مرحلة جديدة يمكن أن يطلق عليها مرحلة «كسر العظم» وصلت إليها المعركة الدائرة بين الرئيس عبدربه منصور هادي ووزير الدفاع من جهة، وقائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة أحمد علي عبدالله صالح من جهة أخرى. ويعد أحمد علي العمود الفقري لعائلة صالح، ويرأس قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والتي لعبت دورا كبيرا في قمع الثورة الشعبية السلمية وكبح جماح خصوم نظام والده الذي كان يتهيأ لوراثته. ويمثل أحمد علي العقبة الكؤود أمام العملية الانتقالية والقلعة الأعتى للعائلة التي تهدد نجاح عملية التغيير ونجاح هادي في بسط سيطرته العسكرية والمدنية كرئيس للجمهورية وقائد أعلى للقوات المسلحة. وقال عضو اللجنة العامة في حزب المؤتمر الشعبي العام ياسر العواضي لقناة «اليمن اليوم» إن سلطات هادي لن تتعزز في ظل بقاء أحمد علي. وسبق أن تلقى أحمد علي ضربة موجعة من رئيس الجمهورية -القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن- الذي أصدر في 6 أغسطس الماضي قرارات تقضي بسحب (7) من ألوية الحرس الجمهوري من تحت سيطرة أحمد وضم (3) منها إلى قوات الحماية الرئاسية ومن بينها اللواء الثالث مدرع حرس الذي وصفه صالح بأنه «رقبته»، كما تم ضم (4) من ألوية الحرس على المناطق العسكرية ومنحها استقلالية مالية وإدارية. وقوبلت تلك القرارات بتمرد عسكري وصل حد محاولة اقتحام مبنى وزارة الدفاع بصنعاء. القشة التي قصمت ظهر صالح قد تكون محاولتا اقتحام الوزارة واغتيال وزير الدفاع القشة التي قصمت تبعاتها ظهر صالح. وتتوالى القرارات الصادرة منذ محاولة اقتحام وزارة الدفاع والقاضية بتقليص نفوذ صالح، وارتفعت التوقعات بإقالة ابنه أحمد من قيادة الحرس. وفي هذا السياق أقيل مدير مكتب رئاسة الجمهورية ورئيس جهاز الأمن القومي علي محمد الآنسي الذي يعتبر «الصندوق الأسود» لصالح وإبعاد مدير مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة علي صالح الأحمر من موقعه القيادي في الحرس الجمهوري وتعيينات أخرى بوزارة الدفاع. وفي تقريره المقدم إلى جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن (الثلاثاء الماضي) أكد المبعوث الأممي لليمن (جمال بن عمر) أن من هاجموا وزارة الدفاع هم جنود من الحرس الجمهوري، واعتبر أن الهجوم جاء كردة فعل على قرارات الرئيس هادي، مناقضا -بذلك- مع ما سبق وأعلنته قيادة الحرس بعدم علاقتها بالجنود وقولها إن «أفراد ومنتسبى اللواء الثانى مشاة جبلى كان قد صدر قرار بفصلهم عن قيادة الحرس الجمهورى ماليا وإداريا وضمهم للمنطقة الجنوبية»، وأنهم أعلنوا مطالب من وزارة الدفاع «ولم يعد من صلاحيات قيادة الحرس الجمهوري النظر في هذه المطالب». وفي التقرير ورد اسم أحمد علي ووالده على رأس الأطراف المعرقلة للعملية الانتقالية. وأكد بن عمر فرض عقوبات دولية على الأطراف المعرقلة وفق المادة (41) من الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة. نهب الأسلحة إلى معسكرات ومخازن خاصة قصد وزير الدفاع الخميس الماضي اللواء الأول حرس خاص الذي تم ضمه بقرار جمهوري إلى قوات الحماية الرئاسية ويتمركز بدار الرئاسة بمنطقة السبعين. ومن داخل اللواء اتهم الوزير أحمد علي بنهب (90%) من أسلحة اللواء، ووعد بأنه سيوجه قائد الحرس بإعادة الأسلحة والقوة البشرية التي تم نهبها من اللواء وقال إنه لم يعد يوجد من أسلحة وعتاد اللواء غير (10%). وجاء هذا الاتهام بعد يوم من كشف مصادر عسكرية ل»الأهالي نت» عن عمليات نهب واسعة لمخازن الأسلحة باللواء الأول ونقلها إلى منطقة سنحان ومعسكر الصباحة. وكان مصدر في اللواء الأول “حماية رئاسية” قال لصحيفة «الاتحاد» الإماراتية إن كتيبتين من ثلاث كتائب هي قوام اللواء “مكلفتان بحماية منزل الرئيس السابق” في منطقة حدة جنوب العاصمة صنعاء، مشيرا إلى أن الكتيبة الثالثة «مكلفة بحراسة القصر الرئاسي» الذي اتخذه صالح مقراً لإقامته عندما كان رئيسا للبلاد. وأفاد المصدر بأن قوام الكتيبتين 594 جنديا موزعون «على 6 سرايا و18 فصيلا عسكريا». مضيفا: «لا يزال وضع هاتين الكتيبتين معلقا» بعد أن ضم هادي اللواء الأول حرس خاص إلى قوة الحماية الرئاسية التي شكلها من أربعة ألوية قتالية. وذكر مصدر عسكري آخر أن الكتيبتين المكلفتين بحماية صالح تضمان «فصائل عسكرية متنوعة» من بينها وحدات من الدفاع الجوي، لافتا إلى وجود «أسلحة ومعدات ثقيلة من بينها صواريخ» بحوزة هاتين الكتيبتين. وأقرت لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار السبت الماضي تشكيل لجنة لاستعادة الأسلحة والمعدات والآليات والعهد المنهوبة خلال أزمة العام 2011م وألزمت قيادتي وزارتي الدفاع والداخلية متابعة واستعادة كل ما نهب من الأسلحة والمعدات والآليات، وقررت تشكيل لجنة بهذا الخصوص برئاسة عضو اللجنة العسكرية مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة اللواء الركن محمد علي القاسمي لمتابعة وإنجاز هذه المهمة. ويكثف وزير الدفاع زياراته الميدانية لأولوية الحماية الرئاسية بصنعاء مركزا على أولوية الحرس الجمهوري والخاص. اتهام الوزير لنجل صالح بنهب اللواء أخرج الصراع القائم بينهما للعلن بعد أن ظل خلال الأشهر الماضية أشبه بالحرب الباردة. وسبق أن رفض صالح ترشيح وزير الدفاع لهذا المنصب أثناء تشكيل حكومة الوفاق الوطني غير أن هادي فرض الأمر بقوة ووصل الحد إلى نشوب خلافات بينهما. وبات الوزير يمثل هدفا استراتيجيا للأطراف المناوئة للعملية الانتقالية التي أثارت حفيظتها تحركات الوزير السريعة وعزمه على استكمال إعادة هيكلة الجيش. وسبق أن تعرض الوزير لست محاولات اغتيال ثلاث منها في مدينة عدن ومحاولة في أبين ومحاولتين في صنعاء كانت آخرها محاولة اغتياله بسيارة مفخخة أمام مبنى مجلس الوزراء أثناء خروجه من اجتماع الحكومة. كما سبق وشنت وسائل إعلام المؤتمر ووسائل تابعة ومقربة من عائلة صالح هجوما تحريضيا مستمرا ضد الوزير؛ لدرجة أن صحيفة «الميثاق» وصفت الوزير في أحد أعدادها بأنه «يعاني من عقد نفسية.. ويحتاج إلى تنويم مغناطيسي». وسبق وهاجم قائد الحرس الوزير واتهمه بمجاملة قائد قوات الفرقة الأولى مدرع اللواء علي محسن الأحمر. ووصف قائد الحرس عملية إعادة الهيكلة بأنها «اسطوانة مشروخة ومزايدات سياسية: «المطالبة بالهيكلة هي استهداف أشخاص.. هذه هي الهيكلة في نظرهم إذا استهدفوا أشخاص خلاص هذا الذي يشتوا وبعدين هيكلوا القوات المسلحة وإلا ارموهم البحر». وحسب معلومات نشرها «الأهالي نت» فإن أحمد علي كان يعامل القيادات العسكرية ومنهم وزير الدفاع بامتهان شديد. محاكمة الجنود واتهام القادة تزامن اتهام الوزير لنجل صالح مع تسلم النيابة العسكرية (68) من جنود الحرس المتهمين في محاولة اقتحام وزارة الدفاع وبدء محاكمتهم عسكريا، وذلك في وقت كشف فيه ناطق اللجنة العسكرية اللواء علي سعيد عبيد أن تحقيقات الشرطة العسكرية أكدت أن «هناك عناصر محرضة في عملية الهجوم لم يتم القبض عليهم». وقال إن اللجنة وجهت تعليمات إلى الوحدات التي ينتسب إليها الفارون من أجل تسليمهم. مؤكدا لصحيفة «الجمهورية» أن اللجنة ستتخذ «كل الإجراءات اللازمة لضبط المطلوبين وتقديمهم إلى العدالة». إشارة عبيد إلى «عناصر محرضة» لم يتم القبض عليها تؤكد تورط قيادات في الحرس في «التحريض» على الهجوم.. ما يعني إنه سيتم استدعاء تلك القيادات إلى القضاء العسكري. كما تزامن ذلك مع كشف صحيفة «26 سبتمبر» الناطقة بإسم الجيش النقاب عن صدور قرارات جمهورية بتعيينات وتغييرات «هامة» لقادة عسكريين وأمنيين ومحافظين وسفراء خلال الأيام القليلة المقبلة. لكن مكتب الرئيس هادي سارع إلى نفي الخبر. ويمكن القول بأن نشر الخبر في صحيفة الجيش يؤكد أن الوزير اتخذ قرارات «هامة» بإجراء تعيينات وتغييرات إلا أن هادي لم يوقع عليها بعد. في ذات الوقت أصدر وزير الدفاع قرارات داخلية في الوزارة قضت بإجراء تعيينات وتنقلات شملت تعيين العميد الركن عبدالرقيب ثابت الصبيحي قائدًا للواء 23 ميكا الذي تقول المعلومات إنه يتمركز في حضرموت. والعميد الصبيحي هو قائد عمليات قوات الحرس الجمهوري وعضو لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار. ويعد أحد القيادات العسكرية المحسوبة على أحمد علي.. وكان أحمد أثنى في لقاء له بقيادة الحرس (الخميس 19 أبريل 2012) على الصبيحي وقال إنه قادر «يرد على جميع أعضاء اللجنة العسكرية». فيما تحدثت مصادر عن رفض أحمد علي لقرار تعيين الصبيحي. وزير الإعلام علي العمراني هو الآخر دعا نجل صالح وأقاربه إلى تقديم استقالاتهم من مناصبهم أو انتظار إقالتهم. وقال إن هادي «مضطر لإقالتهم استجابة لمطالب الشعب». وجددت وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور المطالبة بإقالة «القتلة والمحرضين على قتل شباب الثورة من رأس المؤسسة العسكرية والأمنية». ارتقاب اللحظة الحاسمة يواجه هادي مطالبات شعبية متصاعدة لإقالة أحمد علي وفرض تبعية الحرس الجمهوري لوزارة الدفاع. وقد تمثل نتائج التحقيقات بشأن محاولة اقتحام الوزارة واتهام أحمد بنهب الأسلحة من اللواء الأول ضغوطا إضافية على هادي لإبعاد أحمد، وهذا إذا لم يصحب إقالته قرار بإحالته للمحاكمة بتهمة التمرد. وهي الضغوط المدعمة بضغط شعبي وسياسي وحرص دولي على إنجاح عملية التسوية وتأييد قرارات هادي الذي وفرت له المبادرة الخليجية صلاحيات كبيرة ووضعت مصير البلاد في يده. تقويض الحصانة ولا يستبعد أن يواجه أحمد علي تحديات صعبة تحيط بصالح وعائلته ورموز نظامه فرضتها الأحداث والمواقف المحلية والدولية التي قد تقود إلى تقويض الحصانة وتلقي بهم أمام العدالة. وفيما أصدر هادي قرارا بتشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة خلال 2011م واقتراب موعد إقرار قانون العدالة الانتقالية تتصاعد المطالب الشعبية والحقوقية بإسقاط الحصانة وتقديم المتورطين في جرائم وانتهاكات إلى المحاكمة. مقابل ذلك أفصح المبعوث الأممي جمال بن عمر أن الحصانة الممنوحة لصالح ورموز نظامه مخالفة للقوانين الدولية، وأكد أن الأممالمتحدة لم تكن طرفا في الحصانة. وفي تحول لافت، قال السفير الأمريكي بصنعاء جيرالد فايرستاين إن صالح «لا يتمتع بأية حصانة على أي فعل يقترفه اليوم، وتحديدا منذ يوم 21 فبراير 2012م». مؤكدا بذلك تصريحات مماثلة للمبعوث الأممي جمال بن عمر الذي أكد أن الأممالمتحدة لا تعطي حصانات مطلقة. وجاء في المؤتمر العربي لاسترداد الأموال المنهوبة في دول الربيع العربي الذي عقد مؤخرا في دولة قطر بدعم من دولة الثانية والأممالمتحدة والبنك الدولي أن الحصانة الممنوحة لعلي صالح شان يمني خاص مثل أي اتفاق قبلي.