نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    مصرع مجندان للعدوان بتفجير عبوة ناسفة في ابين    جيش المدرسين !    أبين.. حريق يلتهم مزارع موز في الكود    وقفات جماهيرية بصنعاء تاكيدا على استمرارًا للجهوزية    وجهة نظر فيما يخص موقع واعي وحجب صفحات الخصوم    الانتقالي والالتحام بكفاءات وقدرات شعب الجنوب    استشهاد جندي من الحزام الأمني وإصابة آخر في تفجير إرهابي بالوضيع    حضرموت بين تزوير الهوية وتعدد الولاءات    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    بعد صفعة المعادن النادرة.. ألمانيا تُعيد رسم سياستها التجارية مع الصين    في بطولة الشركات.. فريق وزارة الشباب والرياضة يحسم لقب كرة الطاولة واحتدام المنافسات في ألعاب البولينج والبلياردو والبادل    البرتغال تسقط أمام إيرلندا.. ورونالدو يُطرد    الحسم يتأجل للإياب.. تعادل الامارات مع العراق    اليوم الجمعة وغدا السبت مواجهتي نصف نهائي كأس العاصمة عدن    بطاقة حيدان الذكية ضمن المخطط الصهيوني للقضاء على البشرية باللقاحات    الدفاع والأركان العامة تنعيان اللواء الركن محمد عشيش    مهام عاجلة أمام المجلس الانتقالي وسط تحديات اللحظة السياسية    عدن تختنق بين غياب الدولة وتدفق المهاجرين.. والمواطن الجنوبي يدفع الثمن    أوروبا تتجه لاستخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا    الجيش الأميركي يقدم خطة لترامب لضرب فنزويلا ويعلن عملية "الرمح الجنوبي"    حكام العرب وأقنعة السلطة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة اللواء محمد عشيش    مي عز الدين تعلن عقد قرانها وتفاجئ جمهورها    جمعيات المتقاعدين والمبعدين الجنوبيين تعود إلى الواجهة معلنة عن اعتصام في عدن    الملحق الافريقي المؤهل لمونديال 2026: نيجيريا تتخطى الغابون بعد التمديد وتصعد للنهائي    مبابي يقود فرنسا للتأهل لمونديال 2026 عقب تخطي اوكرانيا برباعية    إسرائيل تسلمت رفات أحد الاسرى المتبقين في غزة    هالاند يقود النرويج لاكتساح إستونيا ويقربها من التأهل لمونديال 2026    الرئيس عون رعى المؤتمر الوطني "نحو استراتيجية وطنية للرياضة في لبنان"    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    مصادر: العليمي يوجه الشؤون القانونية باعتماد قرارات أصدرها الزُبيدي    قراءة تحليلية لنص "فشل ولكن ليس للابد" ل"أحمد سيف حاشد"    الرياض.. توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز الطاقة في اليمن بقدرة 300 ميجاوات بدعم سعودي    عدن.. البنك المركزي يغلق منشأة صرافة    صنعاء.. البنك المركزي يوجه المؤسسات المالية بشأن بطائق الهوية    جوم الإرهاب في زمن البث المباشر    أغلبها استقرت بمأرب.. الهجرة الدولية تسجل نزوح 90 أسرة يمنية خلال الأسبوع الماضي    تدشين حملة رش لمكافحة الآفات الزراعية لمحصول القطن في الدريهمي    وزير الصناعية يؤكد على أهمية تمكين المرأة اقتصاديا وتوسيع مشاركتها في القطاعات التجارية    غموض يلف حادثة انتحار مرافِق المخلافي داخل سجنه في تعز    القصبي.. بين «حلم الحياة» و«طال عمره» 40 عاما على خشبة المسرح    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    حضرموت.. مسلحو الهضبة يهاجمون قوات النخبة والمنطقة الثانية تصدر بيان    شبوة:فعالية تأبينية مهيبة للإعلامي والإذاعي وكروان التعليق الرياضي فائز محروق    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    مناقشة آليات توفير مادة الغاز المنزلي لمحافظة البيضاء    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى رحيل صديق الفقراء والقراء
نشر في البيضاء برس يوم 02 - 09 - 2016

كنتُ في 30 أغسطس من كل عام أعد ملفاً صحفياً جديداً في ذكرى رحيل الأديب العربي الكبير عبدالله البردوني ضمير اليمن وروحها البيضاء لحساب مجلة الكويت التي أحبته أو لصحيفة الثقافية المحلية.

وطيلة سبع سنوات تلت عام رحيله في 1999 كنت أبحث عن جديد في أدبه وسيرته وحكاياته ومؤلفاته السياسية والأدبية وطرائفه التي لا تشيخ.. ولا أنسى في كل مرة أن أسأل عن تركته الأدبية التي لم ترَ النور بعد، فالموت قد داهم البردوني فجأة وله قصائد مبعثرة ودواوين لم تطبع ومقالات سياسية ونقدية لم تنشر ولا أحد يعرف مصيرها غير زوجته “فتحية الجرافي” وكتبته ومريديه، ومع مرور 17 عام على رحيله لم ينشر شيء من ميراثه غير بعض القصائد التي نشرها الملحق الثقافي بصحيفة الثورة، بجهد محمود من الزميل محمد القعود.

أتذكر في منتصف 2007 أن الأستاذ أحمد جابر عفيف “رحمه الله” قال لي بعد أسبوعين سنحتفي بصدور ديوان “العشق في مرافئ القمر” وسألته عن ديوان “رحلة ابن من شاب قرناها”.. وسكت!.

مرت السنون ولم يصدر هذا ولا ذاك.. فضلاً عن كتاب “الجمهورية اليمنية” الذي ظل قادة اتحاد الأدباء ومقربو البردوني يؤكدون مصادرته من مطار صنعاء أثناء وصول طبعته الأولى من بيروت، وأن الجهاز القمعي لعلي صالح ذهب إلى أبعد من ذلك وطلب من الناشر اخفاء النسخة الالكترونية التي بحوزته، لأنها تتحدث عن يمن ما بعد 1990 وتداعيات ما بعد حرب 1994.. أما وجود ديوان مخفي بعنوان “أحذية السلاطين” فقد كان كذبة كبرى، فالبردوني كان يرى السلاطين أحذيته ولا يمكنه جعل ديوانه أحذية لهم، وكذلك رواية يتيمة بعنوان “العم ميمون” هي الأخرى لا دليل على صحتها.

أمس الأول مرت ذكرى رحيل هذه القامة السامقة وتسال الناس ماذا لو كان حياً ورأى أحفاد الإمامة قد هدموا بنيان سبتمبر العظيم وانقلبوا على النظام الجمهوري، وعادوا يمجدون السلالية والعنصرية والتراتب الطبقي، وهو من قاومهم بأشعاره الممجدة للحرية والمستنهضة لهمة اليمني ومجده وقيمته على مر التاريخ.

كان لا ينسى في كل قصيدة هجاء صفع بها وجه الإمام يحيى أو نجله أحمد أن يذكّر الإنسان اليمني بتاريخه العنيد المقاوم للطغيان، وبكبرياء حضارة عمرها 4 آلاف سنة، وانه صانع تاريخ وتحولات، طوّع الجبال وألان الحديد، وأن النفسية التحررية لليمني لن تقبل الذل والاستبداد، فملكة سبأ حين قالت لقومها “ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون” لم تقلها رغبة في تعزيز ثقافة الديمقراطية التي يعيشها قومها بقدر إدراكها أنها أمام شعب لا يقبل تفرد الحاكم بالقرار.

كان البردوني لا ينسى في كل قصيدة أن يهين من أهانوا قدرات شعبه كما لا ينسون هم سجنه بعد كل قصيدة، وهو الشاب الضرير، حتى في اللحظات التي يتسلون فيها بالإفراج عن سجناء بمناسبات عيدية يسارعون في نقله من سجنه حتى لا يشمله العفو، كما فعلوا حين نقلوه من سجنه في ذمار إلى صنعاء عشية عيد الجلوس لأنه في ذات المناسبة من العام الماضي خاتل الإمام أحمد وأوهمه بسماع قصيدة تمجيدية سيلقيها في حفل عيد جلوس الإمام في عرشه، وحين بدأ الحفل أسمعه بين الحضور ما لا يحب؛ ومنها:

عيد الجلوس أعر بلادك مسمعاً
تسألك أين هناؤها ؟ هل يوجدُ؟
تمضي و تأتي و البلادُ وأهلها
في ناظريك كما عهدتَ و تعهدُ
****
الشعب أقوى من مدافع ظالمٍ
وأشدّ من بأس الحديدِ وأجلدُ
والحقّ يثني الجيشَ وهو عرمرمٌ
ويفلُّ حدَّ السيف وهو مهنّدُ
يا ويح شرذمة المظالم عندما
تطوى ستائرها ويفضحها الغدُ!
وغداً سيدري المجدُ أنّا أمّةٌ
يمنيّةٌ شمّا؛ و شعبٌ أمجدُ
وستعرف الدنيا وتعرف أنّه
شعبٌ على سحق الطغاةِ معوّدُ

وفي قصيدة “وعيدٌ وعتاب” زلزل الأرض من تحت أقدام الطغاة، وتوعدهم متسلحاً بإرث هذه الأمة اليمانية المتمردة:

لماذا تدوس حشاي الجريح
وفيه الحنان الذي دلّلكْ
ودمعي؛ ودمعي سقاك الرحيق
أتذكر “يا نذلُ” كم أثملكْ !
فما كان أجهلني بالمصير
وأنت لك الويل ما أجهلكْ !
غداً سوف تعرفني من أنا
ويسلبك النبل من نبّلكْ
ففي أضلعي. في دمي غضّبةٌ
إذا عصفت أطفأت مشعلكْ
غداً سوف تلعنك الذكريات
ويلعن ماضيك مستقبلكْ
و يرتدّ آخرك المستكين
بآثامه يزدري أولكْ
ويستفسر الإثم: أين الأثيم؟
وكيف انتهى؟ أيّ درب سلكْ؟

كان البردوني “طيب الله ثراه” يشترط على الناشرين أن يبيعوا دواوينه في اليمن بأقل الأسعار مقابل تنازله عن حقوق الملكية، حتى صار أهم ديوان للبردوني بسعر أقل من 10 سنتات، وكذلك كتبه الفكرية والسياسية.

رحل البردوني صديق الفقراء والقراء وكل ما يملكه بيته الصغير بصنعاء، أما ما نملكه نحن إرثاً منه فقد كان 12 ديواناً شعرياً، و7 كتب أدبية ونقدية وسياسية، وجوائز محلية وعربية ودولية وشهادات تقديرية تبدأ من اليمن وتنتهي بإصدار الأمم المتحدة عملة معدنية فخرية عليها صورته في عام 1984.. ورصيداً تاريخياً سيصمد لمئات السنين، فالنبوءات لا زالت تتدفق في شعره مثيرة للدهشة والاستغراب من هذا الرجل الكفيف الذي رأى ما لا يُرى، وتفحص زمانه وما هو أبعد منه.

حتى ونحن نزور قبره نمتلئ صبراً وإصراراً وعزيمةً ونحن نقرأ تلك اللوحة الرخامية الواقفة عند رأسه، وفيها قصيدة “أحزانٌ وإصرار”، ومنها:

مُرةٌ أحزاننا.. لكنها
-يا عذاب الصبر أحزانُ الرجالْ
نغتلي.. نبكي على من سقطوا
إنما نمضي لإتمام المجالْ
نعرف الموتَ الذي يعرفنا
مسنّا قتلاً.. ودسناه قتالْ
موتُ بعضَ الشّعبِ يحيي كلّه
إنّ بعضَ النقص روحُ الاكتمالْ

مرافقو أديبنا الكبير وكتبته أفرجوا عن ما بحوزتكم من مكنوزاته، احتكارها أو اخفاءها لن يفيد، وسرقتها فضيحة سيكشفها الزمن ولو بعد حين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.