بعد مرور ما يقرب من عامين على بداية الربيع العربي، المؤشرات تدل على ازمات جديدة في بلدان انتهت فيها الثورات، بلدان عاشت الثورة من اجل الديمقراطية والحرية ونالت ما تريده، ام لم تنل؟ هناك بعض الأحداث التي تشهدها المنطقة تعيد خلط الأوراق. الإنعكاسات الداخلية والخارجية التي ولّدتها هذه الأحداث التاريخية كان لها وقع كبير على البلدان التي جرت فيها الثورات فآمنوا بقدرتهم على تحديد مصيرهم وحقهم في المطالبة بحقوقهم، لكن السؤال هل هناك ربيع عربي ثانٍ؟ وهذا السؤال لم يأتِ من العدم بل اتى بعد احداث حصلت في الآونة الأخيرة وما زالت تحدث الآن في بلدان مثل تونس ومصر. في 22 تشرين الثاني اصدر الرئيس المصري محمد مرسي اعلان دستوري يقتضي بمنع الطّعن في قرارات الرّئيس الصادرة منذ تولّيه السّلطة وحتّى انتخاب البرلمان المقبل، أمام أيّ جهة قضائيّة، بما في ذلك المحكمة الدّستوريّة واعتبار الطّعون المعروضة على المحاكم الآن باطلة ومنعدمة وكأنّها لم تكن. فور الإعلان عن هذه القرارات، اعتبرها مؤيّدو الرّئيس استكمالا للثّورة واعتبرها معارضوه انقلابا على الثّورة وتأسيسا لدكتاتوريّة جدّا وبدأ المعارضون بالنزول الى الشارع حاملين شعارات مختلفة منها الغاء الاعلان الدستوري ومنها بإسقاط النظام، وذكّرنا هذا المشهد بثورة 25 يناير 2011، وحدثت اشتباكات بين مؤيدي ومعارضي الرئيس مرسي ونتج عن ذلك وقوع جرحى في الصفين. حاصرَ عشراتُ الالاف من المعارضين الرئيسِ مرسي قصرَ الرئاسة لمطالبتِه بسحبِ إعلانهِ الدستوري الذي يمنحُه صلاحياتٍ شبه مطلقة واحدثَ انقساما شديدا في البلاد. فدعى الرئيس مرسي القوى السياسية للحوار يوم السبت في 8 كانون الأول مؤكداً بقاء الاستفتاء على الدستور في موعده. ليست مصر البلد الوحيد الذي يتخوف من تدهور اوضاعه بل ايضاً تونس التي دعت الممثليات المحلية للاتحاد العام التونسي للشغل الى تنفيذ اضراب عام في عدد من الولايات على غرار صفاقس وسيدي بوزيد وقفصة وسليانة امس الخميس في 6 كانون الأول 2012، فأحدث هذا تخوفات كبيرة في البلاد وأسرعت وزارة الخارجية التونسية في دعوة كافة المواطنين والمواطنات في الولاياتالتونسية الى "المحافظة على الهدوء والالتزام بالسلمية والابتعاد عن كل ما من شأنه ان يعكر صفو الامن العام". هذه الدعوة تبين فيها قلق الولاياتالتونسية من حدوث اعمال قد تؤدي الى ما لا يصبون اليه المسؤولين ومن تحول الإضراب العام المرتقب يوم الخميس القادم الى "خميس اسود" في ضوء ما قد يشهده الاضراب من مشاحنات وتجاذبات وربما احداث عنف بين القوى السياسية المتناحرة في الحكومة. قراءة الأوضاع السائدة حاليا في هذه البلدان يجعلنا بدون شك اعادة قراءة الأوضاع في سوريا التي ما زالت تعيش ازمة منذ اكثر من سنة ونصف وحتى الآن لم تظهر الصورة النهائية ونتائجها. في الأردن والكويت تحدث تظاهرات قليلة لم نشهد لها مثيل من قبل وبالرغم من انها خجولة لكن في هذه البلدان لم نعتاد عليها ولم نعتاد على شعبها بالتعبير والمطالبة بالتغيير. هل ما يحدث في مصر وتونس بداية لربيع عربي ثاني؟ او انها مجرد هزة خفيفة، هزة لتقول ان الشعب لا يزال هنا ولا يزال يطالب ولا يزال موجود ولن يرضى بتكرار النظام السابق، فهم لم يحدثوا ثورة لمجرد الثورة بل للتغيير، التقدم، الإنفتاح، الإزدهار، الإقتصاد، الحقوق والديمقراطية. ربيع عربي ثاني ام لا، ثورة ام مجرد هزّة، انقلاب ام تصحيح لا يهم بل ما يهم هو ان لا تذهب ثورتهم، ضحاياهم ، أطفالهم، نسائهم، رجالهم، أبائهم، أمهاتهم وشعبهم هدراً. آن للكرامةِ أن تقامَ، فتلك تونسُ الخضراءُ عزا..وزاد العزُ في مصرَ مقام.