إن الرؤى الوطنية التي تخدم الشعب وتحقق إرادته الكلية ورغبته الموضوعية هي التي يجد فيها الشعب آماله وتطلعاته وتنطلق من تراثه الحضاري والانساني ومبادئ دينه الاسلامي الحنيف وقيمه وثقافته الانسانية، واليمن لا يقبل باستجلاب الفكر والمبادئ والقوالب الدستورية الجاهزة أو المفروضة من خارج ترابه الوطني، لأن اليمن طاهر لا يقبل إلاّ بما ينبت فيه من الطهر والنقاء. لقد شهدت الساحة الوطنية تجاذبات شتى في تقديم الرؤى الوطنية، وكانت مصادر تلك الرؤى متعددة، فما كان مصدره اليمن بكل قيمه ومبادئه وتراثه الانساني العظيم فإنه قابل للنقاش والحوار، وما كان متسورداً من خارج تراب الأرض اليمنية فإنه مرفوض جملة وتفصيلاً مهما لبس من رداء، لأن الرداء البراق لا يستطيع أن يخفي الجوهر من التبعية والالتزام للغير سلوكاً، والأكثر من ذلك كله أن إيمان اليمنيين وحكمتهم وصبرهم بات منارة لفهم التطلعات المستقبلية والتنبه والتحذير من الموقوع فيما يتعارض مع الخصوصية اليمنية، الأمر الذي يؤدي الى كشف بل وفضح المحاولات البائسة التي تحاول جعل اليمن تابعاً لا متبوعاً كما عرفه الفكر الوطني المستنير. إن متابعة المشهد السياسي الأكثر اشتعالاً خلال الأزمة السياسية التي عصفت بالأمن والاستقرار وأوقفت عجلة التنمية وحملت المواطن مالا يطيق وفتحت الباب للفساد ومكنته من المزيد من العبث، قد أظهرت الصورة الحقيقية لمن يريد أن يرهن البلاد والعباد ويجعل من اليمن تابعاً لا متبوعاً، ولذلك فإن الأقنعة المتعددة التي تسترت بعض القوى خلفها سقطت بشكل فاضح، وبينت بجلاء أن الذي يدوم ويبقى في تراب الوطن هو من يستمد فكره وبرامجه من الارادة الشعبية التي اعتصمت بحبل الله المتين وحافظت على الشرعية الدستورية وحمت التجربة الديمقراطية الشوروية وعززت الوحدة الوطنية. إن الارتباط بالغير مذلة والاستقواء بالغير فجور وخيانة ولذلك كله نشأ المؤتمر الشعبي العام من الشعب والى الشعب، وجسد آمال وتطلعات الجماهير وصاغ فكرة الاستماع لكل الشعب بكل فئاته الوطنية المستنيرة فتحقق للمؤتمر الشعبي العام الرضا والقبول الشعبي أساس الشرعية السياسية، وذلك من خلال نظيرته السياسية والفكرية والاقتصادية «الميثاق الوطني» الذي جعل من الاسلام عقيدة وشريعة فمنع الادعاء والوصاية والتبعية الخارجية وجعل من اليمن متبوعاً بحكم أن أبناء اليمن كانوا البذرة الأولى للاسلام الحنيف، وقد زادهم عزة وشموخاً عندما رفضوا الدعوات التي فصلت بين الاسلام والعروبة، وكان اصرار اليمنيين على أن الاسلام روح والرؤية جسد واذا افترق الجسد عن الروح انتهت حياته وضاعت هويته، وإذا افترق الروح عن الجسد ضاعت وحدته وهان على الآخرين. إن الربط المحكم في الفكر الاستراتيجي اليمني «الميثاق الوطني» بين الروح والجسد قد اعطى اليمن ومكانته الأزلية التي تجعل منه منارة للتوحد والتقارب ومنع الادعياء والاوصياء من المزايدة على الرؤية والاسلام، وفوت الفرصة على الذين يريدون اشعال النار بين الاسلام والرؤية واعاد الأمور الى نصابها السليم الذي جاء به محمد بن عبدالله «صلى الله عليه وسلم» ولذلك فإن شرعية المؤتمر أقوى من شرعية القوى الآخرى التي فرقت بين الجسد والروح، وهذا مصدر قوته ووحدته وسر جعله متبوعاً لا تابعاً، وهنا نجد التأكيد على جماهير المؤتمر الشعبي العام بضرورة التمسك بالميثاق الوطني الذي يمثل الشرعية الشعبية والسياسية الضمانة الأقوى للاستمرار والديمومة والقدرة على البذل والعطاء باذن الله..