من القضايا التي سيتطرق الحوار الوطني لمعالجتها والتي تعد أهم القضايا وأكثرها حساسية هي القضية الجنوبية وسيتم مقاربة هذه القضية من خلال البحث في جذورها وبالتالي تحديد محتواها والأسلوب المناسب لمعالجتها وبعد معالجتها لابد من البحث عن ضمانات لعدم تكرار حدوثها. ففي مسألة جذورها هناك من يرى إن ذلك يقودنا إلى الحديث عن بناء الدولة حيث كان الصراع الذي أنتج القضية الجنوبية في أساسه صراع بين مشروع الدولة واللادولة وبانتصار مشروع اللادولة في حرب 94 خلف ذلك آثار يتخذ علاجها طابع حقوقي. ومن خلال مصفوفة مواضيع وأجندات الحوار التي أقرت مؤخرا من قبل اللجنة الفنية للتحضير والإعداد للحوار الوطني يتضح أن مشروع بناء الدولة قد تم تناوله وتحديده كقضية وطنية ومسألة حوارية منفصلة عن القضية الجنوبية وهو ما يعني مناقشتها بمعزل عن جذورها السياسية. وكان السبب السياسي وهو الأساس في ذلك هو المشروع السياسي الجهوي الذي توقف عن التفكير بدولة واحدة للشمال والجنوب وأصبح يسعى لدولة في إطار جزء من جسد الوطن.. المسالة ليست فنية أو إدارية في تحديد هذا الفصل وإنما أساسها سياسي وحتى أن تم معالجة القضية الجنوبية والنظر إلى جذورها على انه صراع على بناء الدولة وليس على السلطة فذلك لا يعني تجاوز الاعتبارات الديمقراطية وخلق حالة من الفرز الجهوي يتم على أساسه مقاسمة السلطة بين شمال وجنوب فذلك بصورة أو بأخرى شكل من أشكال الطائفية السياسية ولاشك انه غير جديرة بتحقيق النفع لجزء دون الأخر من الوطن. ويجب أن يتم الاستعاضة عن المناصفة السياسية بتعديل شكل الدولة من دولة بسيطة وموحدة إلى دولة مركبة وهو الأمر الذي سيساهم في توسيع نطاق المشاركة في السلطة والثروة والإدارة بشكل أوسع واكبر من فكرة التقاسم ..شمالي متعدد مقابل جنوبي متعدد أيضا ففي أطار التمثيل الجنوبي سيتم إقصاء الكثير وفي إطار الشمالي سيتم التقاسم بين أطراف معينة وستكون كثير من المناطق والشرائح والفئات والقضايا خارج دائرة الحوار بقصد أو بغير قصد وذلك قد يفضي في ظل وجود ثغرات هذه إلى المطالبة بمعالجتها في إطار بعيد عن القضية الوطنية...لاسيما وأن مقاربتها اقتصاديا بطيء الأثر وقليل الفعالية وفي ظل الحاجات التي لا تقبل التأخير بطبيعتها.