بعد إلغاء برنامج النزول الميداني للمحافظات الجنوبية لأساب أمنية كانت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هي محطتنا الأولى في لجنة استرداد الأموال والأراضي المنهوبة بمؤتمر الحوار الوطني .. كانت فرصة مواتية للجلوس مع من تبقى من هيئة رئاسة الهيئة التي بدت كمسافر يحزم أمتعته لمغادرة المكان. الكثير من التساؤلات طرحناها على طاولة رئاسة الهيئة.. بدا حجم المشكلة كبيراً جداً ..وبدت الهيئة من خلال ما استمعنا إليه عن “عتاولة” الفساد كنملة تصارع تنيناً.!. ميزانية الهيئة لا تكاد تساوي ربع حجم قضية فساد واحدة من عشرات القضايا التي تم الكشف عنها .. الفساد في بلادنا مثل الثقب الأسود الذي يلتهم مقدرات شعب يعاني من الفقر المدقع .. الثقب الأسود يمتص الضوء المار بجانبه .. وذلك ما يفعله اللصوص في بلادنا، حيث لا يكاد يمر من بين أيديهم شيء لم تمتد إليه وتبتلعه. المشكلة كما استمعنا إليها متجذرة كشجرة “سوكويا” عملاقة عمرها ثلاثة آلاف وخمسمائة عام .. في ظل غياب ثقافة عامة في الجهات الحكومية لمكافحة الفساد ..بما في ذلك القضاء المنوط به معاقبة الفاسدين الذين يتسربون من بين أصابعه مثل الماء. على الطرف الآخر لا يوجد تكافؤ في موازين القوى بين هيئة لمكافحة الفساد وفاسدون يمتلكون أموالاً طائلة وإمكانيات ووسائل إعلام تمكنهم من الفوز في كل مرة وهزيمة القضايا المرفوعة ضدهم، بل وحتى تغريم الهيئة أحيانا.. هناك ثغرات كبيرات في القوانين اليمنية تكاد تتسع لعبور قاطرة محملة بالأموال المنهوبة ..! وهناك مساحات شاسعة من قضايا الفساد تحتاج لإمكانيات هائلة لمجرد العبور من خلالها . كل ذلك يأتي في ظل تراجع هيبة الدولة وتوسع شبكات الفساد التي تعمل بتناغم كبير يشبه ما يحدث في أشد “الأخويات” سرية ونفوذاً في العالم.! الصراع السياسي يساهم أيضاً في تحصين الفاسدين، حيث يلجأ كل فاسد للتمترس خلف حزبه.. مرتدياً عباءات الرهبان مخفياً خلف ظهره خنجر أكثر فتكاً وخيانة من خنجر “ بروتس” ..يسدده كل يوم إلى ظهر الشعب المنهك..!