عندما يصبح كل شيء قائم على «قاعدة مشي حالك» تختل المعايير وتسود العشوائية فتوكل المهام إلى غير أهلها ويتحّمل المسئولية من هم غير جديرين بحملها، ليس على مستوى الوظيفة العامة فقط وإنما في أدنى المستويات. / فمثلاً، ما أسهل الحصول على بطاقة شيخ ولقب شيخ وسلطة شيخ وراتب شيخ ومرافقي شيخ، وهنجمة ونفوذ شيخ، ولكن من الصعب جداً الحصول على شيخ بحق وحقيقة وبكل ما تحمله الكلمة من معنى رغم هذا الحشد الهائل من المشائخ الذين تعجّ بهم البلاد، وكلهم يقتاتون من عرق الرعوي وشقاه، والذين لا ندري ما هو دورهم في المجتمع وبين أوساط الرعية غير تفجير الصراعات وخلق المشاكل وإشعال الفتن وإضعاف سلطة الدولة والتعدي على حقوق المستضعفين ونهب الممتلكات العامة والخاصة وخرق النظام والقانون وحماية القتلة والمجرمين والمخربين وقطاع الطرق والتستر عليهم ومقاومة الدولة والوقوف في وجهها ومنعها من القيام بواجبها تجاه رعاياها والحيلولة دون بسط نفوذها وترسيخ الأمن والاستقرار في المناطق الواقعة تحت هيمنتهم. كما أن كلمة شيخ لم تعد ذات أهمية ولها قيمتها كما كانت من قبل بعد أن أصبحت كلمة مستهلكة وشائعة تطلق على الجميع دون استثناء مما أفقدها مضمونها وقيمتها ومكانتها الاجتماعية.. فكل يوم وكل ساعة يولد لنا شيخ جديد يضاف إلى القائمة المليونية للمشائخ بفضل وبركة فقاسة شئون القبائل حتى أصبحت اليمن بفعل جهود هذه الفقاسات في عموم المحافظات تحتل المرتبة الأولى وبدون منافس في إنتاج المشائخ.. ولكن هذا المنتج للاستهلاك المحلي وليس للتصدير رغم الفائض عن حاجة السوق المحلية وهو المنتج الوطني الوحيد الذي لم تستطع الصين منافستنا فيه وغزو أسواقنا بمشائخ من صنع الصين. فصفة شيخ مفضلة على كل الصفات ولقب شيخ مرغوب فيه أكثر من أي لقب آخر.. فالدكتور الجامعي شيخ والطبيب شيخ ومدير المدرسة شيخ والمسئول شيخ ورئيس المجلس المحلي شيخ والوزير شيخ والنائب البرلماني شيخ والضابط شيخ ،ومدير الأمن شيخ، والعسكري شيخ والتاجر شيخ والقاضي شيخ ووكيل النيابة شيخ ووكيل المحافظة شيخ والمحافظ شيخ وسواق الحافلة شيخ... الخ..فكلمة شيخ أصبحت ثقافة مجتمعية يتداولها جميع أفراد المجتمع بمختلف شرائحهم وثقافتهم، فالجميع يتحدثون بثقافة واحدة، ولأنك في اليمن فلا تعجب حين تسمع أحد الركاب يخاطب صاحب الحافلة.. يا شيخ لو سمحت عندك على جنب قبل الجولة الله يحفظك؟! أو تسمع شخصاً آخر يتصل بمدير مدرسته ويقول له: يا شيخ حصلت لي ظروف خلي أحد الزملاء يغطي بدلاً عني وأي أوامر يا شيخ.. وغيره «ها يا شيخ أيش عملت بالقضية حق الجماعة درست الملف سوى»... أنا أمس كنت مخزن عند الشيخ أيش رأيكم نعملها ونتغدى بمطعم الشيخ.. أمانة أتوصى بي عند الشيخ، سلم على الشيخ، والله ما عصدها غير الشيخ، كيفك يا شيخ معي عندكم محبوس نشتي تطلقوه، بكم الكيلو الطماط يا شيخ، لو سمحت أين عيادة الدكتور الشيخ، سلم لي على الشيخ وهكذا.. ولا تعجب أيضاً حين تسمع أحد موظفي مكتب شئون القبائل يصرخ بأعلى صوته «وعندك واحد شيخ وصلّحه» وهو يستلم ملف معاملة لشيخ جديد يولد، مع اعتذاري لكل من هو شيخ حقيقي يعرف المشيخة وأصولها وواجباتها.