بدا مجموعة من التجار الذين يقدمون أنفسهم باسم الغرفة التجارية بأمانة العاصمة مكشوفي الظهر بعد أن توارى عدد من داعمي التهريب والتهرب الضريبي عن المشهد في مؤسسة الحكم والنفوذ. وأصبح بعض التجار الذين يجابهون قانون ضريبة المبيعات بقوة يتخبطون بحثاً عن غطاء جديد لتهربهم من دفع الضرائب، خاصة وأن مساندة رموز كبيرة في نظام صالح لتهربهم مكنهم من عرقلة تنفيذ القانون لعدة سنوات. قانون ضريبة المبيعات أقره مجلس النواب عام 2001م وظل حبيس الأدراج بعد أن اعترض عليه جزء من القطاع الخاص حتى ادخلت عليه تعديلات جوهرية عام 2005 وأقر بصيغته الجديدة حينها إلا أن التجار ثاروا ضده مجدداً وطعنوا أمام القضاء في دستورية القانون لكن المحكمة الدستورية العليا وبعد حوالي سنتين من النظر في الدعوى فصلت المحكمة بدستورية القانون ليخرج التجار المعترضون بمكسب تأجيل التطبيق لمدة عامين إضافيين. بعد الحكم القضائي كانت المناسبات السياسية تمنح التجار فرصة لكسب دعم صالح وأركان حكمه من المسؤولين التجار لإدخال تعديلات على آلية تنفيذ القانون أو تأجيل تنفيذه فترة إضافية مرة بحجة عدم جاهزية القطاع الخاص لمسك دفاتر حسابات وتنظيم عملية البيع التي يقتضيها تنفيذ القانون المعمول به في معظم بلدان العالم التي تشكل الضرائب المورد الرئيسي للخزينة العامة. وكانوا يتحججون في أحيان أخرى بأن القانون سيعرضهم للابتزاز من قبل محصلي الضرائب وانهم مستعدون لدفعها في المنافذ، لكن الجميع مل أعذارهم التي بدت فارغة وأنها تتكرر إلى اليوم رغم مرور أكثر من 10 سنوات على إقرار القانون في البرلمان. نعترف اننا كإعلاميين دعمناهم أحياناً ووقفنا سلبيين أحياناً أخرى في معركة ضريبة المبيعات تحت تأثير مبررات التجار، لكننا نشعر الآن وبعد ان دخلت البلد مرحلة جديدة يسعى فيها الجميع الى بناء دولة مدنية يسود فيها النظام والقانون وتؤدى فيها الحقوق والواجبات، فقد وجب على الجميع أن يغير من لهجته تجاه هذه الشريحة ويذكرهم بأن دولاً كبرى تعتمد خزينتها العامة بدرجة رئيسية على الضرائب، وان هذا المورد في بلادنا يمكن أن يتجاوز إيرادات النفط اذا ما قدر الجميع أهميته وسعينا جميعاً الى إصلاح الأوعية الضريبية وتعميق وعي الفئات المستهدفة بأهميته. القانون أصبح نافذاً منذ حوالي 3 سنوات والتزم به القطاع الأوسع من التجار، خاصة انه مفروض على كبار المكلفين فقط الذين تزيد تعاملاتهم التجارية عن 50 مليون ريال.. إلا أن المجموعة ذاتها تكرر محاولاتها بين حين وآخر ومع كل تغيرات عاصفة في الطقس السياسي خوض جولة مواجهة مع القانون النافذ طمعاً في التهرب من هذا القانون الذي يحد من التهرب الضريبي بدرجة كبيرة. العام الماضي وعندما أطل الربيع العربي برأسه وبدأ الشارع اليمني يتحرك، حاول هؤلاء التجار أن يقتنصوا الفرصة للتمكن من وقف العمل بالقانون، خاصة أن أرقاماً ضريبية تابعة لعدد منهم كانت محتجزة بسبب رفضهم تقديم إقراراتهم الضريبية.. وفي مطلع فبراير2011م التقوا بالاخطبوط حافظ معياد ومنحهم وعوداً بإطلاق أرقامهم الضريبية ووقف العمل بالقانون مقابل تقديمهم مبالغ تقدر بمئات الملايين لدعم التحرك الشعبي الذي قرر زبانية صالح إطلاقه في مواجهة ثورة شعبية مرتقبة ضد نظامه. حينها وفي أول مسيرة داعمة لصالح يوم 3 فبراير خرج أحد رجال الأعمال ب 100 لافتة يحملها 200 من العاملين في مؤسساته التجارية وقدم شاحنات محملة بالأغذية، بالإضافة الى دعم مالي بالملايين، وفعلاً تمكن معياد وعبر وزير المالية نعمان الصهيبي متجاوزين رئيس مصلحة الضرائب من اطلاق الارقام الضريبية المحتجزة لكنهم لم يوقفوا العمل بالقانون، الا أن أي إجراءات لفرض القانون على هذه المجموعة المتهربة توقفت بفعل الفوضى التي رافقت الثورة وفتح باب التهريب والتهرب على مصراعيه، مقابل اموال يدفعها بعض التجار ومواد غذائية لمخيمات حماية ما كانوا يسمونه «الشرعية الدستورية». مؤخراً وبعد انتخابات الرئاسة ودخول البلد عهداً جديداً عاودت مصلحة الضرائب ووزارة المالية إجراءاتها الرامية الى ضبط المتهربين من القانون فأوقفت ارقامهم الضريبية وطالبتهم بتقديم اقراراتهم أسوة بالغالبية العظمى من مكونات القطاع الخاص إلا أنهم عاودوا لعبتهم في مجابهة القانون. أدركت هذه المجموعة التغير الذي حدث في البلاد لكنها لم تقتنع وتنساق للقانون بل اتجهت لتغيير خطابها ووسائلها في المناورة، ففي الوقت الذي ذهب بعض التجار العام الماضي الى حافظ معياد فقد ارتدوا هذه المرة خطاب الثوار وحملوا خياماً تشبه خيامهم وتنقلوا بين بوابة مصلحة الضرائب وطافوا بساحة التغيير في العاصمة صنعاء ملتمسين المساندة من شباب كانوا يمولون قتلهم في العام الماضي وقالوا إنهم أدركوا ما كان يواجهه شباب الثورة من قمع وقتل. ليس هذا وحسب لكنهم أيضاً اتجهوا نحو بوابة الفرقة الاولى مدرع إلا أن الجواب الذي سمعوه من شباب الثورة سمعوه أيضاً من قائد الفرقة الذي نصحهم بأن يطبقوا القانون ويدفعوا الضريبة دون التذرع باختلالات أو تعسف سيكون من السهل معالجتها حينها. يمكن لأي متابع لهذه الزوبعة التي يثيرونها أن يتساءل: لماذا مجموعة من التجار فقط هم من يمانعون في الوقت الذي التزمت بالقانون المجموعات التجارية الكبيرة، وكيف يسمح عقلاء القطاع الخاص لهؤلاء أن يحرضوا الفئة المتوسطة من التجار ضد القانون باسم الغرفة التجارية بينما تلتزم الغرف التجارية في المحافظات واتحاد الغرف التجارية الصمت؟. الفاقد الضريبي والجمركي في بلادنا يصل الى أضعاف ما يتم تحصيله فعلاً والخزينة العامة تعاني عجزاً كبيراً مما يوجب على كل فئات المجتمع أن تصرخ في وجه التجار «ادفعوا التزاماتكم تجاه الخزينة وتجاه المجتمع» بدلاً من التهرب والبحث عن اعذار لا مجال لترديدها، وسيكون المجتمع بإعلامه ومؤسساته سنداً لكم في مواجهة أي ابتزاز أو تعسف تتعرضون له من قبل المؤسسات الحكومية أو أي قوى نافذة. * نقلا عن المصدر أونلاين