خاص بالحقيقة من حمد الكواري – الدوحة. تقول الأخبار القادمة من داخل كواليس “الجزيرة” إن حالة من الاستغراب والصدمة والقلق تسود العاملين في المحطة القطرية. هذه الحالة بدأت، كما نقل مصدر في المحطة قريب من رئاسة التحرير فضّل عدم الكشف عن هويته، منذ أن خرجت تسريبات في الإعلام الغربي وخاصة الفرنسي بالإضافة إلى العربي عن إمكانية “تنحّي” الأمير لصالح ابنه تميم. وسبب الاستغراب هو تسريب هذه “الأخبار العاجلة” القطرية إلى وسائل إعلام أخرى بدلا من استخدام “الجزيرة” سواء العربية أو الانكليزية لنشرها، وهما الأقرب موضوعيا وعضويا لأن تكونا صاحبتي السبق الصحفي، بدلا من أن تأخذ “الجزيرة” مادتها عن قطر من الوكالات ووسائل الإعلام الأخرى. المحطة وصحفيوها عوملوا كغرباء من قبل أصحاب القرار عندما تعلق الأمر بقضايا السياسة القطرية الداخلية، وتبيّن أن لا دور للمحطة داخليا إلا بمقدار ترويج قرارات السياسة الداخلية لبيعها للخارج. أما الصدمة والقلق فمصدرهما الإحساس بأن أيادٍ خفية وقوية وفاعلة أدارت عملية نقل السلطة وتمريرها سياسيا وإعلاميا وأمنيا بكل تفاصيلها مهما صغرت حفاظا على الهدوء، وأن هذه الأيادي أعطت الجزيرة دوراً “تأبينيا” هامشيا مرسوما بدقة فحسب، ظاهره الاحتفاء بالأمير وخطوته، وباطنه يتلخص بكلمتين كانتا يمكن أن تكونا عنوان التغطية كلها: “وداعا حمد” (العنوان الرسمي للتغطية كان: “قطر .. خطوة غير مسبوقة”). ويشير المصدر المذكور إلى أن “التأبينية” المبالغ فيها في التغطية، من الموسيقا الدرامية التي اُستخدمت إلى سرد الانجازات الداخلية والخارجية، طغت على النفس الاحتفالي وجاءت أقرب إلى تغطية جنازة زعيم عربي. وهو ما يتناقض مع تسريبات عما سُمّي بدور إشرافي مستقبلي للأمير المتنحّي تحت عنوان “المرشد الأعلى”. كيف يتلاعب آل سعود وآل ثاني بالدين والسياسة… par riadhsidaoui المراسم “الجزيرية” ل”الوداع النهائي” أشعرت العاملين في المحطة، والكلام دائما للمصدر، باختفاء شبه قسري وبقرار خارجي لراعي المحطة ومؤسسها. ومما زاد قلق هؤلاء هو التعامل السرّي و”المركزي جداً” مع الترتيبات التي سبقت يوم التنحّي، حيث اُستدعي بعض المسؤولين الإخباريين بشكل منفرد ودون العودة إلى رئاسة التحرير، ممثلة بمدير الأخبار ابراهيم هلال، إلى مكتب الشيخ حمد بن ثامر آل ثأني رئيس مجلس الإدارة لتلقي التعليمات الأكثر من واضحة عن التغطية التي أُعدت على عجل. ويأتي على رأس هؤلاء مشرف الأخبار عاصف حميدي المعروف بلقب “السيد نعم” لأنه لم يرفع صوته مرة في وجه أي توجّه أو نقيضه. كما تمّ اللجوء إلى صحفيين موثوقين لإعداد التقارير والفقرات دون أن يشعر الآخرون بهم، أولهم رئيس التحرير السابق أحمد الشيخ الذي تعاون في الماضي مع عزمي بشارة في كتابة خطابات الأمير، والذي اُستقدم على عجل لإعداد تقرير افتتاحية النشرة عن “الخطوة غير المسبوقة” بصوته الجهوري، رغم أن منصبه في جزيرة اليوم كما يقول المطلعون هو “مستشار لا يُستشار”. بالإضافة إلى ماجد عبد الهادي الذي تناول السياسة الخارجية ولم تفته ملاحظة أن “قطاف السياسة الخارجية لقطر تجاه سورية لم يكن من طبيعة بذارها”. وقال مصدرنا متهكما: الحمد لله أن ماجد عبد الهادي لم يلجأ هذه المرة لحذلقاته الإنشائية، ولم يبدأ تقريره بعبارة من قبيل “وفي العام الثامن عشر من الحكم اختفى الأمير فجأة”! تقرير مسيرة الأمير المتنحّي كان من نصيب الجزائري عبد الحق صدّاح الذي قال في تقريره إن الأمير حمد “تولّى مقاليد الحكم عام 1995″، حيث مازال ممنوعا على صحفيي “الرأي والرأي الآخر” ذكر الإنقلاب ضد الأمير الأب في ذلك العام رغم أن الإنقلابيين أنفسهم يغادرون الساحة الآن. أما “المهمة الأقذر” فتُركت إلى اللبناني المقرب من أجهزة الأمن القطرية هيثم أبو صالح، الذي أتحف المشاهدين بمحاضرة عن الدستور القطري ومادته الثامنة التي تقول إن الحكم وراثي ينتقل إلى الإبن الذي يسميه الأمير وأن انتقال السلطة جاء منسجما مع الدستور! ومما رفع نسبة القلق والمفاجأة لدى موظفي الجزيرة وفق المصدر هو اتضاح أن التغطية، وعلى عكس التوقعات في مثل هذه الحالات، ركّزت على وداع الأمير المتنحي وإحكام إغلاق الصندوق الذي سيضم رفاة سياسته بدلا من الترحيب بالأمير الجديد وتلميعه، حيث لم يكن نصيب الأخير من التغطية إلا تقرير واحد عن شخصه ومسيرته دون أن يسمع المشاهد صوته ولو لمرة واحدة. وإذا كان مفهوما لموظفي المحطة أن تطغى تغطية أخبار صاحب المُلك المتنحّي على أكثر من ثلثي نشرة “منتصف اليوم” (في يوم التنحي 25 حزيران /يونيو) لينتقل الشأن السوري (معارك الغوطة والقابون) والشأن اللبناني (هزيمة واختفاء أحمد الأسير) والشأن الأفغاني (هجوم على القصر الجمهوري ومقر السي آي إيه) إلى آخر النشرة، فإنه كان من المقلق بالنسبة إليهم أن وريث صاحب الملك الذي ورث عنه الإمارة والمحطة لم يكن في مقدمة الصورة، ما فسره البعض أن أهمية “الجزيرة” في العهد الجديد لن تكون كما كانت عليه في العهد القديم خاصة بعد تراجع مشاهديها وعدم اتضاح دورها المستقبلي مع تحقيقها للكثير من الأهداف التي أُنشئت من أجلها وانتفاء الحاجة إليها. عدم التركيز على أمير البلاد الجديد فسّره العالمون بتوجهات السياسة القطرية بأنه يصب في اتجاه النأي بالأمير الجديد عن سياسة البلاد الخارجية في الفترة الماضية وأداتها الأكثر أهمية من وزارة الخارجية، أي قناة “الجزيرة”. وإذا صحّ أن السياسة الداخلية ستكون عنوان المرحلة القادمة في قطر ،فهذا يعني أن بإمكان العاملين في “الجزيرة” البدء بإعداد حقائب السفر ولو بعد حين، على الأقل بالنسبة لكثير منهم. يُضاف إلى كل هذا، وفق مصدرنا، أن شعورا عاما نشأ لدى العاملين في المحطة بأن الأمور في البلاد وعلى عكس ما حاولت الشاشة ترويجه ليست على ما يُرام. بعض العاملين في المحطة لم يخفِ استغرابه من برود ردود الأفعال العربية والإقليمية والدولية. لم يأت ردّ فعل أمريكي يمتدح “الخطوة غير المسبوقة”، بل بيان باهت للبيت الأبيض عن استمرار العمل مع الشيخ تميم. واقتصر تعليق وزير الخارجية البريطاني أيضا على تمني النجاح للأمير الجديد. دول الخليج من السعودية إلى عُمان ومن الكويت إلى البحرين والإمارات اكتفت بتهنئة الأمير الجديد، بينما لم يخلُ بيان مقتضب للخارجية الإيرانية من مكرٍ حين تحدّث عن “إجراء ذي أهمية” وعن أن “أي خطوة تؤدي إلى استقرار قطر تصب في مصلحة المنطقة ككل”، في إشارة لم تلاحظها قارئة الخبر المذيعة غادة عويس إلى تقلقل الأوضاع في إمارة قطر في الفترة الماضية وانتهاء الصلاحية الإقليمية والدولية لباني قطر الحديثة. ونقل المصدر امتقاع وجوه صحفيي المحطة وهم يتابعون على شاشة محطتهم مقابلات وردود أفعال لمحللين سياسيين (مصر) ومسؤولي مؤسسات للمجتمع المدني (ليبيا) وشخصيات كزعيم الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر في فلسطينالمحتلة،رائد صلاح، بدلا من تصريحات لقادة دول وأصحاب قرار حقيقيين في الشرق والغرب، خاصة وأن طموح الأمير المتنحي كان أن يتحول إلى عبد الناصر الإسلامي. ولم يتمكن محمود عباس، من إخفاء ملله وهو يُعدد إنجازات الأمير المتنحي، أما خالد مشعل فزلّ لسانه حين تحدّث عن معرفته بالأمير المتنحي حمد منذ “ما يُقارب عشرين عاما”، أي عندما كان الأخير وليا للعهد، وعندما كان مشعل في الصفوف الخلفية جدا من قيادة “حماس”، ما دفع “الجزيرة” إلى الإمتناع عن بث التصريح في النشرات اللاحقة لما قد يثيره من تكهنات عن علاقة الأمير القديمة بالحركات الإسلامية! ولاحظ مصدرنا المطلع على تفاصيل غرفة الأخبار في “الجزيرة” أن السريّة والمركزية وعدم الوضوح السياسي جعل فقرة “صوت الشارع العربي”، التي طالما استخدمتها المحطة في الأحداث الكبرى من خلال مقابلة الناس في عدة مدن عربية وسؤالهم عن آرائهم، تقتصر في حالة تنحّي الأمير على الشارعين: الغزاوي وشارع بذاته في مكان ما من سوريا يقع تحت سيطرة المعارضة. ويختم المصدر بالقول إن مرحلة كاملة قد انتهت في قطر إعلاميا وسياسيا، وينقل عن مذيع سوري معروف قوله بصوت خافت في غرفة الأخبار: يبدو أن دورنا قد جاء بعد المعارضة السورية للانتقال إلى الرياض، قبل أن ينهض هذا المذيع للاتصال بصديق له يعمل في قناة … “العربية” السعودية!