مواجهة ديبلوماسية حامية وغير مسبوقة شهدتها أروقة مجلس الامن منذ اجتياح العراق، وسط اتساع الهوة بين معسكر الغرب والعرب والمعسكر الروسي الصيني حول مشروع تدويل القضية السورية المفخخ ببند اسناد صلاحيات الرئيس السوري الى نائبه، في وقت جددت طهران وموسكو مواقفهما الداعمة لسوريا والرافضة لأي تدخل أجنبي فيها. الكباش الدائر بين باريس ولندن وواشنطن وبرلين وموسكو وبكين في جلسة مجلس الامن مساء أمس، الذي أسفر عن إرجاء التصويت على المشروع العربي الغربي حيال سوريا، الى الخميس أو الجمعة المقبلين، سبقته مشاورات مكثفة أستخدمت فيها كل الاسلحة المحرمة من ضغط وابتزاز واغراءات، بالتزامن مع السباق المحموم بين الحسم العسكري الجاري على قدم وساق في الكثير من مناطق التوتر في الداخل السوري عبر تشديد الخناق على المسلحين، وبين القرارات الاممية المفترض أن تشكل أدوات ضغط جديدة على دمشق. هذه المستجدات شكلت المادة الدسمة للصحف الصادرة لهذا اليوم، حيث رأت صحيفة "السفير"، أن المواجهة العربية الحادة التي شهدها مجلس الأمن الدولي امس، وسبقت الحفل الخطابي الغربي الذي نظم حول الأزمة السورية وشارك فيه اربعة وزراء خارجية غربيين، أعادت طرح السؤال حول مبدأ التدخل الخارجي، العربي والدولي اللذين سقط الفارق بينهما، في سوريا، ومهّدت لإحباط قرار الجامعة العربية المفاجئ والغريب بالذهاب في مشكلة داخلية في بلد عربي إلى أعلى هيئة دولية، حتى قبل أن تضطر روسيا والصين الى استخدام حق النقض على هذا الانتهاك لميثاق الأممالمتحدة وعلى ذلك التورط الخطر الذي يمكن ان يزيد الحريق السوري اشتعالاً واتساعاً. ولفتت الصحيفة إلى أن كانت المواجهة التي افتتحها رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم آل ثاني واستكملها الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي، قبل ان يرد عليهما المندوب السوري بشار الجعفري بلغة الشعر والتاريخ والسياسة العربية، هي الأكثر إثارة في جلسة استعراضية رتيبة خلت من أي مفاجآت في كلمات وزراء خارجية اميركا وفرنسا وبريطانيا والبرتغال، التي وزعت سلفاً وحددت سقف الموقف المشترك الذي يدعم مبادرة الجامعة العربية، وينكر تهمة التدخل الخارجي، في شقه العسكري في هذه المرحلة، لكنه يرتكز على المبادرة العربية لكي يبدي استعداداً ضمنياً للمضي قدما تحت شعار الدفاع عن الشعب السوري، وتطوير اشكال التدخل السياسي والاقتصادي المعتمدة حالياً. ووفق "السفير"، فان النقاش ما زال مستمراً حول مشروعي القرارين المغربي والروسي من أجل تعديلهما والتوصل الى نص مشترك، وهو ما يمكن ان يستغرق الايام القليلة المقبلة، لكنه لن يسفر عن أي نتيجة سوى الذهاب الى التصويت عليهما واستخدام الفيتو من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية. بدورها، اعتبرت صحيفة "تشرين" السورية، أنه كان من الطبيعي أن تبدأ وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون كلمتها بتهنئة حمد بن جاسم ونبيل العربي، فما قدمه الرجلان في مداخلة كل منهما جعل كلينتون تعجز عن إضافة شيء جديد، سوى بعض الأكاذيب المتعلقة بما سمته حرص بلادها على أمن دول المنطقة ونشر الديمقراطية، بينما تدخلاتها المؤلمة والمآسي التي سببتها لشعوب المنطقة لا تعد ولا تحصى، من خلال موقفها الداعم لجرائم الكيان الصهيوني منذ ما يزيد على ستة عقود، عدوانها الغاشم على العراق، تدخلها المستمر في الصومال، دورها المشبوه في النزاعات الداخلية التي شهدها السودان، وليس آخراً قصفها الوحشي لليبيا.. من جهتها، أكدت صحيفة "البناء"، أن المعطيات التي نتجت من الحشد الدبلوماسي الغربي في مجلس الأمن بما في ذلك الجلسة التي عقدت ليلاً، أظهرت أن كل هذا الحشد المدعوم من بعض العرب لن يغيّر في حقيقة واقع الأمور في ما يتعلق بسورية، خصوصاً في ظل الموقف الروسي الحاسم لمواجهة المخطط الغربي المدعوم من حلفائه العرب والتحذير الايراني. ولفتت الصحيفة إلى أن الغرب ومن معه من العرب سيضطرون إلى إعادة النظر بمحاولاته السابقة لابتزاز سورية وقيادتها، كما أن عرب أميركا لن يكون أمامهم بعد الذي حصل في مجلس الأمن سوى العودة خائبين إلى بلادهم، بعد أن فشلوا في تمرير ما سمي "مبادرة الجامعة العربية" والتي يراد منها إدخال سورية في دوامة الفتنة لو أن هؤلاء استطاعوا تمرير "قرارهم" المشبوه في مجلس الأمن. وتحت عنوان "جلسة العار"، لفتت صحيفة "البعث" السورية إلى أنه ليس من العادة أن تقيم أمريكا وفرنسا وبريطانيا أي وزن لما يطلبه العرب من مجلس الأمن، وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني فكيف انطلقت ألسنتهم مساء أمس بكل هذا الشكر والمديح للجامعة الرسمية العربية وأمينها العام المنافق نبيل العربي ورجل مهماتها القذرة حمد بن جاسم، فالاستعماريون الثلاثة ألقوا بكل ثقلهم الدبلوماسي في هذه المهمة الدنيئة التي تستهدف سورية لأن الجامعة الرسمية العربية التي يتحكم بها البترودولار هي اليوم للأسف أداة طيعة في أيديهم لتنفيذ مطلب كان دائماً على رأس أولوياتهم السياسية ألا وهو إسقاط الدور السوري المقاوِم للمشروع الامبريالي الصهيوني في المنطقة. وختمت بالقول "هؤلاء أعداء أصليون نعرفهم ونعرف أنهم يتمنون من أعماق قلوبهم فناء الشعب السوري بكامله ودمار سورية لتحيا المدللة إسرائيل وتهيمن هيمنة مطلقة على المنطقة. ولا ننتظر منهم إلا أن يفعلوا مافعلوا. لكنهم، ومهما استخدموا من طرق ووسائل منحطة ولا أخلاقية لتحقيق غاياتهم ومآربهم يبقون أسياد أنفسهم. أما العربي وحمد فلم يكونا في تلك الجلسة سوى خادمين وضيعين جلبا العار لأمة العرب، ولن تغفر لهما جماهيرها فعلتهما القبيحة وستحاسبهما عليها طال الزمان أم قصر". أما صحيفة "الوطن" السورية، فرأت أن حراس نفط الخليج والمرتهنون لسطوة ماله تصدروا المرحلة الثالثة من مشروع استهداف سورية عبر هرولتهم إلى نيويورك وطلبهم تدويل الأزمة بعد أن فشلوا في فرض حل على مقاس مخططهم لأنه ببساطة يتناقض مع إرادة الشعب السوري وينتهك خطوطه الحمر في السيادة والكرامة لتتراجع الولاياتالمتحدة وإسرائيل بذلك نظرياً إلى الخطوط الخلفية مكتفية بدور الموجه والمشرف. حراس نفط الخليج والمرتهنون لسطوة ماله تصدروا المرحلة الثالثة من مشروع استهداف سورية عبر هرولتهم إلى مجلس الامن واعتبرت "الوطن" أن دويلات الخليج التي أدركت أن رياح تقرير بعثة المراقبين لن تكون غربية كما تشتهي سفنها قررت الانسحاب منها ليتبعها أمين عام الجامعة الخليجية بقرار مستنسخ بتجميد عمل البعثة ضمن سيناريو خطه حمد وسعود بأمر غربي وتم الدفع بالمغرب لحمله إلى أروقة مجلس الأمن وهو ما يفسر سبب محاولات الخليجيين ضم هذه المملكة البعيدة إلى اتحادهم بمعنى التأسيس لتكتل ملكي أميري ممسك بالحكم والسلطة مع جيش مرتش من المتثقفين بأموال النفط وإعلام كاذب يتولى بشكل وقح التنظير للثورات والحريات. وحول القرار الذي سيصدره مجلس الامن بشأن سوريا، فلفت مصدر مسؤول ببعثة الجامعة العربية إلى مجلس الأمن، في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط"، أن "القرار سيكون نصا سياسيا خالصا يدين العنف ويدعو إلى تطبيق المبادرة العربية في نقاطها الأساسية الأربع، وهي: وقف العنف وحماية السكان، والسماح بالمظاهرات السلمية وإطلاق سراح المعتقلين، وعودة الجيش السوري إلى ثكناته، والسماح للصحافيين والمراقبين الدوليين بالدخول إلى سوريا". وكان قد أكّدَ المندوب السوري في مجلس الأمن بشار الجعفري، في كلمة له امام مجلس الامن الدولي، على المسؤولية الحصرية للحكومة السورية في الحفاظ على السلم الأهلي ومواجهة المجموعات المسلحة وفقاً للقوانين المعمول بها في سوريا والمعترف بها دولياً، معتبرا ان قرار الذهاب الى مجلس الامن جاء للالتفاف على نجاح تقرير المراقبين كونه اتى مخالفا لاهواء البعض. من جانبه، دعا وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم الى اتخاذ خطوات لوقف ما أسماه "آلة القتل" في سوريا، في حين حث أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي على تضافر الجهود الدولية والعربية لوقف "العنف" في سوريا من قبل جميع الأطراف والبدء بتنفيذ خارطة الطريق للوصول الى حل سياسي سلمي يخرج سوريا من ازمتها. وفيما ادعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ان عدم تحرك مجلس الأمن بسرعة لحل الوضع في سوريا سيضعف "مصداقية الاممالمتحدة"، فضّ السفير الروسي فيتالي تشوركين الحفل الخطابي وبدد التواطؤ العربي والغربي، معبراً عن رفضه للنص الذي صاغه المندوب المغربي باسم الجامعة العربية والدول الغربية، وهو ما فعله المندوب الصيني لي باو دانغ. التطهير الامني متواصل والأسد يتفقد الجرحى ميدانياً، ورغم كل الحملة الغربية على سوريا، فقد استمرت القوى النظامية في إجراءاتها الأمنية في عدد من المناطق وخاصة في ريف دمشق لاستكمال تطهيرها من المسلحين، حيث لفتت صحيفة "الثورة" السورية إلى أن الرئيس بشار الأسد قام أمس بزيارة عدد من جرحى الجيش والقوات المسلحة وقوى الأمن في مستشفى الشهيد يوسف العظمة في دمشق كانوا أصيبوا خلال تصديهم للمجموعات الإرهابية المسلحة، واستمع منهم إلى ظروف اصابتهم مؤكدا ضرورة استمرار تقديم كل الرعاية اللازمة للمصابين الذين أظهروا ارادة وشجاعة منقطعة النظير وقدموا اغلى ما عندهم للحفاظ على امن واستقرار سوريا.