذه اللجنة من اللحظة الأولى مقابل حضور مكثف لأصحاب المخالب. لقد زايد الجميع باسم شباب الثورة وتواطأوا على عملية إقصائهم من المشاركة في رسم ملامح المستقبل الذي ينشدونه. لم يكن يطمح الشباب أن يكونوا وزراء ومسئولين، ولم ينتظروا مكافئات أو سفريات. كان أملهم أن لا يُدشن العهد الجديد بنفس عقلية وآليات النظام السابق، فالكولسة والإقصاء واختيار ممثلي الفئات بناء على الأهواء والمجاملات السياسية ثقافة ثار المجتمع عليها كما يرون. يتذكر الشباب بألم تصريحات الساسة التي كانت تؤكد على ضرورة أن يكون هذا الكيان المهمش جزء من العملية السياسية، ولا يغفلون حوار الرئيس الانتقالي مع جريدة عكاظ السعودية في مارس الماضي الذي أكد فيه أن الشباب هم من قادوا إرادة التغيير في اليمن، ولهم كامل الحق في رسم تطلعاتهم وآمالهم «كيف ولا وهم قدموا التضحيات الجسيمة والعظيمة وبذلوا لها الأرواح من أجل التغيير نحو الأفضل» كما جاء في نص حوار هادي. وقال هادي حينها إن الحوار الوطني المرتقب سيكون في مقدمته الشباب الثائر بهدف إجراء معالجات وبرمجة الخطى معهم وبهم، وسنعمل بكل ما هو ممكن لخلق الفرص وفتح الأبواب أمامهم. وهنا بدأ الرئيس هادي كمن يضع أمام نفسه التزام أدبي وأخلاقي تجاه هذه الشريحة التي جاءت به إلى سدة الحكم. واعتبر هادي في حواره مع عكاظ إن صمود الشباب باعتصاماتهم ومسيراتهم هو ما أتى بالمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014 وهم في الواقع من يرسم المستقبل المشرق. مرت الأيام وناقض الرئيس كلامه في أول قرار بتشكيل اللجنة الفنية للحوار الوطني في يوليو الفائت والتي ضمت 25 شخص من مختلف الأطياف باستثناء شباب الثورة، ورد في نص القرار الجمهوري حينها أن هذه اللجنة تم�' اختيار أعضائها استناداً لقدراتهم الحقيقة على تمثيل قطاع عريض من آراء مجموعاتهم المشارك. وعلق الناشط في الثورة هشام هادي على استبعاد الشباب قائلاً: مع أن الشباب الثائر الحر ليس جزاء من عملية التسوية، إلا أن المسار السياسي إذا لم يبن على أسس الشراكة الواسعة لا يمكن أن ينتج تحولات سياسية تقفز خارج مربعات الاحتكار السياسي الموسومة سلفاً داخل التحيزات الاجتماعية ذات البعد الجغرافي المقيت. يدرك الشباب أهمية الحوار الوطني كضرورة وطنية للخروج بحلول وتفاهمات إزاء المشكلات التي تعاني منها البلاد، نتيجة السياسات الخاطئة التي اختطفت حياة وآمال اليمنيين على مدى العقود الماضية، إلا أنهم يرون أن الرئيس الانتقالي والقوى السياسية لا يتمتعون بالجدية الكافية ليتعاملوا مع الشباب الذين كانوا طليعة الثورة ووقودها بل أنهم يتعاملون معهم باستخفاف غير مبرر. متجاهلين حقيقة أن هذه الشريحة هي من أثبت أن السلطة مهما كانت قوتها تتحول إلى ورق عندما تفقد ثقة الجماهير بل تتحول إلى ورق شفاف يتطاير في جنح الظلام أمام رياح الجماهير الغاضبة. ويذهب عضو مجلس شباب الثورة أسامة الشرمي إلى أن القوى السياسية لم تدرك أن بعد الثورة هو وجود شباب يرفضون أن يظل�'وا على هامش المعادلة السياسية، معتبرا ما جرى من استبعاد الشباب من اللجنة الفنية خطأ فادحا وثقافة مدمرة قد تحول هذه الشريحة إلي خناجر في خاصرة الوطن في المستقبل. ولم يستسلم أسامة للإحباط الذي أصاب شريحة من شباب الثورة ولا يزال ضمن شبكة كبيرة من الشباب يعبأون الناس لتحقيق أهداف الثورة من خلال وسائل الإعلام الحديثة، «فيس بوك» «وتويتر». ويرى أن شباب الثورة الآن بحاجة إلى إعادة تنظيم صفوفهم سعياً وراء مزيد من العمل المؤسسي الذي يضمن لهم مستقبلا. ويرى متابعون أن متطلبات المرحلة الانتقالية وبروز الحاجة للجلوس إلى طاولات حوارٍ بين قوى سياسية مختلفة، سببً في الإحساس بأن دور الشباب غائب مقابل حضور الأحزاب. شراكة مع شباب الثورة يقترح المنسق الإعلامي للثورة الطلابية 15 يناير محمد سعيد الشرعبي على القوى السياسية وعلى وجه الخصوص أحزاب اللقاء المشترك إعادة النظر في علاقتها مع شباب الثورة بهدف توحيد جبهة النضال السلمي التي أطاحت بنظام صالح، ويضيف: من مصلحة جميع القوى السياسية الفاعلة في البلد، وتحديدا اللقاء المشترك عمل شراكة وطنية حقيقة وفاعلة مع شباب الثورة على أسس واضحة وتفاهمات مشتركة بهدف ترسيخ التحالف الاستراتيجي بين شباب الثورة وأحزاب المشترك كون المرحلة وتحدياتها تقتضي من الطرفين إنجاز هذه الشراكة بهدف خوض المرحلة بإرادة وطنية واحدة..». ويذهب إلى التأكيد على إمكانية ترسيخ صيغة شراكة عميقة بين قوى الثورة لا تهتز بفعل رياح الاستقطاب بقدر توحدها على أهداف سياسية تستوعب مطالب الشباب وتتفهم ممكنات الواقع السياسي الذي يخوضه المشترك مع بقية الأحزاب والقوى الوطنية والذي سيتجلى في مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في الأشهر القادمة، كون محاولات البعض دعوة الشباب للدخول في الحوار الوطني في ظل الالتفاف على مطالبهم الحقيقة مجرد عبث وتحايل لا أكثر. مقترحا على رعاة المبادرة تفهم مطالب الشباب دون القفز عليهم كواقع «باستطاعته إفشال أي حوار شكلي» -حد تعبيره. كما لفت الشرعبي إلى حاجة قوى الثورة السلمية لفرض مطالبها على بقية أطراف الحوار كونها «مطالب وطنية طموحة ومتقدمة في فهم مشاكل البلد والحلول لها ولأن الشباب والمشترك الطرف الأول والأبرز في إسقاط النظام وإخراج البلد من نفق المخلوع وعائلته المستبدة». منبها إلى ضرورة استيعاب بقية الأطراف لهذا الأمر بعيدا عن محاولات الالتفاف ونكران ذلك الدور التأريخي المشهود حتى اللحظة. وذهب إلى التذكير على حقيقة مفادها «شباب الثورة الرقم الأصعب في معادلة يمن ما بعد المخلوع صالح من أول إشراقة نور لفجر الثورة حتى اللحظة، وبتسام وطني لا زال شباب الثورة في صدارة الفعل الثوري السلمي، رغم محاولات مبادرة الخليج ورعاتها القفز على هذا الواقع دون حساب لتبعات أي تجاوز لإرادة جيل يمني يحسب له إسقاط صالح وعصابته، وفرض عملية التغيير السياسي على الداخل والخارج -حسب قوله. ما زالت الساحات موجودة!! الصحفي رياض الأحمدي أن مع بداية المرحلة الانتقالية استراحت القوى السياسية وشعر الجميع أنه مرهق وقد أدى دوراً فوق طاقته، وهناك لم ينتبه أحد إلى الشباب أو إلى كوادر الثورة بشكل عام، ولقد وجد الجميع نفسه مهملاً وجهده الفردي هباءً.. بينما كان المفترض أن تتحول الثورة إلى مؤسسات تستقطب القدرات ويرى الناس عملاً هادفاً يجعل منها ثورة حقيقة، لكن الواقع أن الثورة لم ينتج عنها متغير جديد غير طلوع هادي ونزول صالح. هكذا يقول رياض الأحمدي، ويستطرد: علينا أن نسأل الإصلاح كقوة متصدرة ونسأل جميع قوى الثورة: ماذا فعلوا للثورة وشبابها ورجالها بشكل عام بعد دخولهم بحكومة الوفاق الوطني؟ وليس الشباب هم أصحاب الحاجة بقدر ما أن الثورة بحاجة إلى الاستفادة من كل رجالها وشبابها وكذلك القوى السياسية؟! وأشار الأحمدي أنه يقول هذا الكلام ليس مزايدة كما يفعل بعض الشباب الذين يستمعون إلى خطاب بقايا النظام والحوثيين ومن سايرهم بأنه تمت سرقة الثورة. ولكن من واقع ذهب فيه الشباب إلى أدراج الرياح. وخاطب القوى السياسية المحسوبة على الثورة بأن هناك أموراً يجب الانتباه إليها وإلا فهم أنفسهم من قلبوا معايير الواقع السياسي وليست أوهام التقليل من دورهم وجراحاتهم بمختلفة عن الأوهام التي جعلت عائلة صالح بمأمن واهم. وأضاف أن شباب الثورة يشعر بالتأكيد بالغبن لأن الثورة التي قاموا بها يقطف ثمرها الآن أحزاب أخرى ولكن الثورة قامت من أجل أهداف محددة هي حرية وعدالة اجتماعية وبناء دولة مدنية قوية وإذا لم تتحقق هذه الأهداف فإن ساحة التغيير موجودة.