ذكرت تقارير صحفية أن الحكومة التركية أقرت خطة تتضمن سلسلة من الإجراءات للرد على الهجوم الإسرائيلي على سفن الأسطول، تصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية والعسكرية وتجميد مختلف أشكال التعاون في جميع المجالات، وذلك في حال إصرار دولة الاحتلال على عدم الاعتذار لأنقرة على خلفية قيام قواتها البحرية بالاعتداء على السفينة التركية "مرمرة" والتي كانت ضمن "أسطول الحرية"، وأسفر العدوان الإسرائيلي عن مقتل تسعة أتراك وإصابة العشرات. ونقلت تلك التقارير عن مصادر تركية وصفتها بالمطلعة، أن هذه الخطة نوقشت في اجتماع مجلس الأمن القومي المصغر برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان، الذي عقد بعد يومين من العدوان الإسرائيلي على "أسطول الحرية" ، وكذلك في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة أردوجان أمس الأول.
وحدّدت المصادر ملامح هذه الخطة في مجموعة من الخطوات تبدأ بتقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي في إسرائيل إلى أقصى درجة، وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، ومنع دخول جميع السفن الإسرائيلية إلى الموانئ التركية، إضافة إلى عدم منح تأشيرة دخول للإسرائيليين، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية الموقعة مع الدولة العبرية، وتجميد مشروعات التعاون في مجالات الصناعة والزراعة.
في سياق متصل، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر تركية قولها إنّ أنقرة لن ترسل سفيرها الجديد كريم أورس إلى تل أبيب، طالما أن الحكومة الإسرائيلية لم تعتذر عن هجومها على سفن "اسطول الحرية"، في وقت قالت مسؤولة في شركة "الصناعات الجوية الإسرائيلية" إنّ الشركة استدعت موظفيها من تركيا "لأسباب أمنية"، مشيرة إلى أن هذا "إجراء موقت". وقالت تركيا في وقت سابق إنه ينغي على إسرائيل، لو أرادت عودة الهدوء للعلاقات مع أنقرة، أن تقدم اعتذارا أمام الرأي العام تعترف بمسؤوليتها عن مأساة اسطول الحرية, وترفع الحصار المفروض على قطاع غزة, وتوافق على إجراء تحقيق دولي مستقل. وكانت الحكومة الإسرائيلية بزعامة المتطرف بنيامين نتنياهو، أعلنت في وقت سابق عن رفضها تقديم أي اعتذار لتركيا على مجزرة "أسطول الحرية" التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المتضامنين على السفينة التركية "مرمرة". ونقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مسئول بارز في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن طلب تركيا للاعتذار الرسمي هو في المقام الأول حجة لتبرر مساعي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بشكل تام. حملة ضد أردوجان كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد واصلت حملة التحريض ضد أردوجان، حيث نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، تقريراً موسعاً عن أصول أردوجان، مشيرة إلى أن الطفل الفقير رجب طيب أردوجان بائع البطيخ في المرحلتين الابتدائية والإعدادية وبعدها بائع الفستق تحول إلى أحد أهم الشخصيات في الشرق الأوسط، متهمة إياه ب "معاداة السامية" وبالتأثر بزوجته "ذات الأصول العربية "أمينة من لواء الاسكندرون" وكراهيتها لإسرائيل". وزعمت "يديعوت" أن "ثمة تراجعاً كبيراً في شعبية رئيس الوزراء التركي وأنه سيسقط عن فرس السلطة إذا لم يبدِ حذراً واعتدالاً في تصريحاته". وكان أردوجان قد صعد من لهجته ضد إسرائيل في أعقاب عدوانها على السفينة التركية "مرمرة" والتي كانت ضمن "اسطول الحرية"، واسفر الاعتداء الإسرائيلي عن مقتل 9 أتراك وإصابة عشرات آخرين. واعتبر أن "مصير القدس مرتبط بمصير اسطنيول.. وأن مصير غزة مرتبط بمصير أنقرة"، متعهداً "بعدم تخلي تركيا عن الفلسطينيين وحقوقهم، حتى ولو تخلى العالم عنهم". وجدد إدانته للاعتداء الإسرائيلي على سفن "أسطول الحرية"، مؤكداً أن "تركيا لن تدير ظهرها للفلسطينيين حتى لو أدار العالم كله ظهره لهم". واضاف: "إن قضية فلسطينوغزةوالقدس والشعب الفلسطيني قضية مهمة بالنسبة لتركيا، وتركيا لن تدير ظهرها لهذه القضية"، مشيراً إلى أن" إسرائيل لم تكتف بقتل الأطفال الفلسطينيين في أحضان أمهاتهم، لكنها ترى في المواد الغذائية الموجهة إلى أطفال غزة خطراً يهدد أمنها ويخافون من الأبرياء العزل ويدمرون المستشفيات". قلق إسرائيلي كان سفير إسرائيل السابق في أنقرة ،الون لئيل، صرح أن مستقبل العلاقات الإسرائيلية التركية بات رهينة التحقيق في الهجوم على "أسطول الحرية"، مشيراً إلى أنه لا يتوقع أن تتعاون تل أبيب مع لجنة تحقيق دولية، وبالتالي يعني ذلك، خفض مستوى العلاقات الديبلوماسية بينهما من قبيل عدم إرسال سفير جديد إلى تل أبيب مدة طويلة. وقال في تصريحات صحافية "نأمل أن لا يغرق "أسطول الحرية" علاقاتنا بتركيا. وبدون حدث كبير كاستئناف المفاوضات مع سوريا بوساطة تركية أو إتمام صفقة تبادل أسرى "بين إسرائيل وحماس"، سنبلغ وضعاً لا يكون فيه سفير تركي في تل أبيب". كما جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود أولمرت، دعوته لإعادة ترميم العلاقات بين إسرائيل وتركيا، محذراً من دفع تركيا إلى "محور الشر"، داعياً الى الإبقاء عليها حاجزاً بين هذا المحور وإسرائيل. واستدرك أولمرت قائلا "رغم معارضتي تشكيل لجنة تحقيق في العدوان، بالأهمية الاستراتيجية لعلاقات إسرائيل معها، لكن تركيا دولة قوية يسكنها 80 مليون نسمة، واقتصادها متين وجيشها قوي، وعلينا بذل جهد كبير لترميم علاقاتنا معها، وتركيا ليست دولة عدو بالنسبة الينا". في المقابل، قال الرئيس التركي عبد الله جول إنه من المستحيل نسيان الهجوم الإسرائيلي على "أسطول الحرية" أو المسامحة فيه بدون اتخاذ مبادرات تسمح بتغيير المعطيات. ووصف جول، في مقابلةٍ مع صحيفة "لوموند" الفرنسية السبت الهجوم على "أسطول الحرية" ب"الجريمة التي تنفذها منظمات إرهابية". وتابع: "سيكون من المستحيل النسيان أو المسامحة بدون اتخاذ مبادرات تسمح بتغيير المعطيات على الأقل"، مطالبًا الكيان الصهيوني بالاعتذار، ووضع نظام تعويض، وإنشاء لجنة تحقيق، ورفع الحصار عن قطاع غزة.