نافذون حوثيون يسطون على أراضي تابعة للأوقاف في بعدان إب    الحوثيون يعلنون قصف مواقع إسرائيلية حساسة داخل تل أبيب    أهدر جزائية.. الأهلي يكتفي بنقطة ميامي    ايران تستهدف منشآت إنتاج وقود الطائرات المقاتلة للكيان    سخرية من المعتوه عيدروس الزبيدي    كسر وجراحة.. إمام عاشور خارج المونديال    إيران تستهدف "معهد وايزمان" أكبر وأهم مركز أبحاث إسرائيلي    العرب ومآلات الحرب الإيرانية الإسرائيلية:    قوات الجيش تعلن إفشال محاولة تسلل شمال الجوف وتكبّد المليشيا خسائر كبيرة    تعادل مثير بين الأهلي وميامي في افتتاح المونديال    تعرض وزارة الدفاع الإيرانية لأضرار طفيفة عقب اعتداء بمسيرات صهيونية    اسبانيا تخطف فوزاً من رومانيا في يورو تحت 21 عاماً    اليغري كان ينتظر اتصال من انتر قبل التوقيع مع ميلان    النفط الإيرانية تعلن استهداف العدو لمستودع وقود غرب طهران    نتنياهو: الهجمات على إيران ليست شيئا مقارنة بما هو آت    ابن سلمان: الاعتداءات الإسرائيلية على إيران عطّلت الحوار وعرقلت جهود التهدئة    اعلام اسرائيلي يتحدث عن عملية اغتيال في صنعاء    صنعاء.. التربية والتعليم تحدد موعد العام الدراسي الجديد    حضرموت.. خفر السواحل ينقذ 7 أشخاص من الغرق ويواصل البحث عن شاب مفقود    بعد أيام من حادثة مماثلة.. وفاة 4 أشخاص إثر سقوطهم داخل بئر في إب    عدن .. عفراء توضح تفاصيل اعتقالها وتنفي الرواية الأمنية    انهيار جديد للعملة في عدن مقابل الدولار والريال السعودي    وكيل وزارة التربيه والتعليم يتفقد المشاريع والتجهيزات العودة الى المدارس    اعتقال ناشطات في عدن خلال تظاهرة نسوية تطالب بتحسين الأوضاع    ارتفاع الجنيه الاسترليني أمام الدولار واليورو    تريم تحتفي بزفاف 134 عريسًا وعروساً ضمن مهرجان التيسير السابع عشر    عدن .. اعتقال ناشطة حقوقية وحواجز امنية في المعلا تربط دخول النساء بإبراز البطاقة الشخصية    ضبط متهم بارتكاب جريمة قتل وسرقة وانتحال صفة رجل أمن    فعالية احتفالية بذكرى يوم الولاية في حوث بمحافظة عمران    محافظة صعدة تُحيي ذكرى يوم الولاية في 21 ساحة    التربية تحدد موعد بدء العام الدراسي الجديد    اغلاق موسم اصطياد الحبار في منطقة البحر الأحمر    اللاعبين المحليين في منتخب اليمن يعودون إلى عدن    روسيا تدخل قائمة أكبر خمسة اقتصادات الأقل اعتمادا على الواردات    السعودية وقطر تستضيفان المرحلة الرابعة لتصفيات مونديال 2026    صنعاء تحيي يوم الولاية بمسيرات كبرى    الخدمة المدنية: غداً الأحد استئناف الدوام الرسمي عقب إجازة العيد    مساحة مديريات الصحراء الحضرمية    ريال مدريد يضم ماستانتونو في أضخم صفقة انتقال في تاريخ كرة القدم الأرجنتينية    سياسي جنوبي: انها معركة كل الوطنيين الجنوبيين الأحرار    اتهامات للعليمي بشراء الولاءات الإعلامية بالتزامن مع تأخر صرف رواتب الموظفين    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    - اليك السلاح الفتاك لتقي نفسك وتنتصر على البعوض(( النامس))اليمني المنتشر حاليآ    اغتيال الشخصية!    الأستاذ جسار مكاوي المحامي ينظم إلى مركز تراث عدن    الحديدة تستقبل 120 ألف زائر خلال عيد الاضحى .. رغم الحر    مسؤولة أممية: أكثر من 17 مليون يمني يعانون من الجوع الحاد    قهوة نواة التمر.. فوائد طبية وغذائية غير محدودة    حينما تتثاءب الجغرافيا .. وتضحك القنابل بصوت منخفض!    الترجمة في زمن العولمة: جسر بين الثقافات أم أداة للهيمنة اللغوية؟    القيرعي الباحث عن المساواة والعدالة    اليابان.. اكتشاف أحفورة بتيروصور عملاق يقدر عمرها ب90 مليون عام    متحفا «الوطني والموروث الشعبي» يشهدان اقبالا كبيرا خلال العيد    اليمن تؤكد التزامها بحماية المحيطات وتدعو لتعاون دولي لمواجهة التحديات البيئية    تصاعد مخيف لحالات الوفاة بحمى الضنك في عدن ومحافظات الجنوب    محافظة ذمار تبحث خطوات وقائية لانتشار مرض الاسهالات المائية    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية الإماراتية ديوان المكان
نشر في الجنوب ميديا يوم 29 - 10 - 2012

ثمة جدلية بين الحقيقة والمتخيَّل في الرواية، وهي جدلية قديمة مفادها أن الرواية محكومة بالماضي أياً كانت طريقة توظيفها له، ومستويات حضوره فيها، وقد اتسع نطاق هذه الجدلية أكثر خلال القرن التاسع عشر مع بروز ما يوسم ب"الرواية التاريخية"التي حاول جورج لوكاتش من خلالها التنظير لمدى توظيف واستخدام الماضي في الرواية . وبغض النظر عن التأويلات والتحليلات المختلفة والمتباينة أحياناً في هذا الحقل، إلا أن ثمة حقيقة لا يمكن تجاوزها في هذا السياق، وهي أن التاريخ بكل ما يعنيه من إحالة إلى الماضي، قريباً كان أو بعيداً، ذا حضور مكثّف في الرواية وإن كان بعضها يجنح إلى الخيال، ويسبح في عوالمه ويجتاز بِيْدَه ومجاهله.
إذا أمعنا النظر في الرواية العربية، وحاولنا استقراء مضامينها على نحو متفحص ودقيق، فإننا نلاحظ أن ثمة حضوراً قوياً للتاريخ، ولجوءاً مكرراً للماضي الذي تستمد منه أَلَقَها ووهَجَها، وتنطلق من خلاله إلى القارئ بغية الإقناع والإمتاع، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة من بينها: سلسلة روايات "تاريخ العرب والإسلام"لجرجي زيدان، وروايات "عبث الأقدار«، و"رادوبيس«، و"كفاح طيبة"لنجيب محفوظ، ورواية "قاتل حمزة"لنجيب الكيلاني، و"زنوبيا ملكة تدمر«، و"صلاح الدين الأيوبي"لمحمد فريد أبو حديد وغيرها مع تفاوتها البيّن في توظيف التاريخ كأساس للرواية أو كمرجعية لها، أو من خلال ظلال عابرة في بعض الأحيان .
الرواية الإماراتية، شأنها كشأن غيرها من الروايات العربية، درجت على توظيف التاريخ بأحداثه ووقائعه على نحو طاغ رغم اختلاف أسلوب المعالجة والتوظيف من رواية إلى أخرى ما جعل بعضها يكتسب صبغة الرواية التاريخية . وتعكس رواية "الأمير الثائر"لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هذا المعنى بشكل واضح وجلي لا يحتاج إلى تأويل أو تحليل حيث جاء في مقدمتها: "إن قصة الأمير الثائر هي قصة حقيقية، فإن كل ما جاء فيها من أحداث وأسماء وشخصيات ومواقع موثّقة توثيقاً صحيحاً في مكتبتي، ولا يوجد بها أي نوع من نسج الخيال أو زخرف الكلام . أقدّمها للقارئ العربي ليطَّلع من خلالها على جزء من تاريخه في الخليج العربي".
وتعج الرواية بالأحداث التاريخية التي تم سردها سرداً واضحاً ومباشراً، وتدور حول شخصية بطلها الأمير الثائر "مهنا"ومحيطه الذي عاش، وترصد كل التفاصيل المتعلقة بحياته .
بينما ينحو الروائي علي محمد راشد منحى آخر في روايته "ساحل الأبطال«، حين يتجاوز المقدمة، ويدخل في سرد الأحداث المتعلقة بجانب من تاريخ رأس الخيمة مباشرة من خلال الشخصية الرئيسية "صالح". ويعالج الكاتب في هذه الرواية محاولات بريطانيا احتلال رأس الخيمة وإخفاقها في ذلك لسنوات، متتبعاً المراحل التي مرت بها إلى أن تمكنت من ذلك إثر الحملة العسكرية التي قادتها في عام 1819 التي أدت إلى القضاء على قوة القواسم البحرية والبرية . ولعل اسم الرواية كذلك يحيل هو الآخر إلى بعد تاريخي مهم، فمن المعلوم أنه من بين التسميات التي كانت تطلق على الإمارات خلال تلك المرحلة "إمارات الساحل المتصالح«، و"الساحل المهادن«، فجاءت تسمية الرواية متماهية مع تلك التسميات، ومسحتضرة الصفة "البطولية"التي لازمت سياق الرواية وتوجهها العام .
هاتان الروايتان تعتبران من أهم الروايات الإماراتية ذات النزوع الواضح للتاريخ وتوظيف أحداثه ووقائعه في السرد رغم اختلافهما في البنية السردية، وأسلوب التوظيف والمعالجة للنص التاريخي المعروض في حلة روائية .
وقد درج الروائيون والروائيات الإماراتيون على هذا المنحى ووظفوا التاريخ في السرد الروائي وإن اختلفت طرقهم ووسائلهم والأطر التي اعتمدوا عليها في البناء السردي .
ففي رواية "شارع المحاكم"لأسماء الزرعوني توثق الكاتبة لمرحلة مهمة من تاريخ مدينة الشارقة، وتؤرخ للمكان الذي يتمثل في "شارع المحاكم«، وتتجاوزه إلى فضاء أوسع تتحرك فيه الرواية وتدور في فلكه بيسر وسهولة .
تغطي الفترة التي تتحدث عنها الزرعوني نهاية الستينات من القرن الماضي في شارع المحاكم في مدينة الشارقة، الشارع الوحيد المعبّد آنذاك، وترصد من خلاله ملامح من بيئتها الاجتماعية وحياة الناس وحركتهم ونشاطهم، فهو الشارع الذي جمع حكايات الأمان والوئام بين أهالي المنطقة، كل أهل الحيّ يعرفون بعضهم بعضاً . فلا وجود لغرباء بينهم، سوى أنفار قليلة من الجنسيات العربية والخليجية، كأهل عُمان واليمن والجاليتين المصرية والفلسطينية الذين قدموا للتدريس في مدارس الشارقة، أو العمل في الإذاعة في تلك المرحلة من التاريخ .
وتوغل الزرعوني في الذاكرة ضمن مكان وزمان محددين، فتستحضر صوراً ومشاهد من الماضي من خلال شخصية روايتها الرئيسة "سلوى«، لتعكس ملامح من ذلك الماضي الجميل وتعرضها في أبهى حلة وأجمل صورة .
وترصد الزرعوني حركة الناس والحياة في الرواية، وتمزج في ذلك بين متتالية الحب والوجع اللذين يلازمان البطلة في مختلف مسارات حياتها، مع تركيز واضح على المرأة التي تطغى على صيرورة الأحداث، وسردها في نوع من تجلي الذات في صورة الآخر . وتعتبر هذه الرواية من أهم الروايات الإماراتية التاريخية التي تستعيد الماضي وتستحضره في معالجتها السردية .
وتلقي رواية "طروس إلى مولاي السلطان"للكاتبة سارة الجروان بظلال كثيفة على التاريخ الإماراتي من خلال شخوص واقعية وأعلام حية، حيث رصدت الكاتبة ملامح من حياة الإنسان على هذه الأرض قبل اكتشاف النفط الذي أحدث طفرة كبيرة وتغّيراً على نمط العيش والحياة، وتتبعت مسارات تطور المجتمع مستحضرة في الوقت نفسه أهم المحطات التاريخية التي عرفتها الإمارات تساوقاً مع قيام الاتحاد، وذلك من خلال سرد قصة حياة عائلة خليجية عريقة يهاجر أبوها إبان الانتداب البريطاني إلى سلطنة عمان، ثم ينتهي بها المطاف إلى الاستقرار في الإمارات .
وتعرّج من خلال سردها على مظاهر الازدهار التجاري الذي تزامن مع ظهور النفط، وتأخذ أسماء لشخصيات مهمة كان لها دور فاعل في قيام الدولة، ومسميات بعض الأماكن، كما تستعرض في ثنايا الرواية بعض الأحداث التاريخية التي تتعلق بسيرورة التطور التاريخي والتكوين الاجتماعي والاقتصادي لدولة الإمارات .
تستعيد الجروان صوراً من حياة الماضي بكامل تفاصيلها، وتعرضها بأسلوب سردي وصفي، محاولة معالجتها ضمن منظمومتها الاجتماعية الخاصة بعيداً عن الإسقاط والخيال . وتبرز الفوارق بين الأجيال المتعاقبة بشكل متفاوت في تمثلهم لطقوس مجتمعهم وممارستهم للحياة، فالولادة، والموت، وممارسة السحر والتداوي به، وتعدد الزوجات، والفقر، وحب التعليم كلها قضايا يظهر ما بينها من بون شاسع في منظور الأجيال التي تتحدث عنها الجروان .
يؤسس المكان في رواية الجروان للوحة متكاملة يتداخل فيها التاريخ مع الجغرافيا على نحو يبرز تأثير المكان على الحدث التاريخي، ومن بين الأماكن التي ورد ذكرها في الرواية منطقة النسيم، دبي، والخضراء، والعديد من المدن والقرى الإماراتية والعمانية .
وعلى هذا المنوال سارت روايات أخرى عديدة في استحضار التاريخ والحديث عن الماضي وإن اختلفت درجة الاهتمام والتركيز من رواية إلى أخرى مثل رواية "عيناك يا حمدة"للكاتبة آمنة المنصوري، ورواية "طوي بخيته"للكاتبة مريم الغفلي، وغيرهما كثير، وتحولت إشكالية توظيف التاريخ في الرواية السردية إلى توظيف للإشكالية ذاتها لتضفي على الرواية صبغة تاريخية خاصة، وخالصة في بعض الأحيان تتناسق مع محيط إنتاجها وبيئتها، وتحيي صوراً من تاريخها التليد، وتستحضره في حلل مختلفة، وتتماهى مع نسقها العربي العام، وتحظى بقسطها من الجدل ما أثاره هو، وتنعم بما نَعِم به من ميّزات وسمات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.