قد تكون مفاجأة للبعض ممن يمتهنون النضال الثوري والسياسي وهم في حالة معيشية جيدة أو حتى متوسطة، عندما يشاهدوا الكثير من شباب الثورة، وهم في مهمة البحث عن خلق مبررات تجعل أسرهم الكادحة تتفهم عدم استطاعتهم الحصول على عمل وتقديم المساعدة المادية التي تساعدها على العيش وتوفير الخبز، في وقت يتحدث فيه الكثير عن اكتمال المهمة الثورية لهؤلاء الشباب! هؤلاء الشباب الانقياء الذين أقاموا أعيادهم في ساحات الحرية والتغيير، أغلبهم ينتمون للأرياف، ولديهم قدرات إبداعية شديدة الذكاء، مثقفون رائعون، تجلس معهم ويسرد لك أحدهم إنجازات الثورة الإستراتيجية التي لم تتخيلها العامة سبب أنها تهتم بواقعها المعيشي أكثر من كونها تُدرك مدى النقاط الفارقة في التأريخ اليمني التي أنجزتها الثورة، وينتقل للحديث عن تجربته الثورية بطابع أدبي.. تكتشف أن هذا النموذج فعلاً خسر حياته الذاتية ، لكنه ربح المستقبل ونال جزء كبير من الحياة الكبيرة لأنه يناضل ويتذوق الحرية بنكهة خاصة، كما لو أنك أمام كافكا الذي خسر حياته نتيجة العقد النفسية التي سببتها علاقته بوالده المستبد، لكنه ربح الأدب وأجيال عُشاق الثقافة. هؤلاء الشباب تركوا منازلهم في القرى الريفية، والتحفوا أرصفة النضال، وصعدوا مع جموع الشعب الثائر إلى ملامسة حلم الكرامة، وتنفسوا وهم في شدة الألم، أملاً فى أيام قادمة تحترم إنسانيتهم ويشعرون فيها بالانتماء لوطن.! نجحت الثورة السلمية في إزاحة رأس نظام العائلة المستبدة، فكان هؤلاء الشباب مثل الملايين غيرهم ينتظرون صباح جديد، يلامسون إشراقه في استكمال مسيراتهم المختلفة، من تعليمة ووظيفية وغيرها، غير أن جذوة الأحلام بدأت تخبو، نتيجة لأسباب مختلفة ومتعددة، لدرجة أن دوافع الإحباط باللاجدوى بدأت تتشكل مرة أخرى! لا يشعر هؤلاء الشباب بالندم لأنهم كانوا جزء من ثورة شعبية، لكنهم فقط يأسفون لطريقة تعامل بعض القوى المجتمعية التي حضرت برواسب ماضيها المناطقي والسلالي والمشائخي، ومحاولة البعض كذلك تبديد انتصارات الثورة التي قد حققتها وتحويلها الى هزائم، ومع ذلك تجد هؤلاء الشباب يمتلئون يقيناً بأن الدماء التي سالت وتلطخت بها أجساد زملائهم، لن تذهب أدراج الرياح، وقدرهم الذي هو الوطن قادم لا محالة.. ما يثير الحزن والغضب لدى بعض هؤلاء الشباب هو السؤال الذي يكرره الكثير: لماذا العبور فقط الى منتصف الطريق، ونبقى بعيدين عن نقطة الانطلاقة والهدف، لا نحن الذين وصلنا نهاية الطريق ولا نحن الذين نعود لنقطة البداية؟! صدقوني هؤلاء هم الثروة الحقيقية للبلد، لا يجب أن نجعل منهم نموذج لمن ضربتهم أعاصير الأسى على الفرص المهدرة، ونفسح المجال للقوى التي تحاول إعاقة تحقيق مشروع حلمهم في بناء الدولة تأتي وتحاول قطع الطريق أمامهم، في لحظة كانوا فيها على بعد خطوات قليلة فقط من اقتناص تحقيق هذا الحٌلم.