بعد حوالي أسبوع من تفجر الانتفاضة الشعبية التي سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى ، أعلنت الحكومة السورية يوم الأحد الموافق 27 مارس عن إلغاء قانون الطواريء المعمول به في البلاد منذ العام 1963 . ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد كشفت مصادر حكومية مطلعة في دمشق أن الرئيس بشار الأسد والذي يواجه حركة احتجاج لا سابق لها منذ توليه السلطة عام 2000 سيوجه قريبا جدا خطابا هاما إلى الشعب السوري . وسرعان ما خرج فاروق الشرع نائب الرئيس السوري على الملأ في 28 مارس ليؤكد صحة ما سبق ويشدد على أن الرئيس بشار الأسد سيوجه كلمة للشعب السوري ، قائلا :" الرئيس الأسد سيلقي كلمة هامة خلال يومين تطمئن كل أبناء الشعب ، فترقبوها باهتمام لأنها هامة". ورغم أن الأسد كان تعهد في تصريحات له يوم الخميس الموافق 24 مارس بدراسة توسيع الحريات وإنهاء العمل بقانون الطواريء وزيادة رواتب موظفي القطاع العام ، إلا أن عدم توجهه على الفور بخطاب إلى الشعب السوري أثار الكثير من علامات الاستياء خاصة بعد أن رفضت مصادر حكومية في بداية تفجر الانتفاضة الإقدام على أية خطوات إصلاحية تحت ضغط المظاهرات الاحتجاجية وهو ما فسره البعض على أن الحكومة تفضل الحل الأمني . وجاءت التقارير حول سقوط عشرات القتلى في مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن لتزيد الطين بلة في هذا الصدد وسرعان ما امتدت الانتفاضة من مدينة درعا الجنوبية إلى مدن وبلدات أخرى في الوسط والشمال . وقبل أن يتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه وبعد التأكد من فشل الحل الأمني أمام رغبة الشعب في الإصلاح ، تحرك نظام الرئيس بشار الأسد على طريق التنفيذ الفعلي للإصلاحات التي طالما وعد بها على مدى عشرات سنوات أثناء المؤتمرات الحزبية أو في افتتاح دورات مجلس الشعب السوري ولكن أيا منها لم ينفذ بحجة أنها قيد الدراسة. تحركات إيجابية
احتجاجات درعا وكانت البداية على الطريق الصحيح هي إعلان السلطات السورية في 26 مارس عن إطلاق سراح 260 معتقلا معظمهم من الإسلاميين من سجن صيدنايا ، بالإضافة إلى الإفراج عن الناشطة ديانا الجوايرة التي كان اعتقالها من بين أسباب تأجيح الاحتجاجات في مدينة درعا . وتم الإفراج أيضا عن 15 شخصا آخرين كانوا شاركوا ديانا في اعتصام صامت للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ومن بينهم أطفال درعا. وبعد ذلك بيوم وتحديدا في 27 مارس ، أعلنت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري عن إلغاء قانون الطواريء الساري في البلاد منذ 1963. وهذا القانون الذي تم فرضه بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في آذار/ مارس 1963 كان يفرض قيودا على حرية التجمع ويتيح اعتقال "مشتبه بهم أو أشخاص يهددون الأمن"، كما كان يتيح استجواب أشخاص ومراقبة الاتصالات وفرض رقابة مسبقة على الصحف والمنشورات والإذاعات وكل وسائل الإعلام الأخرى. ويبدو أن الأمر لن يقف عند حدود الخطوات السابقة ، حيث كشفت مصادر رسمية سورية في 27 مارس أيضا أن القيادة السورية تستعد لإصدار حزمة قرارات بينها تعديل وزاري يشمل عددا من الوزراء وربما رئيس الحكومة , إضافة إلى قرارات تتعلق بدور حزب البعث الحاكم. بل وهناك من رجح أن خطاب الأسد المنتظر قد يحمل مفاجآت أكثر مما سبق خاصة وأنه يحاول أن ينفي الاتهامات حول استخدام أسلوب "المكابرة" مع الاحتجاجات ولذا يذهب البعض إلى أنه قد يتجاوب مع مطالب المحتجين دفعة واحدة كما فعل العاهل المغربي في خطابه الذي وجهه إلى شعبه متعهداً فيه بإصلاحات دستورية كاملة وسلطان عمان قابوس بن سعيد عندما حل الوزارة وقرر وضع دستور جديد للسلطنة. إجهاض المؤامرة الأمريكية
وفي حال تحقق ما سبق ، فإن الأسد يكون زاد من شعبيته خاصة وأن جزءا لا بأس به من شعبه يحبه ، هذا بجانب الأمر الأهم وهو إحباط أية مؤامرة أمريكية إسرائيلية جديدة ضد سوريا . فمعروف أن نظام بشار الأسد طالما أثار غضب واشنطن وتل أبيب بسبب وقوفه إلى جانب المقاومة اللبنانية واستضافة الفصائل الفلسطينية في دمشق ، ولذا فإنه ما أن تفجرت شرارة الانتفاضة الشعبية في مدينة درعا إلا وظهرت تحذيرات أمريكية ضمنية بأن النظام السوري أمام خيارين ، إما النموذج الليبي حيث حظر الطيران أو النموذج العراقي المتمثل في الاحتلال الأجنبي . ولعل التقرير الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في 27 مارس يؤكد حجم الخطر المحدق بسوريا ، حيث أكد أن استفحال الفوضى في سوريا بشكل خاص قد ينهي أية آمال متبقية بالتوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط. وأضاف التقرير نقلا عن مسئولين أمريكيين أن المشاكل داخل سوريا قد تتسبب في زعزعة الاستقرار في دول مجاورة مثل لبنان وإسرائيل وقد تكون مصدراً للأمل في إضعاف أحد أبرز حلفائها أي إيران ، حيث أن للاضطراب جانب إيجابي وهو حرمان إيران من حليف موثوق في تمديد نفوذها على لبنان وحزب الله والفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وتابع التقرير " سوريا هي الأزمة الطارئة التي تخلق معضلة كبيرة بالنسبة للإدارة الأمريكية إذا لجأ الرئيس السوري بشار الأسد إلى قمع الاحتجاجات كما سبق وفعل والده الرئيس الراحل حافظ الأسد يوم قصف في العام 1982 مدينة حماه وتسبب بمقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص". وأشار تقرير "نيويورك تايمز" إلى أنه بعد التدخل في ليبيا لتفادي مجزرة في بنغازي فإن بعض المحللين يتساءلون كيف يمكن لإدارة أوباما ألا تفعل الشيء نفسه في سوريا؟. ورغم أن هؤلاء المحللين توقعوا أن تكون الإدارة الأمريكية حذرة في الضغط على الأسد خوفاً مما قد يأتي بعده أي احتمال قيام حكومة بقيادة سنية أكثر أصولية وإسلامية من حكومة الأقلية العلوية ، لكن مسئولا أمريكيا أوضح للصحيفة أنه بعد موجة العنف التي شهدتها سوريا ، فإن مستقبل الأسد ليس واضحاً وإنه فقد على الأرجح صفة شريك سلام لإسرائيل ، قائلا :" لا يمكن التوصل إلى سلام شامل من دون سوريا ، من مصلحتنا المضي في اتفاق لكن لا يمكن القيام بذلك مع حكومة فقدت المصداقية وسط شعبها". وأمام ما سبق ، لم يكن مستغربا أن يتحرك الرئيس بشار الأسد لإحباط أية مؤامرة أمريكية جديدة ضد سوريا عبر تلبية مطالب الشعب السوري بالإصلاح وهو ما من شأنه أن يدعم موقفه أكثر وأكثر في دعم المقاومة وتجنب مصير الزعيم الليبي معمر القذافي . شرارة الاحتجاجات وكانت الاحتجاجات بدأت في مدينة درعا في جنوبي سوريا في 18 مارس/ آذار بعدما اعتقلت الشرطة عددا من التلاميذ لكتابتهم شعارات تطالب بالديمقراطية على جدران مبان بالمدينة. وسرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى مدن وبلدات سورية أخرى وسقط عشرات القتلى والجرحى في مواجهات بين قوات الأمن والمحتجين الذين يطالبون بإصلاحات سياسية . وبالنظر إلى أن الاحتجاجات السابقة تعتبر أكبر تحد لحكم أسرة الأسد المستمر منذ أربعين عاما ، فقد حذر كثيرون من أن الأسوأ لم يقع بعد في حال لم يسرع الرئيس بشار من وتيرة الإصلاحات .