رفض الرئيس القرغيزي المخلوع كورمان بك باكييف، أمس الخميس (08-4-2010) التخلي عن منصبه، رغم إقراره بعدم قدرته على التأثير على الوضع الحاصل ونقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن وسائل إعلام قرغيزية قول باكييف في تصريح له "أصر على أنني كرئيس لم ولن أتخلى عن مهامي". وأضاف باكييف أنه في الوقت الراهن "ليس لديه الفرصة للتأثير على الوضع في البلاد"، معترفاً بأن القوات المسلحة والشرطة وأجهزة الأمن باتت إلى جانب المعارضة.
وبعدما غادر باكييف العاصمة بشكيك الاربعاء، أكد متحدثا لإذاعة "أصداء موسكو" أنه موجود "في جنوب" قرغيزستان و"لا ينوي" الخروج من المنطقة. وقد أكدت الحكومة الانتقالية أنه موجود في مدينته جلال آباد الواقعة جنوب البلاد. وقال عبر الموقع نفسه إن "قيرغيستان اليوم على شفير كارثة إنسانية" داعيا المجتمع الدولي "لمنح الأوضاع في قرغيزستان عناية خاصة".
وأقر باكييف بأن الجيش والشرطة أصبحا تحت سيطرة الحكومة الانتقالية التي شكلتها المعارضة. وقال "للأسف، لقد أصبح الجيش والشرطة تحت سيطرة السلطة الجديدة، وهما غير قادرين على بسط الأمن"، في إشارة إلى عمليات النهب في المباني والمراكز الحكومية والمتاجر في بشكيك ليل الأربعاء الخميس. وأضاف باكييف "وأنا كرئيس لجمهورية قرغيزستان لم أعد أملك أي وسيلة حاليا للتأثير على الأوضاع في البلاد".
مباركة روسية من جهة أخرى قال باكييف رئيس قرغيزستان المخلوع لرويترز الخميس إنه لايريد أن يعتقد أن روسيا كانت وراء الاحتجاجات التي أطاحت به من السلطة . وأضاف باكييف الذي أكد أنه موجود في جنوب قرغيزستان "لا أستطيع القول بأن روسيا وراء ذلك ... لا أريد أن أقول ذلك. أنا فقط لا أريد أن أعتقد ذلك ." يأتي ذلك بعد إعلان روسيا عن إرسالها حوالي 150 جنديا مظليا إلى قاعدتها الجوية "كانت" في الأراضي القرغيزية، لتأمين الحماية لعائلات الطاقم العسكري. ونقلت "نوفوستي" عن رئيس الأركان الروسي نيكولاي ماكراوف الذي يرافق الرئيس دمتري ميدفيديف إلى براغ، قوله "إن الرئيس قرّر إرسال سريتين من الجنود المظليين إلى هناك وأن 150 شخصاً وصلوا إليها". وأبلغ رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أمس رئيسة الحكومة المؤقتة التي شكلتها المعارضة القيرغيزية روزا أوتونباييفا في اتصال هاتفي استعداد بلاده لتقديم مساعدات إنسانية لقيرغيزستان.
75 قتيلاً.. ضريبة التغيير
وأعلنت وزيرة الصحة في الحكومة القيرغيزية المؤقتة التي شكلتها المعارضة، داميرا نيازالييفا، مقتل 75 شخصاً في الاحتجاجات الأخيرة في البلاد. ونقلت "نوفوستي" عن نيازالييفا قولها إن عدد الجرحى قد ارتفع أيضاً بعد يومين من الاحتجاجات وإن الرقم يخضع للتدقيق. وكانت تقارير سابقة قد أفادت أن عدد الضحايا بلغ 64 قتيلاً و500 جريح. وأعلنت الحكومة المؤقتة أن القوات المسلحة في البلاد بالإضافة إلى حرس الحدود، انضموا إلى المعارضة. وقال وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة إسماعيل إيزاكوف إن القوات المسلحة في البلاد وحرس الحدود انضموا إلى جهة المعارضة. كما قال وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة بولوتبك شيرنيازوف إن عناصر الشرطة انضموا أيضاً إلى المعارضة..
المرأة القوية
وكانت زعيمة المعارضة ورئيسة الحكومة أوتونباييفا قد أعلنت عن حلّ البرلمان وتولي ميادين السلطة من رئيس البلاد والحكومة، وأضافت أن الحكومة المؤقتة ستستمر 6 أشهر، مؤكدة أن رئيس الوزراء دانيار أوزينوف وقع رسالة استقالة، وأن المعارضة باتت تسيطر تماماً على السلطة، وأعلنت أن المعارضة تسيطر على 4 مناطق في البلاد من أصل سبع. وأشارت إلى أن الرئيس باكييف لم يتنازل عن منصبه بعد، وهو يحاول تنظيم مقاومة في جنوب البلاد حيث لديه مقر ومناصرون مشيرة إلى أن مكان باكييف لا يزال مجهولاً، فيما أشارت وسائل الإعلام إلى وجوده في مقره الآخر في مدينة أوش جنوب البلاد. في هذه الأثناء دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس في فيينا إلى إعادة العمل بالنظام الدستوري في قرغيزستان حيث استولت المعارضة على السلطة بعد انتفاضة شعبية. وقال بان في كلمة ألقاها أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في فيينا "حان وقت العمل بشكل عاجل لإعادة النظام الدستوري". وأعلن بان كي مون أمس انه سيرسل الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيس كموفده الخاص إلى قرغيزستان. وقال بان للصحافيين "سأرسل يان كوبيس موفدا خاصا"، مضيفا أن الأخير "سيكون في قرغيزستان الجمعة. وخلال مؤتمر صحافي عقده في وزارة الخارجية النمساوية إثر لقائه الوزير ميكاييل شبيندليغر أعلن بان أن "منظمة الامن والتعاون في أوروبا سترسل ايضا موفدا".
سلب ونهب
ويجول عشرات القرغيزيين بين أنقاض منزل رئيسهم كرمان بك باكييف التي لا يزال الدخان يتصاعد منها فيستولون على كتب او تحف او حتى أجهزة تدفئة كانت لرئيسهم غداة طرده من السلطة بعد يوم من المواجهات الدامية. ويجتهد ستة أطفال لرفع صندوق ضخم مليء بالمجلات والكتب عثروا عليه في فناء المبنى الذي انهار قسم من سطحه خلال الليل بعدما اشتعلت فيه النيران. وفي داخل القصر الرئاسي يعمل رجلان وسط الركام وشظايا الزجاج على فك جهاز تدفئة ضخم مثبت بالجدار، فيما تتسرب المياه من أنبوب مثقوب فيه وتسيل إلى قبو المنزل.
وكتب على أحد الجدران "الموت لباكييف"، ما يعبر عن الحقد الذي تكنه شريحة من السكان للرئيس الذي فر الاربعاء من بشكيك. ويلوح رجل للحشد بصورة ممزقة لزوجة الرئيس تظهر فيها تضع كمًا من الحلي ويصيح "انظروا كيف كان آل باكييف يعيشون! انظروا الى كل هذا الماس، في حين أن الشعب يكافح للبقاء!". ويعكس ذلك مشاعر العديد من المتظاهرين الذين نزلوا الى شوارع بشكيك الأربعاء للمطالبة باستقالة كرمان بك باكييف المتهم بالفساد والمحاباة والتسلط، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية مزمنة.
ويقول نور علي بايماتوفيتش متأملا مواطنيه وهم يبتعدون حاملين غنائمهم إن "السلطة نهبت الشعب، والآن جاء دور الشعب لينهب السلطة". ويوضح أنه مدير مدرسة، وأنه يعتزم مع زملائه أن يثبت في المدرسة اجهزة التدفئة التي فككوها من قصر الرئاسة، مشيرا إلى أن هذا لا يعتبر من قبيل النهب اذ أنهم يسعون "لمساعدة الاطفال على بناء مستقبلهم". وأضاف "الناس ضاقوا ذرعا، فانفجر الوضع. لكن صحيح أنه كان يجدر الحفاظ على المنزل، فهو قيم وينبغي أن يعود للدولة". وتنتشر مشاهد النهب على نطاق واسع في وسط بشكيك في مقري الرئاسة والحكومة حيث قتل وأصيب العشرات من متظاهري المعارضة الأربعاء حين فتحت الشرطة النار عليهم لمنعهم من اقتحام المبنى. وكانت أروقة المبنى لا تزال تغص صباح الخميس بالمئات، بعضهم يغادر حاملا ما تمكن من العثور عليه، جهاز كمبيوتر أو حتى إطارات سيارات رسمية متفحمة. وتظهر آثار الحريق على المبنى الضخم المعروف ب"البيت الابيض" فيما يرمي القرغيزيون من الزجاج المحطم آلاف الوثائق الرسمية التي تسقط أرضا فتكسو أرض الحديقة في الأسفل. ويجول مئات المواطنين في الخارج يتأملون هياكل السيارات والشاحنات المحروقة التي استخدمت الأربعاء لاقتحام مداخل مقر السلطة القرغيزية. وإن كانت الشوارع تشهد حركة مارة وسيارات، إلا أن الحياة لم تعد بعد الى طبيعتها ولا تزال المتاجر والمطاعم مغلقة خوفا من أعمال النهب