فعاليات بالبيضاء إحتفاءً بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر المجيدة    إنشاء مركز ثقافي يمني في نيويورك بالولايات المتحدة    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    مسيرة حاشدة بجامعة صعدة إحياء لثورة 21 سبتمبر وتأكيداً على نصرة غزة    اجتماع للجنة الفنية المشتركة للبرنامج الوطني للطاقة المتجددة بصنعاء    مساء اليوم.. منتخب الناشئين يواجه الإمارات في منافسات كأس الخليج    الحديدة.. وفاة وإصابة 20 شخصا بصواعق رعدية في عدة مديريات    وزير النقل يرأس وفد بلادنا المشارك بأعمال الجمعية العمومية لمنظمة الطيران بكندا    الميناء العدني يشارك في البطولة العربية لكرة السلة بدبي بجهود ذاتية    محافظة مأرب تحتفي بأعياد الثورة بمسيرة شبابية وكشفية بالموسيقى العسكرية    مدير شرطة تعز:الحملة الأمنية مستمرة حتى ضبط كافة المطلوبين    مسيرة لمنتسبي الجامعات بالحديدة دعمًا لغزة    انتقالي زنجبار ينظم ورشة عمل بعنوان "المعالجات والحلول لمكافحة المخدرات والحد من ظاهرة حمل السلاح.    محافظ شبوة يطلق برنامج تشجيع زراعة القمح في 8 مديريات    الدفاع المدني في غزة يفيد بمقتل العشرات في غارات إسرائيلية    الرئيس الزُبيدي يلتقي مديرة مبادرات الشرق الأوسط بالمنتدى الاقتصادي العالمي    جريمة قتل اخرى بتعز ضحيتها امرأة والجاني يلوذ بالفرار    محافظ حضرموت يتفقد سير العمل بمؤسسة الاتصالات في الساحل    حملة لإتلاف المياه المعبأة مجهولة المصدر في المنصورة    العاقل يبحث خطط تطوير المكاتب الإعلامية في العاصمة و3 محافظات    مطالبة بتوفير جهاز غسيل الكلى في مديرية دمت    دراسة تهامية: أبناء المناطق الساحلية هم الأولى بحمايتها عسكريا    الأغذية العالمي يعلّق أنشطته في مناطق سيطرة سلطة صنعاء    الأرصاد: أمطار رعدية على أجزاء من المحافظات الجبلية والساحلية    السبت إجازة في صنعاء والأحد في عدن    عمار المعلم .. صوت الوطن وروح الثقافة    رئيس إعلامية الإصلاح يعزي الكاتب الصحفي حسين الصوفي في وفاة والده    ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بين الحقيقة والمزايدة    هيئة شؤون القبائل تستنفر لاحباط مخططات اثارة الفتنة    منظمة أمريكية: لدى القوات المسلحة اليمنية ترسانة عسكرية تهدد أسرائيل    المعرفة القانونية للمواطن تعزز العدالة وتحمي الحقوق    بلباو وإسبانيول يكتفيان بالتعادل أمام جيرونا وفالنسيا    تشيلسي يتجنب المفاجآت.. وبرايتون يكتسح بسداسية    حضرموت.. تفريق وقفة احتجاجية للتربويين بالقوة واعتقال قيادات نقابية    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    مليشيا الحوثي تشن حملة اختطافات جديدة في إب    جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    350 كشافا يشاركون الخميس ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بصنعاء    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    اجتماع للجنة تسيير المشاريع الممولة خارجياً في وزارة الكهرباء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    الإمارات تدعو مجددًا مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته لردع إسرائيل    تعرف على هوية الفائز بجائزة الكرة الذهبية 2025    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية "سهيل" لعبدالله الطابور توثق لحقبة النضال الوطني في الإمارات
نشر في الجنوب ميديا يوم 17 - 12 - 2012

أعادت زيارة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، لأسرة الشهيد سالم بن سهيل في رأس الخيمة إلى الذاكرة جانبا من كفاح أبناء الإمارات دفاعا عن أرضهم، ويأتي ارتباط الزيارة باحتفالات اليوم الوطني لدولة الإمارات ليؤكد بقاء سالم رمزاً وطنياً مرتبطاً بشكل دائم بيوم الاتحاد الذي سبقت وفاتُه إعلانَه بيومين فقط، فقد كان سالم البطل الشهيد في معركة الدفاع عن جزيرة طنب الكبرى، فجر الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1971 التي انتهت باحتلال الإيرانيين لها في اليوم نفسه، بعد ساعات طويلة من الاشتباك بين جيشهم المسلح بكثافة وبين ستة من رجال الشرطة، هم مجموع أفراد مركز الشرطة في الجزيرة، وقد أخذتهم الحمية للأرض والوطن فلم يشاؤوا أن يستسلموا وعندهم بقية ذخيرة، وكان سالم هو قائد المجموعة والمتقدم على رأسها في المواجهة التي حدثت داخل وحول المركز، رفض الاستسلام وقاتل حتى مزق السلاح جسده، فمات راضياً بما أنجزه، ونفدت ذخيرة رفاقه من بعده فاستسلموا على مضض .
يرد ذكر سالم بن سهيل في كثير من المصادر والمراجع التاريخية عن حقبة النضال الوطني وحيثيات قيام الاتحاد، وتاريخ الجزر الإماراتية الثلاث، ويحتفى به رسمياً وشعبياً من حين إلى آخر وبأشكال متعددة، لكن أهم ما أنجز في سبيل بقاء ذكراه حية حاضرة في أذهان الأجيال هو الرواية التي أنجزها الكاتب الباحث الدكتور عبدالله الطابور وأسماها "سهيل"، معتمداً على خبراته كباحث في التاريخ والتراث لرسم صورة تقريبية لواقع الحياة في تلك الفترة، وتقديم معلومات دقيقة عن الحادثة وظروفها، ومستفيداً من قدراته الأسلوبية في رسم صورة إنسانية للبطل، وربما لم يرد الكاتب أن يقدم رواية بالمعنى الفني للكلمة، بقدر ما أراد أن يؤرخ لحياة بطل وطني بطريقة سردية تخلص للتاريخ لكنها تتخلص من جهامته وصرامته عن طريق لعبة السرد.
تبدأ الرواية برسم ظروف حياة أهل سالم في اليوم الذي ولد فيه، فتصور صباح ذلك اليوم وخروج والده البيدار سهيل إلى البستان الذي يعمل فيه، وبساطه الحياة وبؤسها في قرية الحدبة إحدى قرى جبال المعيني من رأس الخيمة، ويقدم الكاتب وصفاً متقناً لظروف الحياة في تلك الجبال والعلاقة الحميمة التي تربط الإنسان بالمكان في تلك البقعة من الأرض، ويتدرج الوصف من الكلي إلى الجزئي حتى ينتهي إلى (البيدار سهيل) وهو يعالج نخلات البستان في ضحى ذلك اليوم، ما يذكر بتقاليد الوصف في الروايات الرومانسية يقول الطابور: "تبدو القرى الجبلية في هذه الزاوية البعيدة عن المدن الساحلية كالصخور المتناثرة في عنق الجبال الشامخة الممتدة في المنطقة الشمالية الشرقية من أرض الإمارات البكر، وبين هذه القرى تتوسط قرية الحدبة الصغيرة النائية المسكونة بأرواح جماعة من المزارعين الأوفياء الملتصقين بالأرض منذ الأزل، تتوسط الحدبة قرى المنيعي الجبلية، بلاد الدهامنة وبني كعب وموطن الهمبا والغليون والدخن وثمار الجبال اللذيذة" .
حين يصل الكاتب إلى سهيل يصف طريقة لباسه وأدوات الحراثة لديه، وكيفية خروجه إلى البستان، وتقاليد حرفة البيدار، وظروف نُفاس المرأة في المجتمعات التقليدية والمعتقدات المرتبطة بالمواليد الجدد، وتظهر استفادة الكاتب من خلفيته كباحث في التراث جلية في تناوله لتلك المواضيع بالتفصيل، كما يتضح سرده للأسماء والمصطلحات المرتبطة بها، فكأنه إلى جانب مهمته الرئيسة في سرد حياة البطولة، يريد أن يوثق أيضا لنمط من الحياة اختفى أو كاد، يقول: "أمسك بطرفي الحابول ولفه بعناية وكان الكرب يبدو كالدرج، ركب بسرعة واضعاً قدميه على الكرب يحرك الحابول إلى الأعلى . . وكانت مخرافة الرطب في عضده والمنفض يتدلى تحت المخرافة، ولكل واحد منهما وظيفة معينة" .
لهذا البيدار الكادح، وفي منزله المتواضع المبني من سعف النخيل الموجود في طرف القرية وُلِد (سالم) وكان أصغر ثلاثة أبناء ذكور، وتعلم عند المطوع ثم التحق بالمدرسة، وأظهر نجابة في التعلم، لكنه لم يلبث أن ترك المدرسة، وهو في سنواته التعليمية الأولى وراح يتقلب بين أعمال كثيرة، ثم قادته قدماه إلى مدينة رأس الخيمة، وهناك زاول مهناً متعددة، وظل يذهب ويعود بينها وبين قريته، وكان في سنواته تلك يراوده حلم الانخراط في شرطة رأس الخيمة، وكلما مرت به دورية أو اقترب من مركز الشرطة يثور الحلم في نفسه، ولكنه في السوق كان يرى قائد الشرطة الإنجليزي (مستر بيفن) وهو يسير بخيلاء ويتصرف مع أبناء البلد بعجرفة واستعلاء فيخبو الحلم في نفس سالم، ويفكر في أن الانتماء للشرطة هو أن يضع المرء نفسه تحت تصرف ذلك الاستعماري المقيت، ويعزم على ألا يتقدم لها، ثم لا يلبث أن يقنع نفسه بأنه ابن هذه الأرض وهدفه هو تأمين أهله ووطنه، وأن ذلك الاستعماري "بيفن" زائل لا محالة، وأما هو وأمثاله من أبناء الوطن فهم من سيبقون وعليهم أن يكونوا على استعداد لتحمل المسؤولية: "وبعد أيام من التفكير العميق في بوح الأرض ومداها البعيد رأى من الواجب أن يذهب ثانية لأن هذا المكان ملك للوطن، أما ذلك النمرود الذي يدير الشرطة فسوف يزول عاجلا أم آجلا، لا بد أن تنطوي صفحتهم إلى الأبد ونحن أول الساهرين على حماية الوطن"، يمكن أن يؤخذ على الكاتب تقديمه للبطل في صورة شخصية واعية بخفايا وأبعاد اللحظة التاريخية التي تعيشها، وبأفكار ومفاهيم تفوق مستوى شاب قروي بسيط التعليم يعيش في تلك الحقبة، لكن ذلك لا يلغي إمكانية أن ينظر هذا الشاب بنفور إلى ذلك المستعمر الغريب، وأن تكرهه نفسه ويتمنى خروجه من بلاده، وهو طبع بشري وردة فعل إنسانية لا تحتاج إلى كبير وعي وعميق ثقافة .
بهذه النفس النافرة من الظلم والاستعمار يدخل سهيل سلك الشرطة، رحيماً بأبناء وطنه مستعداً لخدمتهم والتضحية بنفسه دفاعاً عنهم، ويتقدم في عمله ويتقنه، ويقترب الوطن من أيام الاستقلال وتعم الفرحة أبناءه، ويستبشرون بمرحلة جديدة يزول فيها ذلك الكابوس الجاثم على أرضهم، وينتهي فيها دور المعتمد البريطاني والقوات الإنجليزية ويذهب ستيفن إلى الأبد، وتجري المفاوضات بين أمراء البلاد، وفي مقدمتهم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد استعداداً لإقامة الاتحاد، وتتكشف للجميع خيوط مؤامرة يدبرها الإنجليز مع شاه إيران لإعطائه جزر الإمارات الثلاث، ويسعون بكل ثقلهم للضغط على الشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة لكي يتنازل أو يقبل ببيعها للشاه، لكنه يرفض ويصر على مواقفه في الاحتفاظ بكل شبر من أرضه، ويوثق الكاتب عبر صفحات من الرواية كيف جرت المفاوضات واللقاءات الطويلة المتكررة بين الشيخ صقر وبين مندوبي بريطانيا، ومحاولات الشيخ صقر للاستعانة بالدول العربية التي بدت في تلك اللحظة عاجزة متخاذلة غير قادرة على نجدته، والجامعة العربية التي لا تملك قراراً قاطعاً في هذا الصدد، وحين ييأس البريطانيون من زحزحة الشيخ عن موقفه الوطني، يقررون إنهاء المفاوضات، ويوعزون إلى إيران سراً باحتلال جزيرة طنب، وتشاء الظروف أن يكون سالم بن سهيل هو قائد مركز شرطة رأس الخيمة في طنب، ويعرض عليه الإيرانيون الاستسلام فلا يقبل ويقرر ببسالة مواجهتهم مع مجموعته القليلة .
تقع رواية "سهيل" في المنتصف بين الرواية وبين التاريخ، فهي من ناحية سرد تاريخي لحياة سالم وسيرة المقاومة التي يمثلها والأحداث الفعلية التي وقعت، ومن ناحية أخرى قصة للخيال فيها حضور جلي، لكن الإشكالية الفنية فيها لم تحسم وظل عبدالله الطابور أميناً لمنهجية المؤرخ التي تمثل الجانب الأبرز في حياته، واستطاع أن يقدم لنا وثيقة تاريخية سردية عن حقبة مهمة من تاريخ الإمارات، وإضاءة قوية على بطل وطني سطر بدمه اسمه في غرة زمن الاتحاد، وهي رواية تناسب روح الشباب المتشوق لمعرفة تاريخ وطنه وأبطاله، الباحث عن نماذج يقتدي بها، حيث ترسخ مفاهيم الوطنية والشجاعة والتضحية من أجل الأرض .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.