نقلا عن اذاعة صوت هولندا العالمية تضافرت ثقافة القبائل اليمنية كقوى محاربة، مع نشاط الدعاة الإسلاميين في اليمن، وموقف صنعاء المعارض للغزو السوفيتي لأفغانستان، في جعل اليمن واحدة من أهم مصادر المتطوعين العرب الذين قاتلوا القوات السوفيتية في أفغانستان، في الفترة منذ أواخر السبعينات وحتى بداية التسعينات من القرن الماضي، وعرفوا باسم "الأفغان العرب". وكان لليمنيين في أفغانستان معسكرات خاصة بهم لتلقي التدريب العسكري والاستخباراتي، والإعداد الديني الإيديولوجي. وعُرف للشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني دور ملحوظ في حشدهم للذهاب إلى هناك، وكثر تردده على بيشاور آنذاك، حيث اشتهر في المجال الدعوي بين الأفغان اليمنيين والعرب عموما. -من أفغانستان لليمن عندما وضعت الحرب الأفغانية أوزارها، لم تستقبل اليمن فقط العائدين من أبنائها الذين حاربوا في أفغانستان، بل استقبلت معهم الكثير من الأفغان العرب الآخرين، الذين خشوا من العودة إلى بلدانهم. وانخرط الكثير من اليمنيين العائدين من أفغانستان في الحياة العادية للمجتمع، مثلهم مثل بقية المواطنين، ولكن جزء آخر منهم تمسك بأفكار عقائدية متشددة، فاختار مواصلة نشاطه "الجهادي" في اليمن. -وشكَّلت اليمن محطة أساسية للعناصر المصرية في طريق العودة. وحسب معلومات استخبارية مصرية، فقد توَّرطت عناصر يمنية في نقل تكليفات من أيمن الظواهري إلى أتباعه في مصر المتهمين في قضية "طلائع الفتح". كما شاركت عناصر مصرية في عدد من عمليات العنف التي جرت في اليمن. وترددت معلومات غير مؤكدة من أن الظواهري سبق أن زار اليمن، بجواز سفر مزور، في محاولة للبقاء فيها. -مرحلة التحالف يُعتقد على نطاق واسع أن السلطات اليمنية سعت في بداية التسعينات إلى تقريب العناصر الجهادية، وفي مقدمتهم الأفغان اليمنيون، إليها للاستفادة منهم في صراعها ضد الحزب الاشتراكي، الذي يعد خصما أيديولوجيا متهما بالكفر والإلحاد من قبل تلك الجماعات. وعندما اندلعت حرب صيف 1994م، بين سلطات صنعاء والحزب الاشتراكي، كان الأفغان اليمنيون في مقدمة المتطوعين المحاربين بشراسة ضد قوات الحزب الاشتراكي. ويقال أنه تمت مكافأة بعضهم على ذلك بالاستيعاب في القوات النظامية للدولة. وتردد عقب الحرب أن مجموعة من الأفغان اليمنيين شكلوا مجوعات صغيرة، ومعسكرات للتدريب في الجبال المحيطة بمحافظة أبينجنوب اليمن، وبدءوا يضغطون على السلطات لتنفيذ مطالبهم باستيعابهم في القطاعات العسكرية، والسماح لهم بممارسة نشاطهم كجهاديين إسلاميين. -الخلاف والتصادم قُبيل حرب 1994م، ثم بعدها على وجه الخصوص، بدأ التصادم بين السلطات اليمنية، والجماعات الجهادية التي يشكل الأفغان اليمنيون هيكلها الأساسي، عندما شرعت الأخيرة في ارتكاب عدد من أعمال العنف تركزت حينها في مدينة عدن، حيث نفذ تنظيم من الأفغان اليمنيين يسمى "الجهاد الإسلامي" هجمات ضد فنادق ومواقع سياحية يتواجد فيها عسكريون أمريكيون من العاملين في الصومال آنذاك. وقامت عناصر متشددة بمهاجمة عدد من حفلات الأعراس في عام 1995م. ثم نفذ تنظيم آخر هو "جيش عدنأبين الإسلامي" عدداً من الهجمات الإرهابية، وقع أفدحها في 28 ديسمبر 1998م عندما اختطف التنظيم 16 سائحا غربيا، قُتل أربعة منهم عندما تطورت عملية الاختطاف إلى اشتباك بين قوات الأمن اليمنية والخاطفين. وفي 12 أكتوبر 2000م نفذ عدد آخر من الأفغان اليمنيين الهجوم الانتحاري الكبير الذي أدى إلى تدمير البارجة الأمريكية "يو اس اس كول" في ميناء عدن ومقتل 17 وجرح 30 من العسكريين الأمريكيين الذين كانوا على متنها. وتكرر الأمر مرة أخرى في هجوم مماثل وقع في 6 أكتوبر 2002 على ناقلة النفط الفرنسية "ليمبورغ" في ميناء الضبة بمحافظة حضرموت. ثم تتالت العمليات الإرهابية في اليمن طول السنوات الماضية حتى الآن، وكان للأفغان اليمنيين دورا رئيسيا في جل هذه العمليات، وخاصة الكبيرة منها. -قيادة التنظيمات الجهادية سيطر الأفغان اليمنيون على قيادة جميع التنظيمات الجهادية في اليمن، ومن هؤلاء أبو الحسن المحضار الزعيم السابق لجيش عدنأبين الإسلامي، وخلفه خالد عبد النبي. وزعيم "الجهاد الإسلامي" طارق الفضلي، والرجل الأول في القاعدة سابقا أبو الحسن الحارثي، ثم زعيم تنظيم القاعدة في اليمن حاليا ناصر الوحيشي. وتعاملت السلطات اليمنية بصورة مختلفة مع هذه القيادات، ففي حين تم إعدام المحضار في مايو 1999م بموجب حكم قضائي صدر في قضية اختطاف السياح الأجانب في 1998م، وقُتل الحارثي في نوفمبر 2002م بمحافظة مارب بواسطة طائرة أمريكية بدون طيار. تم تقريب عدد آخر من قيادات وأعضاء الجماعات الجهادية، أبرزهم طارق الفضلي، الذي ترك العمل الجهادي وصار عضوا قياديا في الحزب الحاكم، وخالد عبد النبي الذي توصلت السلطات إلى اتفاق معه ضمن تركه في حال سبيله مقابل تخليه عن العنف. -بعد 11 سبتمبر عقب أحداث 11 سبتمبر، وفي إطار انخراط اليمن في الحرب العالمية ضد الإرهاب، شنت السلطات اليمنية حملة اعتقالات واسعة طالت المئات من اليمنيين العائدين من أفغانستان، بما فيهم الكثيرين الذين لم يتورطوا في أية أعمال عنف في بلادهم، واقترن ذلك مع إعلان السلطات اليمنية أنها رحلت نحو 16 ألف من الأفغان من أراضيها. الحوار مع أفغان اليمن ومع اكتظاظ السجون اليمنية بالمئات من الأفغان اليمنيين المعتقلين تحفظياً، قررت سلطات صنعاء في عام 2002م التحاور مع هؤلاء المعتقلين، واخذ تعهدات منهم بعدم ممارسة أية أعمال عنف، وبموجب توجيهات من رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح تم حينها تشكيل لجنة تضم عددا من أبرز رجال الدين اليمنيين، برئاسة القاضي حمود الهتار، لأجراء الحوار المطلوب مع المعتقلين بهدف "تصحيح أفكارهم المغلوطة عن الإسلام، وتنقيتها من الغلو والتطرف والنزوع للعنف والإرهاب". وعلى مدى عدة جولات من الحوار، تم إطلاق سراح المئات من المعتقلين الذين أعلنت اللجنة أنهم "تابوا وعادوا إلى جادة الصواب وتخلوا عن أفكارهم المتطرفة والتزموا بأن يكونوا مواطنين صالحين يحترمون الأنظمة والقوانين. كما التزموا بطاعة ولي الأمر، واحترام حقوق غير المسلمين، وحرمة دمائهم وأموالهم، وتأمينهم" حسبما أعلن الهتار. ورغم أن الغالبية ممن تم إطلاق سراحهم، عادوا واندمجوا في المجتمع كمواطنين عاديين، إلا أن عددا آخر منهم ظهرت أسماؤهم كمشاركين أو متهمين في قضايا إرهابية لاحقة، وتم إعادة اعتقال بعضهم. تنظيم القاعدة رأى بعض المراقبين أن "القاعدة" وبعد هزيمتها مع نظام طالبان في أفغانستان وطردها من هناك، أصبحت تنظر لليمن كخيار استراتيجي بديل لها، اعتمادا على اليمنيين العائدين من أفغانستان، واستغلالا للبيئة الجغرافية الجبلية الوعرة والصحراوية في هذا البلد، وعلى قوة النفوذ القبلي التي يمكن أن تشكل حماية لعناصر التنظيم. وسواء صح ذلك، أم لا، فان اليمن صارت بالفعل منذ أواخر العقد الأخير من القرن العشرين، واحدة من أهم مراكز نشاط تنظيم القاعدة وهجماته المسلحة ضد أهداف يمنية وأجنبية في اليمن. وتبوأ عدد من الأفغان اليمنيين أعلى المراكز القيادية في تنظيم القاعدة، وشكل العائدون من أفغانستان الجيل الأول من عناصر التنظيم، الذي وقف وراء معظم العمليات الإرهابية التي شهدها اليمن في السنوات الماضية.